
صفية بنت عبد المطلب.. عمّة النبي ﷺ وسيدة العزم والشجاعة
المقدمة
في تاريخ الإسلام صفحات مضيئة خطتها نساء حملن همّ الدعوة منذ بداياتها، نساء لم يقفن على الهامش، بل شاركن في صياغة الأحداث وصناعة المواقف الخالدة. ومن بين هؤلاء النسوة تبرز صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها، عمّة رسول الله ﷺ وأخت حمزة سيد الشهداء، التي جسّدت أروع صور الإيمان والثبات، وخلّد التاريخ اسمها بوصفها أول امرأة رفعت السيف دفاعًا عن المسلمين في معركة حاسمة.
نسبها ونشأتها
هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشية الهاشمية، شقيقة أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وُلِدت في مكة ونشأت في بيت من بيوت الشرف والسيادة، بيت عبد المطلب سيد قريش، فكانت تربية العز والشجاعة تجري في عروقها.
تزوجت من الحارث بن حرب ثم من العوام بن خويلد الأسدي، وأنجبت منه الصحابي الجليل الزبير بن العوام، أحد العشرة المبشرين بالجنة. ومنذ نعومة أظفار ولدها ربته على القوة والإيمان والثبات، حتى قيل إنها كانت تضربه وتقول: "لن تُصلحك إلا الشدة." فخرج من بين يديها أسد من أسود الإسلام.
إسلامها المبكر وثباتها
كانت صفية رضي الله عنها من أوائل من أسلموا وصدّقوا النبي ﷺ، فقد أشرق الإيمان في قلبها منذ الأيام الأولى للدعوة. وقفت إلى جانب ابن أخيها المصطفى ﷺ مؤيدةً ومثبتةً له، تتحمل الأذى في سبيل الله، وتعلن إسلامها بلا تردد، شأنها شأن نساء بني هاشم اللواتي سبقن إلى الإيمان.
بطولتها يوم أحد
ارتبط اسم صفية بموقف بطولي خالد يوم غزوة أحد. بعد أن استشهد أخوها حمزة رضي الله عنه ومُثّل بجثمانه، أرادت أن تراه. فمنعها النبي ﷺ أول الأمر لما في المنظر من فظاعة، لكنها أصرّت قائلة:
"ولِمَ أمنع؟ قد بلغني أن قد مُثِّل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبنَّ ولأصبرنَّ إن شاء الله."
فلما رأت جسد أخيها مقطعًا لم يجزع قلبها، بل تماسكت واحتسبت أمرها عند الله، لتكون مثالًا يُحتذى في الصبر والثبات.
موقفها في غزوة الخندق
من أعظم مواقفها البطولية ما حدث في غزوة الخندق، حين كان النساء والأطفال في حصن "حسان بن ثابت". حاول يهودي أن يتسلل إلى الحصن ليتجسس على المسلمين ويؤذي من فيه، فنهضت صفية رضي الله عنها وحدها، وضربت رأسه بعمود حتى قتلته، ثم قطعت رأسه وألقته إلى المشركين ليرهبوا ويتراجعوا.
لقد أثبتت بهذا الموقف أن المرأة المسلمة قادرة على حمل السلاح إذا دعا الأمر، وأن الشجاعة ليست حكرًا على الرجال. وكان النبي ﷺ يذكر موقفها هذا بإجلال وإعجاب.
أمومة عظيمة وصناعة الأبطال
لم تكن صفية مجرّد امرأة شجاعة في الميدان، بل كانت أمًّا صنعت بطلاً من أعظم أبطال الإسلام: الزبير بن العوام رضي الله عنه. ربته على الصبر والتحمل والجرأة منذ صغره، حتى كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله ﷺ، واشتهر بأنه حواريّ النبي.
قال الزبير عن نفسه: "كانت صفية تضربني حتى أني لأخرج هاربًا، وكانت تقول: إنما أضربك لتكون جريئًا."
وهكذا أنشأت ابنها على البطولة والصلابة، ليصبح واحدًا من أعمدة الإسلام وركائز الدعوة.
مواقفها مع النبي ﷺ
كانت صفية قريبة من النبي ﷺ، تشاركه هموم الدعوة، وتسانده بصدق وإخلاص. وقد روت عنه بعض الأحاديث، وروى عنها ابنها الزبير وغيره. كانت عاقلة حازمة، يستشيرها من حولها، ويثقون برأيها.
ولم يكن غريبًا أن يشبهها الناس بأخيها حمزة في الشجاعة والصلابة، فقد جمعت بين الإيمان القوي والشخصية الحازمة واللسان الصادق.
وفاتها
توفيت صفية رضي الله عنها في المدينة المنورة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 20 هـ، بعد حياة مليئة بالإيمان والجهاد والتضحية، ودفنت في البقيع.
الخاتمة
إن سيرة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها، عمة النبي ﷺ، تجسد لنا صورة المرأة المسلمة التي جمعت بين الإيمان العميق والصلابة في المواقف. صبرت على الفقد، واحتسبت عند الله مصابها، وحملت السلاح دفاعًا عن قومها، وربّت للأمة بطلًا من أعظم أبطالها.
لقد علمتنا أن البطولة ليست ذكورية خالصة، بل هي إيمان متأصل يتجلى في الميدان وقت الحاجة. ومواقفها يوم الخندق وأحد، وصبرها على فقد حمزة، تبقى شواهد خالدة على أن المرأة المسلمة شريك حقيقي في صناعة التاريخ الإسلامي.