قصة عمر بن الخطاب والعدل الذي أدهش العالم

قصة عمر بن الخطاب والعدل الذي أدهش العالم

2 reviews

قصة عمر بن الخطاب والعدل الذي أدهش العالم

لا شيء يرسّخ القيم في النفوس مثل القصص الحقيقية، وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع القبطي المصري واحدة من تلك الحكايات التي تفيض نورًا وتربية. كان عمر في المدينة المنورة يتابع شؤون الرعية بنفسه، يكتب إلى ولاته ويوصيهم بالتقوى والرفق، ويُذكّرهم بأن الناس عنده سواء لا يفضل عربيًا على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

تبدأ القصة حين شارك شاب قبطي في سباق للخيل بمصر، وكان السباق على مرأى من الناس، فسبق ابنَ عمرو بن العاص والي مصر. لم يتحمل الشاب المتكبر الهزيمة، فرفع سوطه وضرب القبطي وهو يتباهى بكلمته الشهيرة: “خذها وأنا ابن الأكرمين”. حملت الضربة إهانتين: ألم السوط، ومعه شعور مرير بأن النسب والسلطة قد تُجيز لصاحبها أن يطغى على الضعفاء.

لم يستسلم الرجل للظلم؛ ركب رحلته الطويلة من مصر إلى المدينة، قاطعًا الفيافي لأن باب العدل هناك لا يُغلق. دخل على أمير المؤمنين عمر، فقصّ عليه الواقعة من غير مبالغة ولا تهويل. كان عمر ينصت وعيناه تقدحان غضبًا لكل كلمة تُروى، ثم أمر في الحال باستدعاء عمرو بن العاص وابنه إلى مجلس الحكم.

اجتمع الناس، وحضر الوالي وابنه، فسأل عمر القبطي: “أهذا هو الذي ضربك؟” قال: نعم. فأعطاه عمر السوط وقال: “اضرب ابن الأكرمين”. أخذ القبطي حقه أمام الجميع، ورأى الناس المشهد ماثلًا: حاكمٌ يُمكن للمظلوم من الظالم، دون محاباة ولا تردّد. ثم التفت عمر إلى عمرو بن العاص قائلاً كلمته التي خلّدها التاريخ: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟” كلمات موجزة، لكنها دستورٌ للعدالة، تُسقط هالة النسب والمكانة أمام ميزان الحق.

لم تكن الحادثة مجرد انفعال عابر، بل درس إداري ودعوي عميق. فهي تؤكد أن النظام في الدولة الإسلامية قائم على المحاسبة وسيادة القانون، وأن الولاية تكليف لا تشريف. ومن ثمرات ذلك أن غير المسلمين رأوا بأعينهم أن هذا الدين يضمن كرامتهم وحقوقهم، فدخل كثير منهم فيه حبًّا لا خوفًا. إن العدل الذي يَظهر في تصرفات الحاكم أقوى من ألف خطبة، لأنه يزرع الثقة في القلوب ويصنع هيبة الدولة.

وللقارئ اليوم نصيب من العبرة: إن العدالة ليست شأن السلاطين وحدهم. أنت تمارسها حين تقسم وقتك بين أبنائك بالإنصاف، وحين تزن بضاعتك بلا غش، وحين تحكم على الناس ببيّنة لا بظن. وإذا كان عمر قد أقام العدل في واقعة واحدة فهزّ بها الوجدان، فكم سنُغيّر نحن لو حمل كلٌّ منا سوط الضمير على نفسه قبل غيره، وردّ المظالم إلى أهلها؟

إن مجتمعًا تُصان فيه الحقوق ويُحترم فيه الضعفاء لا يخاف من الغد؛ لأن سنّة الله جارية: بالعدل تقوم السماوات والأرض، وبه تُبنى الدول وتُعمر القلوب. وهكذا تبقى قصة عمر والقبطي منارة تهدي القادة والأفراد معًا: لا سلطان فوق سلطان الحق، ومن ضاق صدره بالعدل ضاق عليه الحكم نفسه، أما من وسّع على الناس بالإنصاف وسِعَته الدنيا والآخرة.

هذه الحكاية ليست مجرد صفحة من الماضي؛ إنها مرآة نسائل بها واقعنا، ونقيس بها خياراتنا اليومية. فلتكن بداية التغيير من داخلنا، ولنجعل العدل خُلقًا دائمًا، لا شعارًا في المناسبات.

ولمن يعمل في التجارة أو الإدارة أو صناعة المحتوى، فليتذكر أن العدالة تبدأ من معلومة صادقة وسعر واضح ووعد مُنجز. وللطلاب، العدل أن تنسب الفضل لأصحابه وتترك الغش ولو خلا لك الطريق. ولأصحاب القرار، العدل أن تسمع للضعيف كما تسمع للقوي، وأن تجعل الشكوى تسلك طريقًا معروفًا لا يضيع فيه صوت المظلوم. وإذا اختلف الناس حولك، فاجعل مرجعك إلى الحق لا إلى العصبية؛ فبهذا وحده تُطفأ الفتن وتلتئم القلوب.

نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا عادلة وألسنة صادقة وأعمالًا ترضي وجهه، وأن يوفقنا للاقتداء بأخلاق الصحابة والمهتدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

1

followings

3

similar articles