
ترجمة ابن مَالكْ الطَّائِــي صَاحبُ الأَلفِيَّــة
ابن مَالكْ الطَّائِــي صَاحبُ الأَلفِيَّــة
(600 هـ-672 هـ ، 1204م – 1276 م)
اسمه ونسبه :
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك ، جمال الدين ، الطائي نسباً ، الجيَّاني منشأً .
مولــــــده :
ولد في مدينة جَيّان (مدينة أندلسية جميلة قرب قرطبة) ، نحو سنة 600 للهجرة ، ثم غادرها في مطلع شبابه إلى بلاد الشام فتوقف في مصر، وأقام في حلب وحماة ، ثم استقرّ بدمشق مدرساً للعربية والقراءات.
أخلاقه وصفاته:
تجسّدت في ابن مالك أخلاق العلماء ، فأجمع الذين ترجموا له على عظمة خُلقه وشدة تواضعه .
وقيل عنه: "كان سخياً، حسن الخُلُق، وأديباً ديِّناً ".
وقيل أيضاً :"صار يضرب به المثل... مع الحفظ والذكاء والورع والدِّيانة وحُسن السَّمْت ، والصيانة والتحري لما ينقله والتحريرِ فيه ، وكان ذا عقل راجح ، حَسَن الأخلاق مهذَّباً ، ذا رَزَانة وحياء وَوَقار وانتصابِ للإفادة وصبرٍ على المطالعة الكثيرة ، وكان حريصاً على العلم حتّى إنه حفظ يوم موته ثمانية شواهد" .
وكان كثير الفخر بنفسه ، فقد قدَّم ـ رحمه الله تعالى ـ لصاحب دمشق قصةً يقول فيها عن نفسه:" إنه أعلم الناس بالعربية ، ويكفيه شَرَفاً أنّ من تلامذته الشيخ النَّوَوي ، والعَلَم الفارِقي ، والشمس البَعْلي ، والزَّين المِزّي" ، لكنّه ـ على عظمة قَدْرِه وسَعَة علمه أَحْوجه الدهر إلى سؤال السلطان "بَيْبَرْس" واستدرار عطفه بطلب قال فيه: "الفقير إلى رحمة ربّه محمد بن مالك يُقبل الأرض ويُنْهي إلى السلطان ـ أيّد اللهُ جنوده وأَّبَّدَ سعوده ـ أنّه أعرف هل زمانه بعلوم القراءات والنحو واللغة وفنون الأدب ، وأملُهُ أن يُعينَهُ نفوذٌ من سيد السلاطين... بصدقةٍ تكفيه همّ عياله وتُغْنِيهِ عن التسبُّب في صلاح حاله"، فأَجابه السلطان وعيّنه مدرساً في المدرسة العادلية بدمشق، و ولاّه مشيخة الإقراء أيضاً.
شيوخه:
لم تذكر مصادر ترجمته شيئاً عن سيرته في الأندلس قبل هجرته إلى المشرق ، لكنّ الراجح أنه أمضى سِنِينَ حياته الأولى حتى شبابه في الأندلس بدليل تلمذته لاثنين من علمائها هما :
• ثابت بن خَيّار اللَّبْلـي الذي أخذ عنه القراءات في جَيّان .
• و الشَّلَوْبين الذي أخذ عنه وجالسه نحو ثلاثة عشر يوماً.
أما شيوخه في بلاد الشام ، فهم:
• ابن أبي الصقر - مكرم بن محمد ، نجم الدين، نحوي ، توفي سنة 635 هـ- أخذ عنه في دمشق .
• ابن الخباز المَوْصِلـي - أحمد بن الحسين، شمس الدين، فقيه ونحوي، له: النهاية في النحو وشرحُ ألفية ابن مُعْطٍ ، توفي سنة 637 هـ - .
• السَّخاوي - علي بن محمد ، علم الدين ، أبو الحسن ، نسبته إلى (سَخَا) بمصر، عالم بالنحو والقراءات، تلميذ الشاطبي المقرئ ، له شرحان على مُفصَّل الزمخشري ، وسِفْر السعادة وسفير الإفادة ، توفي سنة 643 هـ - أخذَ عنه في دمشق .
• ابن الحاجب - عثمان بن عمر ، جمال الدين أبو عمرو ، نحوي وفقيه ، له مقدمتان في النحو والتصريف هما الكافية والشافية ، توفي سنة 646 هـ- أخذ عنه في دمشق .
• ابن عمرون - محمد بن عمرون ، نحوي ، تلميذ ابن يعيش ، له شرح على مُفَصَّل الزمخشري ، توفي سنة 649 هـ- أخذ عنه في حلب .
