4. عمر في رحاب الحرم المكي

4. عمر في رحاب الحرم المكي

1 reviews

قصة في مكة المكرمة

في صباحٍ هادئٍ من أيام الصيف، استيقظ "عمر" على صوت المؤذن يرتفع من الحرم المكي: "الله أكبر.. الله أكبر". كان يسكن مع والديه في أحد الأحياء القريبة من المسجد الحرام، وكل صباحٍ يشعر أن هذا النداء العذب يفتح في قلبه أبواب الطمأنينة.

كان اليوم مميزًا بالنسبة له، فقد وعده والده أن يذهب معه إلى الحرم لأداء صلاة الفجر ثم الطواف حول الكعبة. ارتدى عمر ثوبه الأبيض البسيط، وأمسك بيد أبيه متحمسًا، بينما كانت والدته تبتسم لهما وتدعو أن يتقبل الله عبادتهما.

حين اقتربا من المسجد الحرام، امتلأت عينا عمر بالدهشة والرهبة. كان يرى الكعبة المشرفة للمرة الأولى عن قرب. ذلك البناء الأسود العريق الذي لطالما سمع عنه في دروس المدرسة وقرأ عنه في كتب السيرة، أصبح الآن أمامه حقيقةً حيّة. أحس قلبه يخفق بسرعة وكأنما يستجيب لقدسية المكان.

دخل مع والده إلى الساحة الواسعة التي غمرها ضوء الفجر، وكانت جموع المصلين من كل الجنسيات والألوان مصطفة في خشوع. شعر عمر أنه جزء من أمة عظيمة يجمعها الإيمان رغم اختلاف لغاتها. وقف بجوار أبيه وأدى الصلاة بخشوع لم يعهده من قبل، ثم جلس يستمع إلى الإمام وهو يقرأ آياتٍ من القرآن، وكأن كل حرف يتغلغل في أعماق روحه.

بعد الصلاة، أمسك والده بيده وقال له:

– “هيا يا بني، لنطُف حول الكعبة كما فعل نبيُّنا إبراهيم وابنه إسماعيل من قبل.”

بدأ عمر يخطو بجوار والده، يدور حول البيت العتيق. كان يرفع يديه في الدعاء، وأحيانًا يلمح وجوه الحجاج والعمّار الذين يبكون خشوعًا أو يبتسمون بفرح. سأل والده وهو يواصل السير:

– “أبي، لماذا يحب الناس مكة بهذا القدر؟”

ابتسم الأب وأجاب:

– “لأنها أحب أرضٍ إلى الله، وفيها نزل الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها بدأ نور الإسلام ينتشر للعالم.”

تأمل عمر كلمات أبيه، وأحس أن قلبه أصبح ممتلئًا بمحبة هذا المكان المبارك. وبعد أن أنهيا الطواف، جلسا قليلًا في ظل الرخام الأبيض البارد. أخرج والده ماء زمزم وقال:

– “اشرب يا عمر، فهذا ماء مبارك، قال عنه النبي إنه طعام طُعم وشفاء سُقم.”

شرب عمر جرعاتٍ من الماء البارد، وأحس بانتعاشٍ غريب، وكأن كل قطرةٍ تنقي قلبه قبل جسده.

في طريق العودة، ظل عمر يفكر في ما رآه. لم يكن الأمر مجرد رحلةٍ عادية، بل كان بدايةً لعلاقةٍ عميقة مع مكة المكرمة. وعد نفسه أن يكبر وهو يحمل حبها في قلبه، وأن يعود إليها مراتٍ كثيرة، ربما حاجًا أو معتمرًا.

وفي المساء، جلس يكتب في دفتره الصغير:

“اليوم رأيت الكعبة لأول مرة، وشعرت أنني أقف في قلب الدنيا. سأظل أذكر أن هذا المكان ليس مجرد مدينة، بل هو روح الأمة الإسلامية، ومصدر نورها الذي لا ينطفئ. حين وقف عمر أمام الكعبة، أحس أنه يقف أمام تاريخٍ عظيم، حيث دعا إبراهيم عليه السلام ربه: {رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}. شعر أن دعاء الأنبياء لا يزال يُسمع صداه في أرجاء مكة.

تذكر والده أن مكة ليست مجرد مكان للعبادة فقط، بل هي مهد رسالة التوحيد، ومنها أشرق نور الإسلام ليبدد ظلام الجهل والوثنية.

وبينما كان الطواف مستمرًا، لاحظ عمر تنوع الناس من كل أنحاء العالم؛ أفارقة، آسيويون، عرب، وأوروبيون، لكنهم جميعًا يرددون نفس الدعاء: "لبيك اللهم لبيك". فأدرك أن الإسلام يوحّد القلوب مهما اختلفت الألوان واللغات.

عند شرب ماء زمزم، أخبره والده أن هذا البئر تفجر معجزةً لإسماعيل عليه السلام بفضل دعاء أمه هاجر، ليبقى شاهدًا على رحمة الله بعباده.

وفي نهاية اليوم، شعر عمر أن زيارته هذه لم تكن مجرد رحلة عابرة، بل بداية ارتباط روحي يجعله يتمنى العودة إلى مكة حاجًا ومعتمرًا ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

2

followings

2

similar articles