
التوراة وما أدراك ما التورة
التوراة: كتاب مقدّس وتاريخي
تُعدّ التوراة من أهم الكتب الدينية في تاريخ البشرية، إذ تمثل الكتاب المقدس لليهود وتشكل الجزء الأول من الكتاب المقدس لدى المسيحيين، المعروف بالعهد القديم. كلمة "توراة" في اللغة العبرية تعني "التعليم" أو "الشريعة"، ويُشار بها إلى النصوص التي يُعتقد أن الله أوحاها إلى النبي موسى عليه السلام على جبل سيناء.

ما هي أسفار موسي ؟
تتكون التوراة من خمسة أسفار رئيسية تُعرف باسم "أسفار موسى الخمسة"، وهي: سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، وسفر التثنية. تحكي هذه الأسفار قصة الخلق منذ بداية العالم، مروراً بقصص الأنبياء مثل نوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام، ثم تروي رحلة بني إسرائيل من العبودية في مصر إلى الخروج بقيادة موسى، وتشمل كذلك التشريعات الدينية والقوانين التي تنظم حياة اليهود.
من الناحية الدينية، تُعتبر التوراة المرجع الأساسي للعقيدة اليهودية والشريعة (الهالاخاه). فهي لا تقتصر على الجانب الروحي، بل تمتد لتشمل تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لليهود. وقد اهتم علماء اليهود عبر القرون بتفسير نصوص التوراة من خلال "التلمود" والشروح المختلفة التي حاولت فهم النصوص وتطبيقها على الواقع.
أما من الناحية التاريخية، فقد أثارت التوراة اهتمام الباحثين في علم الآثار والتاريخ القديم، إذ تحتوي على إشارات لأحداث وشخصيات وممالك قديمة. ورغم أن بعض هذه الإشارات ما زال محل جدل بين المؤرخين، إلا أن التوراة تبقى مصدراً مهماً لدراسة حضارات الشرق الأدنى القديم، وعلاقتها بالشعوب المجاورة كالمصريين والبابليين والكنعانيين.
ما هى أثر التوراة على الإنسانية ؟
وقد كان للتوراة تأثير بالغ على الحضارة الإنسانية، إذ شكلت أساساً للكثير من القيم والمفاهيم الدينية والأخلاقية التي تبنتها الديانات السماوية اللاحقة، مثل المسيحية والإسلام. ففي الإسلام يُنظر إلى التوراة باعتبارها كتاباً منزلاً من عند الله، لكن المسلمين يعتقدون أن نصوصها تعرضت للتحريف مع مرور الزمن، ولذلك جاء القرآن الكريم مصدقاً لما فيها من حق ومصححاً لما طرأ عليها من تغيير.
كما كان للتوراة دور كبير في الفنون والآداب عبر العصور، حيث استلهمت منها نصوص مسرحية وشعرية ولوحات فنية عظيمة، خصوصاً في أوروبا خلال العصور الوسطى وعصر النهضة. وما زالت شخصيات مثل موسى ويوسف وداود تُعتبر رموزاً ثقافية وأدبية عالمية.
اليوم، تُقرأ التوراة في المعابد اليهودية بانتظام، إذ يتم تقسيمها إلى أجزاء تُتلى أسبوعياً على مدى السنة، في تقليد ديني يربط الأجيال الجديدة بتراثها القديم. كما تُدرس التوراة أكاديمياً في الجامعات كمصدر ديني وأدبي وتاريخي، مما يعكس مكانتها المتعددة الأبعاد.
باختصار، التوراة ليست مجرد كتاب ديني، بل هي سجل روحي وثقافي وتاريخي أثّر في مسيرة الإنسانية عبر آلاف السنين. فقد جمعت بين العقيدة والتشريع والتاريخ، وأسست لركائز فكرية وأخلاقية ما زالت فاعلة حتى اليوم في حياة ملايين البشر حول العالم.