• محمد بن أبي الفضل المرسـي ، نحوي ومفسر، له: الضوابط النحوية في علم العربية ، والإملاء على المفصَّل ، توفي سنة 655 هـ أخذ عنه في دمشق .
تلاميــذه:
أمضى ابن مالك جُلَّ حياته في التدريس ، فقد عينه السلطان "بَيْبَرَس" مدرساً في المدرسة العادلية بدمشق ، و ولاّه مشيخة الإقراء أيضاً ، كما تصدّر للتدريس بحلب ، وأمَّ بالسلطانية ، ولمّا غادر دمشق إلى حلب توقف في حمص وحماة فتصدّر للتدريس فيهما .
لقد كان له لتنقله بين هذه المدن تلاميذ عدة ، ولاسيما في دمشق ، لكنه كثيراً ما كان يفتقد من يحضر حلقته في المدرسة العادلية وينتظر من يحضرُ يأخذُ عنه ، فإذا لم يجد أحداً يقوم إلى الشباك ويقول: "القراءاتِ القراءات ِ، العربيةَ العربيةَ "، ثم يدعو ويذهب ويقول :" أنا لا أرى ذِمّتي تبرأ إلاّ بهذا ، فإنّه قد لا يُعلم أنّي جالس في هذا المكان لذلك" .
أما تلاميذه فيبدو أنهم أخذوا عنه العربية ، ولم يكن له تلاميذ في القراءات ، فلم يذكر "ابن الجزري "في غاية النهاية أحداً أخذ القراءات عن ابن مالك ، قال: "ولما دخل حلب... أخذ عنه العربية غير واحد من الأئمة ، غير أني لا أعلم أحداً قرأ عليه القراءات ، ولا أسندها إليه" .
ولعلّه أقرأها في مدينة أخرى غير حلب.
وفيما يلي إحصاء تلاميذه:
• ابنه محمد بدر الدين ، شرحَ الألفية وغيرها من كتب أبيه (686 هـ).
• الإمام النَّووي ، يحيى بن شرف النووي، نسبته إلى (نوى) بحوران ، صاحب التصانيف توفي سنة (676هـ) .
• ابن جَعْوان محمد بن محمد ، شمس الدين ، نحوي ومحدّث ، توفي سنة ( 682 هـ) .
• ابن المُنَجَّى بن عثمان ، زين الدين ، أبو البركات ، فقيه وأديب ، تلميذ العلام السَّخَاوي ، له تفسير القرآن الكريم وشرحٌ على الألفية ، توفي سنة (695 هـ) .
• اليُونيني ، محمد بن عبد الملك ، شرف الدين ، أحد رواة صحيح البخاري ذكره ابنُ العماد الحنبلي في الشذرات بين وفيات سنة (695هـ) ولم يترجم له .
• البهاء ابن النّحاس ، محمد بن إبراهيم ، بهاء الدين، نحوي مصري ، شيخ أبي حيّان ، لم يُصنِّف شيئاً إلاّ ما أملاه على المُقرَّب لابن عصفور ، توفي سنة (698هـ).
• ابن النحّاس الدمشقي ، أحمد بن عبد الرحيم بن شعبان ، فقيه دمشقي غير ابن النحاس النحوي المصري المتقدّم ذكره ، تلميذ زين الدين الزَّواوي ، توفي سنة (701هـ) .
• شهاب الدين الشاغوري ، أبو بكر بن يعقوب ، تلميذ ابن مالك ، المتهم بإخفاء شرح التسهيل بعد وفاة مؤلفه ونقله إلى اليمن غضباً على أهل دمشق الذين لم يُنَصِّبوه خلفاً له في التدريس ، وتوفي سنة (703هـ) .
• ابن أبي الفتح البَعْلي ، محمد بن أبي الفتح ، نسبته إلى بعلبك ، نحوي، أستاذ التقي السُّبْكي ، توفي سنة (795هـ).
• الفارِقي ، سليمان بن أبي حرب ، علم الدين ، أبو الربيع ، مقرئ، توفي سنة (709هـ) .
• ابن حازم الأذْرَعي ، وهو محمد بن إبراهيم بن داود ، نحوي ، توفي سنة (712هـ) .
• ابن تمّام التَّلّـِي ، عبد الله بن أحمد ، تقي الدين ، شاعر دمشقي ، توفي سنة (718هـ) .
• مجد الدين الأنصاري ، إسماعيل بن الحسين بن أبي التائب ، محدِّث وكاتب ، توفي سنة (721هـ) .
