
القصة: حين تصافحت القلوب
القصة: حين تصافحت القلوب
🌿 المقدمة:
الغفران الذي غاب عن القلب
في حياة كل إنسان، هناك لحظة يختبر فيها الله صدق قلبه، هل هو قادر على أن يغفر؟
كانت أماني فتاة طيبة، تعرف الله وتؤمن أن القلوب البيضاء هي التي تنام دون حقد.
لكنها جُرحت بعمق من أقرب الناس إليها، من أنفال، صديقتها التي كانت كالأخت لها.
مرت الشهور، وجرح الفراق ما زال مفتوحًا، يحمل في داخله خيبةً وحزنًا عميقًا.
كانت أماني تصلي، لكنها حين تذكر أنفال، يضيق صدرها وتدمع عيناها دون أن تدري:
"يا رب، أنا سامحتها... لكن قلبي ما زال يتألم."
لم تكن تعلم أن الله سيُرسل إليها حلمًا يوقظ روحها، ويعيدها إلى معنى الغفران الحقّ.

🌙 الفصل الأول: الحلم الذي بدّل كل شيء
في إحدى الليالي، وبعد صلاة العشاء، قرأت أماني سورة يس ثم نامت.
رأت نفسها في مكان غريب، كأنها في مبنى ضخم مليء بالغرف والممرات.
كانت تصعد السلالم مسرعة، تبحث عن أحد… تبحث عن أنفال.
كل من تسألهم يشيرون إلى طابق آخر، حتى وجدت رجلًا قال لها:
"هي في الأسفل، لا تصعدي أكثر، انزلي إليها."
نزلت بسرعة، ودخلت قاعة كبيرة فيها نوافذ وشرفة تطل على المدينة.
هناك… رأت أنفال واقفة وبيدها كتب كثيرة، ووجهها غاضب.
تقدّمت أماني بخطوات مترددة، لكن أنفال صرخت فيها:
"لماذا جئتِ الآن؟ بعد كل ما حدث؟ أتظنين أني نسيت؟"
أماني أرادت أن تبرر، لكنها لم تجد الكلمات. دموعها سبقت صوتها.
اقتربت وقالت:
"أنا آسفة يا أنفال… آسفة بصدق. لم أقصد أن أؤذيك يوماً."
لكن أنفال كانت تبكي بشدة، تصرخ وهي تمسك بالكتب التي تسقط أرضًا:
"تظنين الاعتذار يكفي؟ أنتِ لا تعلمين كم تألمتُ!"
وفجأة، هزّ الأرض صوت قوي، والجدران بدأت تتشقق.
صراخ الناس في الخارج، وركض الجميع نحو المخرج.
صرخت أماني:
"أنفال! المبنى ينهار! لنخرج!"
لكن أنفال ظلت متجمدة مكانها، كأن الخوف شلّ حركتها.
ركضت أماني إليها، أمسكت بيدها بقوة رغم الدخان والغبار.
وبينما تسحبها نحو الدرج، سقط جزء من السقف قريبًا منهما.
في تلك اللحظة، لم تفكر أماني إلا في إنقاذها.
تسلقت بيديها المرتجفتين، سحبت أنفال بكل قوتها، حتى خرجتا من الباب الأخير نحو الشارع.
وهناك… كانت أم أماني واقفة تبكي وتناديها، فركضت نحوها فزعة.
صرخت أماني وهي ترتجف:
"أمي، أنفال بالداخل!"
لكن قبل أن تكمل، نظرت فرأت أنفال تنزل الدرج البعيد بأمان، والغبار يملأ المكان.
ركضت إليها وضمتها، والدموع تغسل وجهها وهي تقول:
"الحمد لله... لم أتركك تضيعين."
☀️ الفصل الثاني: الاستيقاظ والرسالة
استيقظت أماني من نومها والدموع تملأ وسادتها.
قلبها ينبض بقوة وكأنها عاشت الحلم حقيقة.
جلست على سريرها، أمسكت مصحفها وفتحته، فوقعت عيناها على قوله تعالى:
"وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"
(سورة النور – الآية 22)
تجمدت الكلمات في قلبها قبل عينيها، وكأن الله يخاطبها مباشرة.
جلست طويلاً تتفكر:
"ربّي… هل كان حلمي رسالة منك؟ هل تريدني أن أبدأ بالغفران حقًّا؟"
وفي ذلك الصباح، اتخذت القرار الذي كانت تؤجله منذ سنوات.
أمسكت هاتفها، وكتبت لأنفال رسالة قصيرة:
"السلام عليكِ يا أنفال، رأيتك في حلم أنقذك فيه من انهيار مبنى،
وأدركت أن الغضب يهدم القلوب كما تهدم الزلازل البيوت.
سامحتك، وأتمنى أن تسامحيني."
أرسلت الرسالة، وجلست تنتظر، وقلبها يدعو الله أن يُلين ما قسا من القلوب.

