
وجود الله عز وجل بين الدليل العقلي والنقلي
وجود الله بين الفطرة والعقل والوحي

المقدمة
الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى هو الركيزة الأولى التي يقوم عليها الدين كله، وهو الحقيقة الكبرى التي تتفق عليها الفطرة السليمة والعقول الصافية والنصوص الشرعية. فالإنسان في أعماقه يشعر أن لهذا الكون خالقًا رحيمًا حكيمًا يدبر شؤونه، وأن الحياة ليست عبثًا، وإنما لها غاية وهدف. وقد جاءت رسالات الأنبياء لتؤكد هذا المعنى، وتدعو الناس إلى عبادة الله وحده دون شريك.
أولًا: الدليل الفطري
الفطرة هي البوصلة الداخلية التي غرسها الله في قلب كل إنسان، فهي تدفعه إلى الإيمان بالله دون حاجة إلى تعقيد. قال تعالى:
﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30].
ولهذا نرى أن حتى الملحد حين تضيق به السبل وتشتد عليه الكروب، يلجأ بفطرته إلى الدعاء والاستغاثة بقوة غيبية عليا، وهذا دليل على أن الإيمان بالله مركوز في النفس البشرية.
ثانيًا: الدليل العقلي
العقل السليم لا يمكن أن يقبل أن هذا الكون الهائل جاء بالصدفة.
1. نظام الكون: تعاقب الليل والنهار، ودقة دوران الأرض، وثبات القوانين الفيزيائية – كل ذلك يشير إلى وجود مدبر حكيم.
2. تعقيد المخلوقات: يكفي النظر إلى جسم الإنسان؛ من تركيب الخلية إلى عمل الدماغ، لندرك أن وراء ذلك تصميمًا محكمًا.
3. قانون السببية: كل موجود لا بد له من موجد. فإذا نظرنا إلى الكون بما فيه، فلا يمكن أن يكون أوجد نفسه، بل لا بد من خالق خارج عنه.
قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].
ثالثًا: الدليل الشرعي
الوحي الإلهي جاء ليؤكد هذه الحقيقة. فالقرآن مليء بالآيات التي تستدل على وجود الله، مثل قوله تعالى:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35].
هذه الآية العظيمة تطرح سؤالًا منطقيًا: هل خُلق الإنسان من العدم؟ مستحيل. هل خلق نفسه؟ أيضًا مستحيل. إذن لا بد من خالق هو الله.
كما قال النبي ﷺ:
«كان الله ولم يكن شيء غيره» [رواه البخاري].
فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الخالق لكل شيء.
رابعًا: رد شبهات المنكرين
بعض الناس ينكرون وجود الله بزعم أن العلم يكفي لتفسير الكون. لكن هذا وهم؛ فالعلم يفسر كيف تعمل الأشياء، لكنه لا يفسر لماذا وجدت أصلًا.
الصدفة: لا يمكن أن يكون هذا النظام البديع وليد صدفة؛ فالصدفة لا تصنع قوانين دقيقة ولا انسجامًا مطلقًا.
الطبيعة الخالقة: الطبيعة نفسها مخلوقة وتابعة لقوانين، فكيف تُنسب إليها القدرة على الخلق؟!
خامسًا: ثمار الإيمان بوجود الله
الإيمان بوجود الله ليس فكرة نظرية، بل هو أعظم مصدر للطمأنينة والسعادة.
1. السكينة: المؤمن يعلم أن الله رحيم يدبر أمره، فيسكن قلبه.
2. الغاية: يدرك أن حياته لها هدف، وهو عبادة الله والعمل للآخرة.
3. الأخلاق: الإيمان بالله يردع عن الظلم والفساد، ويحث على الخير والإحسان.
قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
الخاتمة
إن الأدلة على وجود الله متضافرة: الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والعقل الذي يدل على أن لكل شيء سببًا، والوحي الذي يقرر الحقيقة بأوضح بيان. وكل ذلك يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الله هو الخالق المدبر لهذا الكون. والسعيد هو من استجاب لنداء الفطرة والعقل والوحي، فعاش مؤمنًا مطمئنًا، ومات على طاعة الله، ليلقاه وهو راضٍ عنه.