• ابن العطّار ، علي بن إبراهيم ، علاء الدين ، أبو الحسن ، فقيه ، له كتب ورسائل ، توفي سنة (724هـ).
• علاء الدين الأنصاري ، علي بن محمد ، عالم بالعربية ، توفي سنة (725هـ) .
• أبو الثناء الحلبي ، محمود بن سلمان ، شهاب الدين ، أديب ، له: حسن التوسُّل بصناعة الترسُّل ، توفي سنة (725هـ) .
• أبو بكر المزي ، زين الدين ، مقرئ ، توفي سنة (726هـ) .
• ابن شافع ، شافع بن علي ، ناصر الدين ، أديب ، له: فصل الخطاب فيما للمحبة من الآداب ، توفي سنة (730هـ).
• بدر الدين ابن جماعة ، محمد بن إبراهيم ، بدر الدين ، محدّث ، توفي سنة (733هـ) .
• ابن غانم ، أحمد بن محمد بن سلمان، شهاب الدين ، أديب ، توفي سنة (737هـ) .
• البرزالي ، القاسم بن محمد ، أبو محمد، علم الدين الإِشبيلي ، مؤرخ ، أجازه الناظم وهو طفل ، فقد ولد سنة (665هـ) ، وتوفي سنة (739هـ) .
• ابن حرْب ، يوسف بن حرب ، فقيه ، له شرح الشاطبية ، توفي سنة (743هـ) .
• الصيرفي ، أبو عبد الله ، كذا ذكر في المصادر السابقة ، ولم أقف على ترجمته.
شعره:
نظم ابن مالك الشعر قصيدَهُ ورجزه ، وكان نظمه من قبيل شعر العلماء ، حشَدَ فيه كثيراً من العلوم والمعارف المتعلقة بالعربية ، وذلك بأسلوب تعليمي قَصَد منه التسهيل على الطلاب ، وتفاوتت قصائده من حيث عدد أبياتها ، فحوى بعضها على بِضْع عشرات ، وحوى بعضها الآخر على ثلاثة آلاف ، وبلغ مجموع نظمه التعليمي قرابة عشرة آلاف بيت موزعة على اثنتي عشرة قصيدة ، فقد كان حريصاً على النّظم عامة ، وعلى نظم علوم العربية خاصة، وكان نظم الشعر سهلاً عليه ، رجزِه وطويله و بسيطه ، وغير ذلك ، كما كان حافظاً لأشعار العرب التي يُستشهد بها على اللغة والنحو، فكان الأَئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها ، لكنّ هذه الموهبة لم تتعدَّ هذا اللون من النظم إلى فنون الشعر الأخرى ، فلم تحفظ كتب التراث والتراجم نماذج من شعره ، ولم تذكر له ديواناً أو قصائد ، وانفرد المَقَّرِي بذكر أربعة أبيات له ، ذكرها في سياق ترجمته ، فقال : قال بعضهم: من أحسن ما رأيتُ من شعر ابن مالك :
إذا رَمِدتْ عيني تداويتُ منكم ... بنظرة حُسْنٍ، أو بِسَمْعِ كلامِ
فإنْ لم أجِدْ ماءً تيمَّمْتُ باسمكم ... وصلَّيتُ فَرْضي ، والديارُ إمامي
وأخلصتُ تكبيري عن الغيرِ مُعرضاً ... وقابلتُ أعلام السِّوَى بسَلامِ
ولم أرَ إلاّ نورَ ذاتِكَ لائحاً ... فهل تدعُ الشمسُ امتدادَ ظلامِ .
وفـــاتــه:
توفي ابن مالك سنة (672هـ) بدمشق بلا خلاف ، ودفن بسفح جبل قاسيون ، ولم تذكر مظانّ ترجمته ظروف وفاته ، ما عدا السَّخَاوي الذي ذكر السبب عَرَضاً من غير أن يترجم له ، وذلك حين عدَّد أسماء الذين ماتوا غبناً فقال: "وممن مات غَبْناً الجمال بن مالك راوية جزيرة العرب نحواً ولغةً ، فإنه مع أوصافه الجليلة وكونه على جانب عظيم من الاحتياج وضيق الوقت عورض فيما استقرّ فيه من خطابة ببعض قرى دمشق ، من بعض جَهَلتها وانتُزعتْ منه له ، فكاد أن يموت لاسيّما وقد حضر الجُمعةَ وسأل الجاهل المشار إليه بعد فراغه من الخطبة والصلاة عن مخرج الألف ، فتحيَّر وظنّ أنه كلّمه بالعجمية ، ثم عدّد له حروف الهجاء ، مبتدئاً بالألف وسرَدَها ، فصَاحَ العامة الذين تعصّبوا لهذا الجاهل سروراً لكونه سُئل عن مسألة فأجاب بتسعٍ وعشرين ، وما وجَدَ الجمالُ ناصراً ، بل استكانَ ومات بعد أيام يسيرة " رحمه الله تعالى .
