قصة : على دين خليلتها

قصة : على دين خليلتها

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

المقدمة

يقول رسول الله ﷺ:

“المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.”
حديث شريف عظيم يلخص حقيقة من أعظم الحقائق في حياة الإنسان، وهي أن الصاحب ساحب، وأن النفس البشرية تتأثر بمن تجالسهم، وتتشكل بطباع من تصاحبهم.

في زمن تتعدد فيه طرق التواصل وتتشابك العلاقات، قد تظن الفتاة أن الصداقة مجرد تسلية، أو أن رفقةً ما لن تؤثر في قلبها وإيمانها… ولكن القلوب تتقارب، والنفوس تتشابه، والميل إلى ما يحب الصديق قد يجرّ صاحبه دون أن يشعر.

في هذه القصة سنعيش مع سارة، فتاة طيبة القلب، تعلمت من تجربتها معنى الحديث النبوي الشريف، وتبدّلت حياتها حين اختارت الطريق الصحيح.


الفصل الأول: بداية الطريق

كانت سارة فتاة هادئة تحب العلم والقراءة، تربّت في بيت متدين متوازن، يُعلّمها والدها أن الأخلاق تاج الفتاة، وأن الحياء لا يُنقص من شخصيتها، بل يرفع قدرها.
كانت تحب الجلوس قرب أمها، تقرأ معها القرآن في المساء، وتسمع حكايات عن الصحابيات الصالحات اللواتي جمعن بين العبادة والذكاء والعطاء.

لكن حين كبرت، التحقت بالجامعة، وهناك بدأت مرحلة جديدة.
في أول يوم دراسي، التقت بفتاة تُدعى ريم، كانت جذابة، تضحك بصوت مرتفع، وتلفت الأنظار بملابسها وأناقتها. اقتربت منها سارة بخجل، وبدأ بينهما حديث بسيط عن القاعات والمواعيد، ثم تبادلتا أرقام الهواتف.

مع مرور الأيام، أصبحت ريم أكثر قربًا منها. كانت تصحبها إلى المقهى الجامعي، تتحدث عن السفر والموضة والحياة بحرية كبيرة. كانت سارة تشعر بالاختلاف، لكنها لم ترفضها، بل كانت تقول في نفسها:

"لن أتأثر بها، أنا فقط أحب أن أكون منفتحة أكثر."

لم تكن تعلم أن أول خطوة في طريق التنازل تبدأ من هذه الجملة الصغيرة.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل الثاني: التغيّر الصامت

بدأت ملامح التغير تظهر شيئًا فشيئًا.
لم تعد سارة تحضر دروس تحفيظ القرآن كما كانت تفعل، ولم تعد تستيقظ للفجر بسهولة، صارت السهرات الطويلة مع ريم تسرق منها هدوءها وإيمانها.

كانت ريم تدعوها إلى الخروج كل نهاية أسبوع، تقول لها مبتسمة:

"سارة، أنت ذكية وجميلة، لكنك تضيّعين شبابك بالجدية الزائدة!"

كانت تلك الكلمات تطرق قلبها، فتبدأ تشعر أن الالتزام أصبح عبئًا، وأن "التدين" يجعلها مختلفة عن البقية.

وذات مساء، عادت سارة إلى البيت متعبة، جلست أمام المرآة تنظر إلى نفسها طويلاً، شعرت بأن شيئًا ما تغيّر فيها.
كانت تبتسم لكنها لا تشعر بالسكينة التي كانت تملأ قلبها من قبل.

"لماذا أصبحت صلاتي ثقيلة؟ لماذا أشعر بالفراغ رغم الضحك الكثير؟"
كانت تسأل نفسها دون جواب.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل الثالث: صوت القلب

في أحد الأيام، التقت سارة بزميلة قديمة من الثانوية، اسمها هدى، كانت من البنات الصالحات اللواتي عرفتهن في حلقة القرآن.
ابتسمت هدى بلطف وقالت:

"اشتقنا لكِ يا سارة، لم تعودي تظهرين في المسجد!"

أجابت سارة بتردد:

"انشغلت بالدراسة والحياة الجامعية، تعرفين كيف هي الأمور."

لكن صوت هدى كان ناعمًا كنسيم الصباح حين ردّت:

"الدنيا لا تنتهي يا سارة، لكن القلب إذا ابتعد عن الله يذبل ولو غمره كل جمال الدنيا."

كلماتها اخترقت أعماق سارة.
تذكّرت فجأة آياتٍ كانت تحفظها، وصوت أمها وهي تقول لها:

"صُحبة الخير كالنسيم، تُنعشك دون أن تشعر."

تلك الليلة لم تنم سارة بسهولة. جلست على سريرها وفتحت مصحفها بعد طول غياب، وما إن قرأت أول آية حتى سالت دموعها:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]

أحست أن الآية نزلت تخاطبها هي شخصيًا، فبكت بحرقة، وقررت أن تعيد ترتيب حياتها.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل الرابع: الصراع الداخلي

لم يكن الأمر سهلاً.
حين بدأت سارة تبتعد عن ريم تدريجيًا، لاحظت الأخيرة ذلك وقالت مستغربة:

"ما بكِ سارة؟ تغيرتِ فجأة؟ صرتِ تتحدثين عن الدين وكأننا في درس وعظ!"

