
وغرابيب سود إعجاز علمي بين دفتى القرآن
وغرابيب سود
إعجاز علمي بين دفتي القرآن
مقدمة
القرآن الكريم كتاب الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه، وكلما تقدم العلم تكشّفت أمامنا أسرار جديدة تؤكد أنه تنزيل من حكيم حميد. ومن بين الآيات البليغة التي تلفت النظر قوله تعالى في سورة فاطر:
﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر: 27].
لفظة "غرابيب سود" أثارت تساؤلات العلماء والمفسرين قديماً وحديثاً، فهي تحمل في طياتها دلالة لغوية وعلمية وإعجازية.
في هذا المقال سنتناول هذه اللفظة الكريمة بأسلوب سؤال وجواب، لنقف على أسرارها العلمية والبيانية.
ما معنى كلمة "غرابيب سود"؟
"الغِربيب" هو شديد السواد، وقد جاء في اللغة للدلالة على السواد الحالك الذي لا يمازجه أي لون آخر.
عندما قال الله تعالى: "وغَرابيب سود" كان في ذلك توكيد على شدة سواد بعض الجبال التي تراها العين، حتى تكاد تشبه لون الغراب المعروف بحدّة سواده.
لماذا قدّم الله الألوان الأخرى على "الغرابيب السود"؟
الترتيب في الآية لم يكن عشوائياً، بل لحكمة بالغة. فقد ذكر الله "بيض" و"حُمر" ثم ختم بـ "غرابيب سود".
السواد هنا ليس مجرد لون، بل هو غاية في العمق والرسوخ، وكأنه آخر درجات الوصف اللوني للجبال.
أين يظهر الإعجاز العلمي في ذكر "غرابيب سود"؟
العلم الحديث كشف أن الجبال السوداء تتكون في الغالب من صخور بركانية نارية صلبة مثل البازلت.
هذه الصخور تتشكل نتيجة انبثاق الحمم البركانية من باطن الأرض ثم تجمدها، وهو ما يجعلها ذات لون أسود قاتم.
وجود هذه الجبال بجوار جبال أخرى بيضاء أو حمراء دليل على التنوع الجيولوجي الهائل في باطن الأرض.
هذا التنوع اللوني ليس مجرد مشهد جمالي، بل له دلالات على تنوع المعادن والعناصر الكيميائية داخل الأرض.
كيف يُظهر هذا التنوع قدرة الخالق؟
اختلاف ألوان الجبال ليس صدفة، بل هو آية على عظمة الله.
البياض في الجبال قد يكون بسبب وجود الحجر الجيري والملح.
الحمرة ناتجة غالباً عن وجود أكاسيد الحديد.
السواد من صخور البازلت والغرانيت الداكن.
هذا التنوع يعكس تنوع مصادر الرزق، إذ إن المعادن المستخرجة من هذه الجبال تمثل أساساً للصناعات والحياة البشرية.
هل ذكر "الغرابيب السود" له دلالة أخرى غير اللون؟
نعم، فالتعبير القرآني يجمع بين البلاغة والإعجاز العلمي:
1. بلاغياً: الجمع بين كلمتين للتوكيد "غرابيب" (شديد السواد) + "سود" (السواد ذاته) يوضح مدى عمق اللون.
2. علمياً: هذا اللون لا يظهر إلا في صخور معينة تشهد على عمليات جيولوجية معقدة في باطن الأرض.
3. إيمانياً: يدعونا للتفكر في خلق الله، فاختلاف ألوان الصخور والجبال له دور في توازن البيئة والموارد الطبيعية.
ما الحكمة من ذكر الآية في سياقها بسورة فاطر؟
جاءت الآية ضمن الحديث عن آيات الله في الكون: المطر، النبات، الجبال، البشر.
الهدف أن يدرك الإنسان أن التنوع والاختلاف سنّة كونية شاملة: اختلاف الألوان، الألسن، الطبائع.
في نهاية السياق يقول الله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، أي أن التفكر في هذه الظواهر يقود إلى خشية الله.
كيف نستفيد من الإعجاز العلمي في حياتنا؟
1. زيادة الإيمان: عندما يكتشف العلم ما أشار إليه القرآن قبل 14 قرناً، نزداد يقيناً أن هذا الكتاب حق.
2. تعزيز الدعوة: يمكن للمسلمين أن يستشهدوا بهذه الحقائق في الحوار مع غير المسلمين لإثبات صدق الوحي.
3. خدمة البشرية: فهم مكونات الجبال السوداء (كالحديد، النحاس، البازلت) يساعد في تطوير الصناعات والتكنولوجيا.
الخاتمه
إن لفظة "غرابيب سود" ليست مجرد وصف شعري للجبال، بل هي إعجاز لغوي وعلمي عظيم. فهي تشير إلى تنوع الصخور والمعادن، وتؤكد أن القرآن سبق العلم الحديث في وصف الظواهر الجيولوجية. ومن يتأمل هذه الآيات يدرك عظمة الخالق، وأن الاختلاف في الألوان ما هو إلا دعوة صريحة للتفكر والخشية من الله.
قال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" [فاطر: 28].
فلنكن من هؤلاء الذين يجمعون بين العلم والإيمان، فيزدادوا قرباً من الله وعملاً بما أنزل.