إليما يهدف كتاب الزبور

إليما يهدف كتاب الزبور

Rating 5 out of 5.
1 reviews

كتاب الزبور: دراسة تاريخية ودينية وفكرية

مقدمة

يُعَدّ كتاب الزبور أحد الكتب السماوية الأربعة التي نزلت من عند الله تعالى على أنبيائه لهداية البشر، وهي: التوراة، الزبور، الإنجيل، والقرآن الكريم. وقد خصّ الله تعالى نبيّه داود عليه السلام بإنزال الزبور عليه، كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء: 163). والزبور في جوهره كتاب تسبيح وتهليل وتمجيد لله، يحوي الحكم والمواعظ والأدعية التي تهدف إلى تزكية النفس وتوجيه الإنسان نحو عبادة الله وحده والابتعاد عن الشرور.

هذا المقال يتناول ماهية الزبور، محتواه، مكانته في الأديان السماوية، ورؤيته الفكرية والروحية، مع محاولة فهم أثره في حياة المؤمنين قديمًا وحديثًا.

image about إليما يهدف كتاب الزبور

أولاً: التعريف بكتاب الزبور

الزبور لغةً مأخوذ من الفعل "زَبَرَ"، أي كتب، وقيل أيضًا إن معناه الإنشاد أو الترتيل. ومن هنا، ارتبط الكتاب بالتسبيح والإنشاد الروحي. وقد ورد في النصوص الإسلامية أن الزبور لم يكن كتاب تشريع كامل كالتوراة والإنجيل، بل كان في معظمه كتاب عبادة وذكر، هدفه إحياء القلب بذكر الله.

في الفكر الإسلامي، يُعدّ الزبور كتابًا سماويًا منزّلاً، لكن مع مرور الزمن ضاعت صورته الأصلية أو تعرض للتحريف والتبديل. وفي اليهودية والمسيحية يُنظر إلى الزبور على أنه نفس "سفر المزامير" الموجود في العهد القديم، المنسوب إلى النبي داود. والمزامير عبارة عن مجموعة من الأناشيد والصلوات الروحية التي تتكون من 150 مزمورًا.

ثانياً: مضمون الزبور

يتألف كتاب الزبور – بحسب ما وصل إلينا عبر "المزامير" – من موضوعات متعددة أبرزها:

1. التسبيح والتمجيد لله: معظم المزامير تبدأ بعبارات الحمد والشكر لله، وتصف عظمته وسلطانه في الكون.

2. الدعاء والتضرع: نجد فيه أدعية لله لطلب الغفران والرحمة والنصر على الأعداء.

3. الحِكم والمواعظ: يضم نصائح أخلاقية وتوجيهات روحية تحث على العدل، الرحمة، والابتعاد عن الظلم.

4. التأمل في الكون: يحتوي على إشارات إلى قدرة الله في خلق السماوات والأرض وما فيهما من دلائل عظمته.

5. النبوءات: يرى بعض العلماء أن في الزبور إشارات إلى أنبياء ورُسل سيأتون بعد داود، مما يعطيه بعدًا غيبيًا.

وعلى الرغم من أن الزبور لا يحتوي على قوانين تفصيلية كالتوراة، إلا أنه يقدّم منهجًا روحيًا لتزكية النفس وتهذيب السلوك.

ثالثاً: الزبور في القرآن الكريم

القرآن الكريم أشار إلى الزبور في أكثر من موضع، مؤكدًا نزوله على داود عليه السلام. ومن أبرز الآيات:

"وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء: 163).

"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الأنبياء: 105).

الآية الثانية تحمل بشارة بأن وراثة الأرض ستكون لعباد الله الصالحين، وهي من أعمق الحكم التي تضمنها الزبور. ومن هنا، يظهر أن مضمون الزبور ارتبط بفكرة الإصلاح الروحي والأمل في انتصار الخير على الشر.