أجابت سارة بلطف:

"ريم، أنا فقط أريد أن أعود إلى نفسي… أشعر أني ضيعت وقتًا طويلًا."

لكن ريم سخرت منها وقالت:

"أوه، لا تقولي إنك ستتحولين إلى داعية الآن!"

كلماتها كانت جارحة، لكنها لم تزلزل قرار سارة.
فهي الآن تعرف أن الصحبة ليست بالضحك أو المظاهر، بل بالقلوب التي تقرّبك من الله أو تبعدك عنه.

مرت أيام صعبة، كانت سارة تشعر بالوحدة أحيانًا، لكنها في كل مرة تسمع حديث النبي ﷺ يتردد في ذهنها:

“المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.”

تذكّرت كيف كان وجه أمها يشرق حين تراها على طاعة، وكيف كانت تشعر بالطمأنينة حين تسمع القرآن.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل الخامس: الصحبة الطيبة

في إحدى الأمسيات، دعَتها هدى إلى لقاء للفتيات الصالحات في المسجد، وافقت سارة.
دخلت المكان، كان بسيطًا تفوح فيه رائحة المسك، ووجوه الفتيات مشرقة بالسكينة.
بدأت الجلسة بحديث عن "أثر الصحبة الصالحة"، وقرأت إحدى الفتيات قول الله تعالى:

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]

حين سمعت الآية، شعرت سارة برجفة في قلبها.
تخيّلت نفسها يوم القيامة، تبحث عن صديقةٍ تُنقذها، فتجد من كانت تضحك معها بالأمس هي أول من يتبرأ منها…

دمعت عيناها وقالت في نفسها:

"اللهم اجعلني من المتقين الذين يتحابون فيك."

بعد تلك الجلسة تغيّر كل شيء.
بدأت تحضر الدروس مرة أخرى، تحفظ القرآن مع الفتيات، تشارك في الأنشطة الخيرية، وتزور دار الأيتام معهم.

كانت تشعر بحياة جديدة تجري في عروقها.
لم يعد الهاتف وسيلة للثرثرة، بل نافذة تتبادل فيها التذكير والدعاء مع أخواتها في الله.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل السادس: الثبات بعد العودة

مرّت شهور، وازدادت سارة قوة وإيمانًا.
وذات يوم، تلقت رسالة من ريم تقول فيها:

"اشتقت لكِ، هل ما زلتِ غاضبة مني؟"

ابتسمت سارة وأجابت:

"لست غاضبة أبدًا، لكني وجدت طريقي الذي يريح قلبي. وإن أردتِ ريم أن تسلكي معي درب النور، فسأكون بجانبك دائمًا."

مرت أيام قبل أن ترد ريم، ثم أرسلت تقول:

"أشعر أني تائهة فعلًا يا سارة، تعبت من المظاهر… أريد أن أبدأ من جديد."

حين قرأت الرسالة، بكت سارة فرحًا، وحمدت الله أن جعلها سببًا لهداية من كانت سببًا في غفلتها.

image about قصة : على دين خليلتها

الفصل السابع: عبرة الحياة

مرت السنوات، وتخرجت سارة من الجامعة، وصارت تلقي دروسًا للفتيات عن "الصحبة وأثرها في بناء الإيمان".
كانت تقول لهن دائمًا:

"القلب مثل الأرض، إن زرعته بزهور الطاعة فاح عبيره في الدنيا والآخرة، وإن تركته للأشواك ندمتِ يوم لا ينفع الندم."

ثم تبتسم وتضيف:

"كنت أظن أن الصداقة مجرد رفقة، حتى عرفت أن الخليل طريق للجنة أو درب إلى النار."

وفي كل مرة تنهي حديثها، ترفع يديها وتقول:

"اللهم ارزقنا صحبة صالحة تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك."

image about قصة : على دين خليلتها

 


الخاتمة والعبرة

هذه قصة فتاة عرفت معنى الحديث النبوي:

"المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل."

فتغيرت حياتها حين أحسنت الاختيار، وتبدّل حزنها طمأنينةً وفراغها نورًا.

إن الصداقة ليست كلمات ولا صورًا ولا ضحكًا عابرًا…
إنها أمانة ومسؤولية، وشراكة في الطريق إلى الله.

فمن كان خليلك؟
هل يقودك إلى الجنة أم إلى التيه؟
سؤال يحدّد مصير القلب قبل المصير الأبدي.

🌸 “اللهم ارزقنا قلوبًا طيبة وصحبة تقودنا إلى رضوانك.” 🌸

image about قصة : على دين خليلتها
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

36

متابعهم

18

متابعهم

13

مقالات مشابة
-