آثــــــاره :
ألّف ابن مالك في مختلف علوم العربية ، وجاءت مؤلفاته على مستويين اثنين، هما:
• المتون الموجزة .
• والشروح المطوّلة.
وكان ذلك وفقاً لمستوى التلاميذ أو القراء ، ووفقاً للغاية من تلك المؤلفات.
وقد برز طابع النظم بوضوح في مؤلفاته من خلال اثنتي عشرة قصيدة وأرجوزة حشد فيها كثيراً من مسائل اللغة والنحو والصرف والقراءات ، ثم ما لبث أن شعر بالغموض يعتري بعضها فشرحَ عشراً منها.
و انقسمت مؤلفاته بحسب موضوعاتها إلى ثلاثة أقسام نسوقها بتعريف موجز، مع الإشارة إلى ما طبع منها. وهي:
• كتب اللغة :
1 ـ الإعلام بمثلَّث الكلام : قصيدة عدد أبياتها (2815) خمسة عشر وثمانمئة وألفَا بيت ، ذكرتها بعض المصادر بعنوان (المثلث المنظوم) ، وبعضها بعنوان (المثلث في اللغة) .
2 ـ إكمال الإعلام بتثليث الكلام : شرحٌ للمنظومة السابقة .
3 ـ إكمال الإعلام بمثلث الكلام(: أرجوزة نظمها في حلب في (2755) خمسة و خمسين وسبعمئة وألفَيْ بيت وأهداها إلى الملك الناصر عماد الدين .
4 ـ ثلاثيات الأفعال : يتضمّن ما جاء من الأفعال على وزن (فَعَلَ واَفْعَلَ) بمعنى واحد ، وهو على صلة بالكتب السابقة .
5 ـ تحفة المودود في المقصور والممدود : وهي قصيدة همزية ، عدد أبياتها (161) واحد وستون ومئة بيت من البحر الطويل.
6 ـ شرح تحفة المودود: شرحٌ للكتاب السابق.
7 ـ الإرشاد في الفرق بين الظاء والضّاد: رسالة في ألفاظ متفقة المبنى مختلفة المعنى.
8 ـ الاعتماد في نظائر الظاء والضاد : شرح فيه الكتاب السابق ورتّب ألفاظه على حروف المعجم .
9 ـ الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد: قصيدة عدد أبياتها (62) اثنان وستون بيتاً مع شرحٍ عليها .
10 ـ قصيدة ظائية في الفرق بين الظاء والضاد، وشَرْحُها.
• كتب النحو والصرف :
جمع ابن مالك ـ في الغالب ـ بين النحو والصرف في مؤلفاته غير أن الفصل بين النحو والصرف ليس دقيقاً فيها، وإنْ غلب عليها النحو، لكنّه خصّ الصَّرف بخمسة كتب مستقلة ، وفيما يلي أسماء كتبه النحوية:
1- الكافية الشافية : أرجوزة طويلة عدة أبياتها نحو (3000) ثلاثة آلاف بيت ، اقتبس تسميتها من مقدمتي شيخه ابن الحاجب ، واستوعب فيها معظم مسائل النحو والصرف ، ونظمها في مدينة حلب ، وهي الأصل الذي اختصر منه الألفية.
2- شرح الكافية الشافية : شرحٌ للأرجوزة السابقة.
3- الخلاصة : أرجوزة عدة أبياتها (1002) اثنان وألف بيت ، اشتهرت باسم (الألفية) ، لخّص فيها أرجوزته الكبرى (الكافية الشافية)، وأشار إلى ذلك في ختامها، فقال:
وما بجمعهِ عُنيتُ قَدْ كَمَلْ ... نظماً على جُلّ المهمَّات اشتمَلْ
أحصى من الكافية الخُلاصَهْ ... كما اقتضى غِنًى بلا خَصاصَهْ
وقد نظمها للشَّرَف البارِزي في مدينة حماة ، وقيل: نظمها لابنه تقي الدين الأسد .
• القراءات القرآنية :
نظم ابن مالك قصيدتين في القراءات ، هما:
1- المالكية : قصيدة دالية منسوبة إلى ناظمها على غرار الشاطبية .
2- اللامية: قصيدة لامية في القراءات ، لم يضع لها عنواناً ، فَخَرجَ فيها فوائد زائدة على الشاطبية .