رابعاً: الزبور في الديانات الأخرى

في اليهودية: يُعتبر "سفر المزامير" جزءًا أساسيًا من "التناخ" (العهد القديم). ويُنسب أغلب المزامير إلى داود، لكن بعض المزامير منسوبة لغيره من الأنبياء والشعراء. وهو يُستخدم في الصلوات اليهودية اليومية وفي المناسبات الدينية.

في المسيحية: يُقرأ سفر المزامير بكثرة في القداسات والصلوات الكنسية، ويُعدّ مصدرًا مهمًا للتأمل الروحي، إذ يجد فيه المسيحيون تعبيرًا عن الحزن والفرح والرجاء.

في الإسلام: يُؤمن المسلمون أن الزبور كتاب سماوي نزل من عند الله، لكن صورته الحالية قد نالتها يد التحريف. ويُذكر داود عليه السلام في القرآن كنبي وعبد صالح مُنعم عليه بالصوت الجميل في التسبيح، حيث كانت الجبال والطير تسبح معه.

خامساً: الخصائص الفكرية والروحية للزبور

يمكن القول إن الزبور يختلف عن باقي الكتب السماوية في عدة نقاط:

1. التركيز على الجانب الروحي: بينما تضمنت التوراة والإنجيل تشريعات وقوانين، ركز الزبور على العبادة والتأمل الروحي.

2. طبيعة شعرية إنشادية: أسلوبه يعتمد على الترتيل والإنشاد، مما يسهل على المؤمنين ترديده في صلواتهم.

3. عالميته: رسائله لا تقتصر على بني إسرائيل فقط، بل تحمل معاني عامة تصلح لكل إنسان يسعى للتقرب من الله.

4. إبراز قيمة العدل: كثير من المزامير تتحدث عن عدل الله ونصره للمظلومين، مما يجعله مصدر إلهام للقيم الإنسانية.

سادساً: أثر الزبور في الحضارة الإنسانية

لا يمكن إنكار أن الزبور كان له أثر كبير على الثقافة الدينية والأدبية في الحضارة الإنسانية.

في الموسيقى والإنشاد: عُرف داود بصوته الجميل، ومن هنا ارتبط الزبور بالموسيقى الروحية والترانيم.

في الأدب: المزامير أصبحت مصدر إلهام للشعراء والكتاب في التعبير عن الروحانية والبحث عن السكينة.

في الحياة الروحية: حتى اليوم، تُستخدم نصوص الزبور في الطقوس الدينية لليهود والمسيحيين، كما يتأملها المسلمون باعتبارها كتابًا سماويًا.

سابعاً: العلاقة بين الزبور والقرآن

القرآن الكريم جاء مصدقًا لما سبقه من كتب، ومهيمنًا عليها. ومن هنا، فإن الزبور كان تمهيدًا روحيًا لرسالة الإسلام الخاتمة. فإذا كان الزبور يركّز على العبادة والتسبيح، فإن القرآن جاء ليجمع بين العبادة والتشريع والعقيدة الشاملة. كما أن القرآن استشهد ببعض مضامين الزبور، مثل وعد الله للصالحين بوراثة الأرض.

خاتمة

إن كتاب الزبور يمثل حلقة مهمة في سلسلة الكتب السماوية، حيث يجمع بين التأمل الروحي والتسبيح الإلهي، ويقدّم للبشرية نموذجًا فريدًا للعبادة المقرونة بالمشاعر الإنسانية الصادقة. فهو ليس مجرد كتاب ديني، بل هو تراث روحي عالمي ألهم الشعراء والفلاسفة والمتعبدين عبر العصور. ورغم أن صورته الأصلية قد لا تكون محفوظة بالكامل، إلا أن رسالته الجوهرية لا تزال حيّة: عبادة الله، نشر العدل، والتمسك بالخير.

وهو ما يتكامل مع الرسالات السماوية الأخرى ليؤكد أن الهداية واحدة، وأن الهدف من الوحي الإلهي عبر العصور هو سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

8

followings

6

followings

3

similar articles
-