فضل يوم عرفه وأحوال السلف الصالح فيه
فضل يوم عرفه
إن يوم عرفه هو أفضل يوم طلعت عليه الشمس
وهو اليوم الذي يخرج فيه حجاج بيت الله الحرام شعثا غُبرا لأداء ركن الحج الاعظم وهو الوقوف بصعيد عرفة
رافعين أكف التضرع للمولى عز وجل راجين مغفرته وعتقه من النار
فهذا يوم قد أعظم الله أمره ورفع علي الأيام قدره
فقد أقسم الله تعالى به
ولتعلم أن العظيم لا يقسم إلا بعظيم
قال تعالى:"والشَّفعِ والوَترِ"
قال ابن عباس : الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة.
وهو اليوم المشهود الذي أتى في سورة البروج
قال تعالى :{والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود}
قال النبي ﷺ:"اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة"
ويوم عرفة يوم عيد لأهل الموسم
فمن فضائله أن الله عز وجل أنزل فيه :{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}
حتي أن أصحاب الملل الاخرى عرفوا فضل هذه الكلمات الكريمة من المولى عز وجل
فعن طارق ابن شهاب قالت اليهود لعمر : إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً
فقال عمر : إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول اللّٰه ﷺ حين أنزلت : يوم عرفة وإنا والله بعرفة يوم الجمعة
فيوم عرفة يوم عيد لأهل الموقف فإنما يكمُل الحج بيوم عرفة والوقوف بعرفة
فإنه ركن الحج الاعظم كما قالﷺ :"الحج عرفة"
قال ابن حجر :(استدل بهذا الحديث -اي حديث عمر السابق- علي مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة علي غيره من الايام ؛ لأن الله تعالى إنما يختار لرسوله ﷺ الافضل وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ، ويوم الجمعة افضل أيام الأسبوع ولأن يوم الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء ولا سيما علي قول من قال : إنها بعد العصر...."
وفيه أخذ الله عز وجل الميثاق علي ذرية آدم بتوحيده فما اعظمه من يوم وما اعظمه من ميثاق
قال النبي ﷺ :"إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال (الست بربكم قالوا بلى)"
ومن فضائله أن الله عز وجل يباهي بالحاج فيه ملائكته ويعم بالغفران
قال النبي ﷺ :"إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم : انظروا الى عبادي هؤلاء جاءوني شعثا غُبرا"
وهو أكثر يوم فيه عتق من النار
فقد قال النبي ﷺ :"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول:ماذا أراد هولاء ؟"
وعن بلال أن النبي ﷺ قال غداة جمع -اي ما بين الفجر و طلوع الشمس- :"يا بلال اسكت الناس -أو انصِيت الناس- ثم قال : إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم واعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله"
وصيام يوم عرفه كفارة سنتين
قالﷺ :"صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"
وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفه
فقد قال النبي ﷺ :"افضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير"
وقال ﷺ أيضاً :"افضل الدعاء دعاء يوم عرفه وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له"
فطوبى لعبدٍ فَقِه الدعاء وفضل الدعاء في يوم الدعاء
ومن آداب هذا اليوم أن يقف مستقبلاً القبلة رافعا يديه ويلبي
ويكثر فيه من التهليل فإنه خير الدعاء يوم عرفة وإن زاد في التلبية أحياناً (إنما الخير خير الاخيره) جاز
(لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)
أحوال الصالحين بعرفة
إليك اخي موقف السادة من عباد سلفنا وأئمتهم
وقف الفضيل بعرفة والناس يدعون ، وهو يبكي بكاء الثكلى المحترق قد حال البكاء بينه وبين الدعاء
فلما كادة الشمس أن تغرب رفع رأسه إلي السماء وقال:"وسوءتاه منك وإن عفوت"
إذا كان الفضيل الحيي يقول هذا وهو طبيب القلوب الذي كان ابن عيينة شيخ الحجاز يقبل يده.
فأين نحن منه ؟!
ولتنظر الي تواضعه لتعلم لماذا رفع الله مكانة هولاء القوم بين الناس.
قال الفضيل لشعيب بن حرب بالموسم:إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شر مني ومنك فبئس ما ظننت !
ووقف بعض الخائفين بعرف الي قرب غروب الشمس فنادى الأمان الأمان فقد دنا الانصراف فليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين
وإني من خوفكم والرجا أرى الموت والعيش منكم عيانا
فمنوا علي تائب خائف اتاكم ينادي الأمانا الأمانا
إذا طلب الأسير من الملك الكريم أمنَة أمَّنَهُ
الأمان الأمان وزري ثقيل وذنوبي إذا عُدِدنَ تطولُ
أوبقتني وأوثقتني ذنوبي فترى لي إلي الخلاص سبيل
ووقف بعض الخائفين بعرف فمنعه الحياء من الدعاء فقيل له :لم لا تدعو ؟
فقال :ثمَّ وحشة
فقيل له : هذا يوم العفو عن الذنوب
فبسط يده ووقع ميتاً
وقال ابن المبارك : جئت الي سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث علي ركبتيه وعيناه تهملان
فقلت له :من أسوء هذا الجمع حالاً ؟
قال : الذي يظن أن الله لا يغفر لهم !
وإني لادعو الله اطلب عفوه وأعلم أن الله يعفو ويغفر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها وإن عظمت في رحمة الله أصغر
فهنيئا لمن رزقه الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجأرون الي الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة
فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف واقلقه
ومحب الهبه الشوق واحرقه
وراج أحسن الظن بالله وصدقه
وتائب نصح لله في التوبة وصدقه
وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه
فكم فيهم من مستوجب للنار أنقذه الله واعتقه
ومن أسير للأوزار فكّه واطلقه
وحين إذا يطلع عليهم أرحم الرحماء ويباهي بجمعهم أهل السماء ويدنو ثم يقول :ما أراد هولاء ؟
عباد الله......
إذا كانت ليلة القدر مجهولة فأن يوم عرفة معلوم
وإذا كانت ليلة القدر تتنزل فيها الملائكة فإن الله ينزل يوم عرفة
فغتنموا الفرصة وأجتهدوا ما أستطعتم