💌 الفصل الثالث: اللقاء
مرّ يومان دون رد.
في اليوم الثالث، تلقت أماني رسالة قصيرة:
"رأيت الرسالة منذ يومين، لكني لم أستطع الرد…
لأنني بكيت طويلاً قبل أن أصدق أنها منك.
نعم، سامحتك، يا أماني."
تجمدت أماني للحظة، ثم سجدت لله شكرًا.
بعد صلاة الظهر، قررت أن تراها وجهًا لوجه.
التقتا في مقهى بسيط، المكان هادئ، صوت المطر بالخارج يملأ الجو سكينة.
حين نظرت كل منهما للأخرى، لم تكن هناك كلمات، بل دموع وابتسامة.
قالت أماني بصوت مرتعش:
"لم أدرك أن الكبرياء يحجب عنا راحة القلب."
وأجابتها أنفال:
"ولا أنا أدركت أن الغفران شفاء، حتى سامحتك."
تعانقتا طويلاً، وشهد الله تلك اللحظة التي صفا فيها قلبان كانا يحملان جرحًا واحدًا.

🌸 الفصل الرابع: معنى الغفران الحقيقي
عادت أماني إلى بيتها، جلست في غرفتها وكتبت في دفترها:
"يا رب، علّمتني أن الغفران لا يُمنح لمن يستحقه فقط،
بل لمن يحتاجه القلب كي يشفى.
علّمتني أن من يعفو لله، يعفو الله عنه،
وأن الصفح ليس ضعفًا، بل قوة من نور الإيمان."
ومنذ ذلك اليوم، كلما واجهتها خلافات أو مواقف صعبة، كانت تتذكر حلمها.
تتذكر أن المبنى الذي كاد ينهار، لم يكن سوى رمزٍ لقلوب تهتز حين تبتعد عن الصفح.
وأن الله أنقذها، لتتعلم أن الغفران نجاة قبل أن يكون إحسانًا للآخرين.

🌷 الخاتمة: النور الذي عاد
مرت السنوات، وظلت أماني وأنفال صديقتين، لكن هذه المرة على أساس الإيمان.
تتشاركان قراءة القرآن، وحضور دروس العلم، والدعاء لبعضهما البعض.
كلما جلستا معًا، قالت أماني:
"لو لم أَرَ ذلك الحلم، لما عرفت أن الله يريد لي السلام الداخلي."
فتجيبها أنفال مبتسمة:
"الحلم كان نداء من الله… لقلوبنا التي نامت على الغضب."
وهكذا عاد النور إلى القلوب، بعد أن اختارته الفتاتان طريقًا إلى الله.
💫 العبرة النهائية:
إنّ الغفران ليس مجرد كلمة، بل عبادة خفية يختبر الله بها صدق الإيمان.
من يعفو ابتغاء وجه الله، يفتح الله له باب الطمأنينة والرحمة.
قال رسول الله ﷺ:
"وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا." (رواه مسلم)
فاغفروا، ليغفر الله لكم، واصفحوا، ليصفوَ القلب وتزهر الحياة من جديد.