🌿 جهاد آية مع نفسها

🌿 جهاد آية مع نفسها

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

🌿 “جهاد آية مع نفسها”


🕊️ المقدمة: بين المعركة الظاهرة والمعركة الخفية

قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا بعد عودته من إحدى الغزوات:

"رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر."
فسأله الصحابة: "وما الجهاد الأكبر يا أمير المؤمنين؟"
قال: "جهاد النفس."

كلمات خالدة حملتها القرون لتصل إلى قلوبنا اليوم، تذكّرنا أن الحرب التي نخوضها في داخلنا قد تكون أعظم من كل معارك الأرض.
وفي زمنٍ كَثُرت فيه الفتن، وازدحمت فيه الشاشات، وتبدّلت فيه القيم، كانت هناك فتاة تُدعى آية... تخوض جهادها الأكبر بصمت، وبقلبٍ يبحث عن النور في وسط ضجيج الظلام.


🌸 الفصل الأول: فتاة العصر

كانت آية في الثالثة والعشرين من عمرها، تدرس في كلية الإعلام وتحبّ الكتابة والتصوير.
كانت هادئة الطبع، لكنها في داخلها تحمل صراعًا لا يراه أحد.
تبدو من الخارج فتاةً عادية، تضحك مع صديقاتها، تتابع حسابات الموضة، وتشارك في التصوير الإعلاني للهاتف الجديد أو مستحضرات التجميل.
لكنها في الليل، حين يخفت الضوء وتبقى وحيدة، تشعر بثقلٍ في صدرها لا تفسير له.

كانت تسمع نداءً داخليًا يقول لها:

“هل هذه أنتِ حقًا يا آية؟
أهذا هو الطريق الذي يُرضي الله؟”

فترد على نفسها:

“لكن كل الناس يعيشون هكذا! ما الخطأ؟”

ومع ذلك، لم يكن قلبها مطمئنًا…
كانت تعلم أن داخلها شيئًا يناديها نحو الطاعة، نحو السكينة، لكنها تخاف أن تفقد بريق “الشهرة” التي بدأت تقترب منها.


💔 الفصل الثاني: أول انكسار

في أحد الأيام، عُرض على آية عقدٌ لتصوير إعلانٍ ضخم لعلامة تجارية شهيرة.
كانت الفرصة التي تحلم بها منذ زمن، لكن التصوير يتطلب لباسًا غير محتشم ومشاهد لا تليق بفتاة مسلمة.
جلست أمام المرآة، تحدّق في عينيها طويلاً.
تذكّرت قول والدها حين كانت صغيرة:

“يا آية، الجمال الحقيقي هو جمال القلب، وما عند الله خير وأبقى.”

لكنها كانت خائفة أن تضيع الفرصة.
قالت لنفسها:

“إنها مجرد تجربة مؤقتة… لن أُؤذي أحدًا.”

ذهبت إلى التصوير، لكنها طوال اليوم شعرت بضيقٍ في صدرها لم تعرف سببه.
ولما عادت إلى بيتها، دخلت غرفتها وأغلقت الباب.
نظرت إلى صورها التي انتشرت على صفحات التواصل…
كانت تبتسم في الصور، لكن عينيها في الحقيقة كانت تدمع.

همست لنفسها:

“أنا لست هذه الفتاة… لقد خنت نفسي.”

وفي تلك الليلة، سجدت وبكت طويلاً.
كانت المرة الأولى منذ شهور التي تضع فيها جبينها على الأرض وتبكي بصدق.


🌙 الفصل الثالث: العودة إلى الطريق

في اليوم التالي، لم تستطع آية الذهاب إلى الجامعة.
كانت تشعر أن العالم كله يضغط على صدرها.
فتحت هاتفها وكتبت في محرك البحث:
“كيف أتوب إلى الله توبة نصوحًا؟”

قرأت حديث النبي ﷺ:

“المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.”

ارتجف قلبها، وشعرت أن الجواب كان ينتظرها منذ زمن.
لم تكن مشكلتها في الشهرة، بل في نية قلبها.
كانت تريد أن يُقال عنها جميلة، مميزة، ناجحة… لكنها نسيت أن النجاح الحقيقي هو أن يرضى الله عنها.

قررت أن تبدأ من جديد.
بدأت بحذف بعض الصور والمقاطع التي لا تليق.
غيّرت محتوى صفحتها إلى محتوى إيجابي عن الطمأنينة، والأمل، والإيمان.
في البداية، خسرت مئات المتابعين…
لكنها اكتشفت أنها ربحت نفسها.


🔥 الفصل الرابع: اختبار الجهاد الأكبر

كلما حاولت آية أن تقترب من الله، كانت الدنيا تُغريها من جديد.
صديقاتها يقلن لها:

“لماذا تعقدين الأمور؟ الحياة قصيرة!”

وشركات الإعلانات تراسلها بعروض مغرية.
ومرات كثيرة كانت تفتح الرسائل وتكاد تكتب “موافقة”، ثم تتذكّر دموع تلك الليلة فتغلق الهاتف.

