فارق مصلاة وفارق مصحفة
أستيقظت من نومى فزعا على صوت بكاء أطفال ؛ لم أعهد ذلك الصخب فى بيتنا ابدا ؛ دخلوا الأطفال الى غرفتى مسرعين ؛ احتضنونى وببكاء يملؤه العبرات يسألون ما الذى حدث لخالى محمد ، وماذا إصابة ، وكيف حاله الان ، واين هو ؛ ودخلت خلفهم اختى خلفهم إلى الغرفة باكية تسأل ؟
ماذا الذى حدث لمحمد ؟
وكيف تنام وقد نزل بنا ذلك الكرب؟
لا أعلم عن ماذا تتحدثون انا لم استيقظ من النوم الا الان على صوت بكاء الأطفال؟
الاخت : لقد اتصل أبى بى باكرا وقال إن محمد تعرض لحادث بسيارتة ونقل إلى المستشفى وهو فى حالة حرجة وقال إن أخاكى حسن فى انتظارك فى البيت ينتظرك لينقلك إلى المشفى .
نظرت إلى الهاتف فعرفت إن أبى حاول الاتصال بى كثيرا ؛ ولكن كيف استيقظ مبكرا وانا دائما اسهر حتى ساعات الليل الأخيرة ؛ يبدو أن أبى ارسل لى اختى وأولادها الذين يسكنون فى مدينة غير المدينة لكى استيقظ من النوم ؛ وبأعصاب باردة اتصلت بأبى وسئلت ما الذى حدث يا أبى ؟ فقال لى إن اخوك الصغير تعرض لحادث بالسيارة وهو الآن فى غرفة العمليات وحالتة حرجة فقلت له اننى فى الطريق اليه مع اختى ؟
وسريعا بدلت ملابسى ؛ وأخذت اختى وأولادها معى فى السيارة ؛ الا انهم لم يكفوا عن البكاء ولو للحظة واحدة ؛ وكيف لا يبكون؟
وقد كان دائما يدخل الفرح والسرور على قلوبهم ؛ فقد كان يسافر اليهم كل يوم جمعة ، و لا يتناول افطارة الأ معهم وكثيرا ما كان يوقظهم هو من نومهم ؛ محملا باجمل الهدايا ، والذ واشهى الفواكه و الاطعمة ، فقد عرف بصلة للرحم وطيبة قلبة ، ولين كلامة وفعلة للخيرات .
.
وصلنا إلى المشفى ؛ رأيت أمى فى حالة يرثى لها ، وأبى متماسك قليلا ؛ ولم يلتفت إلى تاخرى ولم يلومني لعدم وقوفى إلى جانبه فى تلك النازلة !
شعرت ان أبى يريد أن يستقوي بى ؛ يريد من يكون عونا له ؛ كيف لا وقد كان اخى خير معين له ؛ كان يهتم بكل أعمال أبى وتجارتة ؛ فهو على صغر سنة كان هو من يدير شئون التجارة ، وحتى العلاقات الاجتماعية واعمال الخير والبر ؛ والتعاون مع جيران العمل والمنزل كان هو من يقوم بها .
رغم انى كنت الأكبر سنا الا أننى لم أكن مهتم الا باللعب واللهو والسفر والخروج مع الأصدقاء ؛ حتى أن اخى الصغير كان يترك لى مصروفاتى الشخصية قبل خروجة للعمل مبكرا . .
توالت الأحداث ؛ ولم يمر كثيرا حتى خرج علينا الطبيب ليعلن لنا وفاة اخى محمد ؟! .
مات أخى ؛ مات الصغير وضج المكان بالبكاء الأهل والاصدقاء والجيران والعمال ؛ الكل يبكى الا انا !
لا أعرف لماذا لم أشعر بالحزن ؛ لماذا لم أبكى رغم حبى الشديد له ؛ انشغلت بالتخفيف عن من هم حولى ؟.
مات صغيرا ؛ كانت تلك كلمات احد العمال وهو يبكى أخى ؛ فاقتربت منه اخفف عنة وأوسيه ؛ فقال لى لا تتحامل على نفسك أبكى يا بنى لا تعاند نفسك ؛ قالها وهو مشفق على يربت على كتفى
مات أخى صغيرا ؛ والم فقده كبير على وعلى كل من حولى من ألاهل والاصدقاء ؛ واكملنا إجراءات الدفن سريعا ؛ وتمت الصلاة على أخى فى المسجد القريب من البيت ؛ ذلك المسجد الشاهد على صلاتة ؛ ونقل إلى مسواه الاخير ورجعنا إلى البيت بدون أخى الصغير .
تذكرت قول شوقى :
دقات قلب المرء قافلة له
أن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للانسان عمر ثان
بعد ان رايت البكاء على اخى من كل من يعرفة ولم يعرفه ؟
الكل اثنى عليه خيرا ؛ ولكن نظرة الفقراء والعمال لى كانت غريبة ؛ وحزنهم وخوفهم كان شديد وكانهم فقدوا من يعيلهم ؛ وكانهم يسئلونى هل تستطيع ان تكمل طريق اخوك ؟
هل يستمر طريق العطاء ام سوف ينقطع ؟
هل سوف تشعر بذوى الحاجة وتكون فى عونهم ؟
دخلنا المنزل فاسرعت الى غرفتى انا واخى ؛ خائفا من نظرات أبى وأمى ؛ لاننا سوف نكون وجه لوجة وحدنا !
لماذا اشعر بالذنب ؛ ذنبا يفوق حزنى ؟
دخلت الغرفة كما تعودت ولم اضئ الانوار ؛ ولكن الغرفة اليوم كانت مظلمة ؛ لم يكن أخى فى زاويتة كما تعودت ، لم يكن فى مصلاة ساجدا ، او يرفع يدية بالدعاء ، او قارئ للقران !
مات اخى صغيرا و فارق مصلاة وفارق مصحفة ، اشعر ان الزاوية التى كان يصلى فيها قد اظلمت ، هل سوف ينطفى نور تلك الزاوية الذى كان دائم الصلاة فيها ؛ هل سوف يغلق مصحفة الى الابد .
مات اخى صغير ؛ ولكن اعاهدك ربى انه لن ينقطع عطاءة ؛ لن ننسى الفقراء ؛ و لن ينطفى نور مصلاه ، وسوف تهتدى الى مكان قراءة قرانك ملائكة السماء ؛ فاخى قال لى فى مرة وهو يقراء القران .
"ان البيتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يتراءى لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تتراءى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ»، أي أنه تُنصب عليه خيمة من نور، تهتدي بها الملائكة .
ولن يغلق مصحفك وسوف تنصب خيمة النور على زاويتك اعدك اخى انى لن ابدل عادتك ؛ وساكمل المسير ؛ سوف اجتهد لكى اكمل فى نفس الطريق الذى رسمتة لنفسك.
فهو خير طريق .
الطريق الى الله .
الطريق الى الجنة.
الطريق الى السعادة.
الطريق الى رضا الله سبحانة وتعالى .
تزود من التقوى فإنك لا تدري
إذا جنَّ ليـل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من عليل عاش حيناً من الدهر!
وكم من صبي يرتجى طـول عمره
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري!
وكم من عروس زينوهــا لزوجها
وقد قبضت روحـها ليلة القدر!
وكم من ساكن عند الصباح بقصره
وعند المسا قد كان من ساكن القبر!
فكن مخلصاً واعمل الخير دائماً
لعلك تحظى بالمثوبة والأجر
وداوم على تقوى الإلــه فإنها
أمان من الأهوال في موقف الحشر