أنبياء الله: سليمان عليه السلام - ج١
احتشد عشرات الآلاف من بني إسرائيل علي الأرض ، واحتشدت الطير في السماء والتي كانت تسبح مع داوود عليه السلام في مشهد مهيب لا يتكرر كثيرا في التاريخ ، مشهد وفاة أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل ،الذي نقلهم من مشردين ومستضعفين ومهزومين إلي قوة لا يستهان بها وجعل لهم مكانة وهيبة بين الأمم . اشتدت حرارة الشمس حتي آذت المشيعين ،وهنا تقدم سليمان عليه السلام وأشار للطير في السماء أن تظل المشيعين ففعلت وكانت تلك اول معجزة يراها بني إسرائيل من سليمان النبي بن داوود النبي عليهما السلام ..
"وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ "
- ورث سليمان عليه السلام النبوة والملك عن أبيه داوود عليه السلام ،ورث مملكة قوية وجيشا قوياً لم يتلق في عهد داوود أي هزيمة ، في الواقع لقد كان عصر داوود وسليمان عليهما السلام عصراً ذهبيا غير مسبوق ولم يتكرر في تاريخ بني إسرائيل.
كان سليمان عليه السلام مثل والده ، نبيا مطيعا لربه ساعيا في الأرض بالعمارة والخير ، مقيما شرع الله تعالي في بني إسرائيل ، محاربا للكفر و الكافرين في مكان مدحه ربه قائلاً:
" وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ"
- وكان لسليمان عليه السلام دعوة لربه :
"قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ "
واستجاب الله تعالي لنبيه سليمان ووهبه ملكاً لم ينبغ لأحد من بعده ،فالله تعالي يعلم أن نبيه سليمان ليس طامعا ولا طامحا لملك من أجل سلطة وجبروت ومال ،ولكنه كان يريد أن ينشر رسالة التوحيد في كل أنحاء الأرض علي قدر ما يستطيع .
- وقد امتلك سليمان عليه السلام جيشا هو الأقوي في التاريخ ولا يمكن تكراره إطلاقا، كان جيش سليمان عليه السلام يتكون من جنوده البشر بالإضافة إلي جنود من الجن والشياطين.
" وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ . يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
وهب الله تعالي لسليمان عليه السلام القدرة علي التحكم في الجن والشياطين فكان يسخرهم في أعمال عمارة الأرض وفي بنيان البيوت والقصور والقدور وشق الطرق وغير ذلك من أعمال تمهد للناس السكن والحياة في الأرض .ومنهم كذلك من يغوصون في أعماق البحار فيأتونه بما يريد.
كما كان يسخرهم للحرب في جيشه الذي يلا يقهر ومن كان منهم يحاول أن يتمرد عليه ،كان سليمان عليه السلام يسلسله ويعذبه .
- وكان عند سليمان سلاح آخر غير مسبوق في تاريخ البشرية وهو الطيور التي كان سليمان يجيد لغتها كما كان يجيد لغة الحيوانات وكلنا نعلم قصته وجيشه مع النمل والتي اوردها القرآن الكريم. كانت الطير تأتيه بالأخبار من كل أنحاء الأرض .
-كلنا يعرف قصة الهدهد الذي تغيب فسأل عنه سليمان عليه السلام فجاء يخبره عن قصة ملكة سبأ التي آتاها الله الملك والقوة ورغم ذلك فقد كانت كافرة به، كانت وقومها يعبدون الشمس ، قام سليمان بكتابة رسالة لملكة سبأ ،رسالة مختصرة قصيرة ،كلمات معدودات ولكن لها دلائل كثيرة جداً ، طار الهدهد إلي قصر ملكة سبأ وألقي رسالته ،فتحتها الملكة وجمعت وزرائها وحاشيتها وقالت :
" إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ . أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ "
فقط تلك الكلمات البسيطة ،
" أتوني مسلمين "
لم يكن سليمان يبغ في الأرض الفساد ولا يطلب مجدا شخصياً ، لم يرد إلا نشر دين الله .
كانت الملكة قد سمعت بسليمان وملكه وجيشه وخشيت أن يغزو مملكتها ويسقطها ويدمرها ، فأرسلت له هدية من الذهب قيمة جدا .
وذهب جنودها بالهدية ،ونادي سليمان عليه السلام بحشد جيوشه ،دخل رسل الملكة قصر سليمان عليه السلام وسط انبهار وذهول ، كانت مملكة سبأ قوية ثرية ،ذات جيش قوي وبأس شديد ، وكانوا يسمعون عن سليمان وقوته ولكنهم أبداً لم يتوقعوا هذه القوة المذهلة في جيش سليمان ولا هذا الثراء الذي لا مثيل له ، فقصر سليمان عليه السلام كان مرصعا بالذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة التي جاءت من شتي أنحاء الأرض ، أرضه من زجاج شفاف تحسبه ماء .
تضاءلت الهدية القيمة في عيون رسل ملكة سبأ لما شاهدوا بأنفسهم مملكة سليمان عليه السلام وقصره والذي رفض الهدية ، وأعلن الحرب علي سبأ وأخبر الرسل أنه قادم بجيوشه لغزوهم .
- وكان قرار الملكة أن تذهب بنفسها لسليمان في قصره تفاديا للغزو وطلبا للسلام ، ولما وصلت الملكة إلي مملكة سليمان ودخلت قصره انبهرت بقوة وبأس وثراء المملكة الذي لا يقارن ، ليس هذا فقط ولكنها انبهرت أيضاً بقوة إيمان سليمان عليه السلام وعبادته لله تعالي وعدم تكبره ولا تعاليه رغم كل ما هو فيه ..
في النهاية أدركت أنها ظلمت نفسها بعبادة الشمس وأسلمت مع سليمان .
- غير أن جيش سليمان ذلك غير المسبوق في تاريخ الارض كان يخلو من عنصر هام ، استخدم في كل الجيوش في ممالك الارض السابقة علي سليمان و هو الخيل.
كانت الخيل من أهم أسلحة الجيوش في الحرب ،وكان سليمان عليه السلام يستعد لحرب هامة وراح يستعرض الخيل والجنود حتي كادت تفوته الصلاة ، انتبه مسرعا لوقت الصلاة فسجد لله شكرا وأقام صلاته ومن وقتها قرر الإستغناء عن الخيل في الحرب :
" إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ . فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ . رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ .
ولكن الله عوضه سلاحا أقوي وأعظم كثيرا من الخيل وهو الريح ...
" فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ "
غير أن سليمان عليه السلام قد تعرض لفتنة كبيرة في حياته ..
" وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ "
وفي تفسير تلك الفتنة هناك الكثير من القصص المكذوبة والمفتراة علي سليمان عليه السلام ، منها أن له 700زوجة وأنه طاف بهن جميعا في ليلة واحدة وكانت نيته أن يحملن جميعا ويلدن له ابناء يجاهدون معه في سبيل الله ، غير أن سليمان لم يقدم مشيئة الله فلم تحمل أي من زوجاته إلا واحدة له ولدت له غلاما مشوها ألقوه علي كرسيه.
المصادر : أنبياء الله ( أحمد بهجت )
موسوعة اليهود و اليهودية ( عبد الوهاب المسيري )