
الصدقة التي أنقذت التاجر
الصدقة طريق البركة والنجاح في الإسلام
تُعد الصدقة من أعظم أبواب الخير في الإسلام، فهي ليست فقط عملًا اجتماعيًا يخفف آلام الفقراء والمحتاجين، بل هي أيضًا وسيلة روحية تزيد في البركة وتفتح أبواب الرزق. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
"مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [البقرة: 261].
قصة التاجر والصدقة
يحكى أن تاجرًا في بغداد القديمة كان مشهورًا بذكائه وحرصه على تجارته، لكنه كان شديد التعلّق بالمال. كان يرى أن أي دينار يخرج من يده قد يُضعف تجارته ويقلل أرباحه. ولذلك، كان نادرًا ما يقدّم صدقة.
وذات يوم جاءه رجل فقير بثياب رثّة، وقال له:
– يا سيدي، أنا غريب في هذه البلدة، انقطعت بي السبل، وليس لي طعام لأولادي. أرجوك أعنّي بشيء.
لكن التاجر تردد وقال في نفسه: إن أعطيته اليوم سيأتيني غدًا غيره، وربما ضاع مالي كله. فاعتذر منه وأعرض عنه.
غادر الرجل حزينًا، لكن بعد قليل جاء أحد طلاب العلم ممن يعرف التاجر، وقال له:
– يا أبا خالد، أما سمعت حديث النبي ﷺ:
"ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"؟
تأثر قلب التاجر، فأسرع يبحث عن الرجل الفقير، وأعطاه كيسًا صغيرًا من الطعام وبعض المال. فرح الفقير ودعا له بالرزق والبركة.
الخسارة والفرج
مرت أيام قليلة، وإذا بالتاجر يواجه خسارة كبيرة؛ فقد اندلع حريق في أحد مخازنه المليئة بالبضائع. اجتمع الناس حوله يواسونه، وكان قلقًا على مستقبله.
لكن بينما هو في حزنه، جاءه رسول من قصر الخليفة، يحمل له خبرًا عجيبًا: الخليفة سمع عن أمانة هذا التاجر وصدقه في البيع، فأراد أن يعهد إليه بصفقة ضخمة لتوريد السلع إلى بيت المال.
اندهش التاجر! كيف يأتيه الخير في وقت الخسارة؟ ثم تذكر دعاء الفقير، وأدرك أن بركة الصدقة هي التي أنقذته. فابتسم وقال:
– والله ما حفظ مالي إلا الله، ثم تلك الصدقة التي تصدّقت بها.
تحول في حياته
منذ ذلك اليوم تغيّرت حياة التاجر، فلم يعد يخرج إلى السوق إلا وهو يحمل جزءًا من ماله يوزّعه على الفقراء والمساكين. صار يجد في الصدقة لذة وراحة قلبية لم يكن يعرفها من قبل. لم تعد تجارته تكبر بالجهد فقط، بل ببركة العطاء. وأصبح مثالًا للكرم بين الناس، يذكرونه بخير ويدعون له.
دروس مستفادة
قصة هذا التاجر تحمل دروسًا وعبرًا مهمة لكل مسلم:
الصدقة لا تنقص المال: بل تجلب البركة والزيادة، كما وعد النبي ﷺ.
المال وسيلة لا غاية: الغنى الحقيقي هو ما يُنفق في سبيل الله، لا ما يُخزَّن في الخزائن.
النجاح في التجارة لا يقوم على الذكاء فقط، بل على الأمانة والكرم والإحسان إلى الناس.
الصدقة استثمار مضمون
يظن بعض الناس أن إخراج المال في الصدقة خسارة، لكن الحقيقة أنها أفضل استثمار عند الله، مضمون العائد في الدنيا والآخرة. فالصدقة سبب لدفع البلاء، وشفاء للمرضى، ومغفرة للذنوب. وهي برهان على صدق الإيمان.
يقول النبي ﷺ: "داووا مرضاكم بالصدقة." وهذا دليل آخر على أثرها العظيم في حياة المسلم.
خاتمة
إن قصة التاجر البغدادي تعلّمنا أن البركة في المال لا تأتي من كثرة الادخار، بل من الإنفاق في سبيل الله. فالصدقة لا تحفظ فقط توازن المجتمع، بل تحفظ أيضًا التاجر نفسه وتفتح له أبواب الرزق.
فلنجعل للصدقة نصيبًا ثابتًا من حياتنا، ولو قليلًا، لأنها ليست مجرد إنفاق، بل رسالة حب ورحمة، وسر من أسرار النجاح والسعادة.