ام المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها
نشأة السيده خديجة
كانت دار خويلد بن أسد في مكه ، عاليه البناء ، واسعة الجنبات، معروفه لقصادها بين دور القرشيين الكباراء، أصحاب السلطان و النعمه و الثراء.
تعلن بقربها من الكعبه عن منزلتها العظيمه، و ما لها من المكانه الكبيره بين تلك الدور، تزينها السيده خديجه بنت خويلد رضي الله عنه و ارضاه، و تملؤها بالبشر و السرور.
فقد كانت فتاه جميله، ذكية، مرحه، فصية اللسان، طيبة القلب، يحبها من يراها و يتعلق بها، لعطفها و حنانها، و ما تمتاز به من الصفات الطيبه، التي لا توجد في كثير من بيوت مكه المتكبرة، المتعالية بالحساب و النسب والكثرة و الغنى.
و امتاز خويلد ابوها بين كريش، بالسيادة و الأمر و النهى، يؤخذ رأيه في المشكلات، ولا تقضى الأمور بدونه، وحوله أسرته الكبيره العريقه، تسانده تقف بجانبه.
كما عرف بعطف شديد على الفقراء و المساكين، و رحمه واسعه بالضعفاء و المحتجين.
في هذه الدار الكريمه الثريه، الواسعه، نشأت السيده خديجه بنت خويلد رضي الله عنها، راضيه هادئه، لا تبطرها النعمه، كما تبطر الكثير من الناس.
بل أحست بأن هذه النعمه التي تمرح فيها، إنما هي عطاء من الله الرزاق ينبغي أن يقابل بالشكر لمن وهبه ومنحه.
و وجدت في عون المحرومين و مساعدة المحتاجين ما ينهض بذالك الشكر، فما ردت محتاجا، ولا خيبت راجيا في إحسان.
ولم تخرج في تلك الصفات الطيبه، عما انحدر إليها من أهلها و قومها، وخاصهة أباها الذي يفيض قلبها بالحنان و الرحمه بكل إنسان .
وقد رأي هو فيها كثيرا من صفاته، فزاد حبه لها، وسره فيها قلبها الكبير، ونفسها الطيبه، و ذكاؤها اللماح، وعزيمتها القويه، وإدركها السريع، وحسن تصريفها للأمور، فاراها من قلبه الرضا، و أبدى لها ارتياحه التام لكل ما تفعل وما تترك فإذا جلس جلس الدار، و تابع اهتمام وجوه نشاطها، خفة حركتها، وما تشيعه من البهجة و لأنس، ابتسم ابتسامة راضيه حانية، وجعل يقلب كفيه عجبا، وهو يحدث نفسه قائلا:
-ما أظلم أولئك الذين يكرهون البنات! و ما أقسى حكمهم عليهن ! وكيف تقدم تلك القلوب المتحجره على وتدهن؟! أليس فيهن مثل خديجه رضي الله عنه؟!
انها ورب الكعبه ريحانه الدار، وبهجه الاسره، و نورها الوضاء!
و كثيرا ما كان يدعوها إليه و يحدثها، و يطيل حديثها، مستطيبا هذا الوقت الذي يفرغ فيه من مشاكله كثيره، يود لو طال، وطال معه ذلك الحديث الشهي.
وكل مره يهم بالتحدث إليها في أمر من الأمور، ثم يمسك و يشعب الحديث، فحياؤها الشديد، يمنعه من ان يفاتحها في شان أولئك الفتيان، الذين يطرقون بابه كل صباح و مساء، يطلبون يدها، راغبين في زينه الدنيا؛ من جمال باهر، و حسب ظاهر، ومال كثير، وذكاء نادر .
وقد عصمها ذلك الحياء، من ان تهتم بأولئك الخطاب، حين تصل إلى مسامعها أخبارهم، عن طريق الجواري، والجارات، الصويحبات، وأنهم يبتغون إلى ابيها المصاهرة، و يتوسلون إليه بما في ايديهم من الثراء، وما وراءهم من الحسب الرفيع.
لم تلتفت إليهم، و انصرفت إلى شئون البيت و تدبير أموره، لا تشغل نفسها بالتفكير في الزواج و الاهتمام بخاطب، و اثقة من ان أباها الحكيم سيختار لها خير الأزواج، فهو خبير بالرجال.
وما اكثر ما سمعته و هو يتحدث عن الزوج الصالح، و يقول : إنه الجامع لصفات المروءة، و الشهامه، و الكرم، لا يستهويه ما يستهوي شباب مكه وبعض شيوخها مما لا يرضى ألذكي العاقل، من يزن الأمور ويقدر التبعات و يحمل الأعباء، لا يدفعه الطيش إلى ما يحط من أقدار الرجال، ويحطم مراكزهم العاليه، و كثيرا ما أكد لها أن علاقة الرجل بالناس صوره من علاقته بأهل بيته، فالكريم الطيب الشهم، وهو دائما في كل حال على سواء.
(و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته لقد انتهينا من الجزء الأول انتظرو الاجزاء القادمه)