كان الشيطان يهمس في أذنها:

“عودي إلى ما كنتِ عليه… ستصبحين مشهورة وغنية.”

لكنها ترد عليه بصوتٍ خافت:

“لن أبيع ديني بثمنٍ زائل.”

كانت تشعر أن كل خطوة نحو الله تحتاج مجاهدة، وأن الطاعة ليست سهلة، لكنها تملأ القلب نورًا.

ذات مساء، جلست في شرفة غرفتها تقرأ القرآن، فمرت على الآية:

“وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.”
فابتسمت وقالت:
“يا رب، أنا أجاهد نفسي فيك، فاهدني إلى سبيلي.”

ومن تلك الليلة، صارت تشعر أن الله يرسل إليها علامات صغيرة تشجعها على الثبات:
رسالة من متابع تشكرها على منشور هادف،
دعوة من صديقة للصلاة في المسجد،
أو حديث تسمعه صدفة فيذكّرها بالآخرة.


🌧️ الفصل الخامس: لحظة الضعف

لكن جهاد النفس لا ينتهي عند قرارٍ واحد.
في يومٍ ماطر، كانت آية تمر بظروف صعبة: تأخرت عنها نتائج الدراسة، وتوقفت عنها بعض الأعمال، وأصابها إحباط شديد.
دخلت إلى مواقع التواصل وبدأت ترى صديقاتها في رحلاتٍ فاخرة، بسيارات جديدة، وأزياءٍ فاخرة.
تسلل إلى قلبها صوتٌ خافت:

“ألم تكوني مثلهنّ؟ انظري إلى نفسك الآن…”

شعرت بمرارة في حلقها، ودمعة حارّة سقطت على خدّها.
فتحت صندوق رسائلها، فوجدت عرضًا جديدًا من شركة تصوير…
ضغطت على الرسالة، وكادت ترد بالموافقة، لكن في تلك اللحظة جاءها إشعار من تطبيق "القرآن":
“وردك اليومي لم يُقرأ بعد.”

توقفت، ونظرت إلى الشاشة للحظات… ثم أغلقت كل شيء، وفتحت المصحف.
بدأت تقرأ، ودموعها تنزل بلا توقف.
وفي كل آية كانت تشعر أن الله يكلّمها مباشرة:

“ومن يتق الله يجعل له مخرجًا.”
“إن الله لا يضيع أجر المحسنين.”

سجدت آية وقالت:

“يا رب، ثبّتني ولا تجعل قلبي يميل بعد إذ هديتني.”

كانت تلك الليلة فاصلة في حياتها، أدركت فيها أن جهاد النفس ليس انتصارًا واحدًا، بل معركة تتجدّد كل يوم.


☀️ الفصل السادس: النور بعد الصبر

مرت الشهور، وآية أصبحت أكثر اتزانًا وطمأنينة.
لم تعد تبحث عن رضا الناس، بل عن رضا الله.
تحوّلت صفحتها إلى مصدر إلهام للفتيات، تتحدث عن العفة، والإيمان، وقوة الاختيار.
بدأت تكتب مقالات عن “الجهاد الأكبر” وكيف أن الإنسان حين ينتصر على نفسه، يصبح حرًا بحق.

وذات يوم، تلقت رسالة من فتاة صغيرة تقول فيها:

“أستاذة آية، كنت أظن أنني لا أستطيع التوبة، لكن قصتك شجّعتني.”

ابتسمت آية، ودمعت عيناها.
همست قائلة:

“الحمد لله الذي جعل من ضعفي سببًا لهداية غيري.”

وفي تلك اللحظة، فهمت معنى قول الله تعالى:

“إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم.”


🌷 الخاتمة: الجهاد الذي لا ينتهي

كانت آية تجلس في مسجد الحي بعد صلاة المغرب، تستمع إلى درس عن جهاد النفس.
قال الإمام:

“يا إخوتي، إن جهاد النفس هو معركة العمر، لا يُرفع فيها السيف، بل تُرفع فيها الإرادة.
من انتصر فيها عاش حرًّا، ومن خسرها عاش عبدًا لهواه.”

ابتسمت آية، وأغلقت مصحفها.
نظرت إلى السماء وهمست:

“اللهم اجعلني من المجاهدين في سبيلك، وثبّتني على الحق حتى ألقاك.”

ثم خرجت من المسجد تمشي في طريقٍ تضيئه مصابيح صغيرة، تشبه نور قلبها الجديد…
كانت تعرف أن الطريق طويل، وأن المعركة لم تنتهِ بعد، لكنها الآن ليست وحدها.
معها الله.
ومَن كان الله معه، لا يُهزم أبدًا.


🌼 العِبرة:

جهاد النفس هو أعظم معارك المؤمن، لأن العدو فيها خفيّ، يسكن داخله.
لكن من صَدَقَ مع الله، أعانه الله على نفسه، وثبّته على الحق.
النصر الحقيقي ليس في عدد المتابعين، ولا في المال والشهرة…
بل في أن تجد قلبك مطمئنًا، راضيًا، قريبًا من الله.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

32

متابعهم

16

متابعهم

10

مقالات مشابة
-