
الدعاء وتغيير الاقدار
الدعاء وتغيير الأقدار
بين النصوص والمواقف الإسلامية وربطه بالواقع المعاصر
الدعاء هو سلاح المؤمن، وملاذه في الشدائد، وهو تعبير صادق عن فقر العبد إلى ربه، وإيمانه بأن الله هو القادر على تغيير الأحوال وقلب الموازين. وفي زمن تشتد فيه الأزمات وتتوالى النكبات، يعود المسلم إلى هذا السلاح الرباني، متيقنًا أن الأقدار قد تتبدل بصدق الدعاء، كما جاء في قول النبي ﷺ: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" [رواه الترمذي].
فهل فعلاً يمكن للدعاء أن يغير الأقدار؟ وما هي المواقف الإسلامية التي تؤكد هذه الحقيقة؟ وكيف نربط هذا بمشاهد واقعنا المعاصر، وخاصة ما يمر به المسلمون في فلسطين وغيرها؟
الدعاء وتغيير القدر في ضوء العقيدة
أجمع علماء أهل السنة أن القضاء قدران:
قضاء مبرم: لا يغيره شيء، وهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ بعلمه الأزلي.
وقضاء معلّق: يتغير بسبب الأسباب، ومن أعظمها الدعاء.
وقد جاء في الحديث الصحيح: "لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء" [رواه الحاكم].
فالدعاء لا ينافي الإيمان بالقضاء، بل هو من تمام الإيمان، لأن الله هو الذي أمر به، ووعد بإجابته، وقدّر في سابق علمه أن فلانًا سيدعو فيستجاب له، وأن فلانًا لن يدعو فيُترك على حاله.
مواقف من سير العظماء تؤكد أثر الدعاء
🔹 موقف سيدنا يونس عليه السلام:
حين التقمه الحوت في الظلمات، لم يكن له ملجأ إلا الدعاء، فقال: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: 87]. فاستجاب الله له ونجاه. وهذا درس أن الدعاء يمكن أن يغير أقسى الأقدار وأشدها.
🔹 دعاء عمر بن الخطاب في القحط:
حين أصاب المسلمين الجدب، خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالناس إلى الصلاة، فدعا الله بصدق، وقال: "اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك، والآن نستسقي بعم نبيك، فاسقنا"، فما هو إلا أن رفع يديه حتى نزل المطر.
🔹 دعاء أهل غزة الآن:
ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي خضمّ العدوان والقهر الذي يتعرض له أهلنا في فلسطين، لا يملكون من سلاح أقوى من سلاح الدعاء، الذي نراه يُلهب المساجد ويصعد من القلوب قبل الألسنة. كم من مرة كان الفرج بعد الشدة، والنصر بعد الانكسار، بسبب دعوة في جوف الليل أو سجدة مخلصة!
الدعاء في الواقع المعاصر: سلاح لا يُستهان به
في زمن نُزع فيه العدل من الأرض، وتغوّلت فيه القوى الظالمة، أصبح الدعاء متنفس المستضعفين، وبابًا مفتوحًا لا يغلقه أحد.
تخيل أمًا فلسطينية تدعو بحرقة لولدها الأسير، أو شيخًا يرفع يديه وسط الدمار أن يرفع الله البلاء، أو شابًا يركع في الثلث الأخير يسأل الله النصر. أليست هذه صورًا حية لتغيير الأقدار؟
نحن بحاجة لأن نُعيد للدعاء مكانته، لا كمجرد كلمات نرددها، بل كوسيلة إيمانية عظيمة تفتح أبواب السماء، وتغيّر الواقع.
كيف نستثمر الدعاء في تغيير الواقع؟
إخلاص النية والتضرع الحقيقي.
اليقين بالإجابة، وإن تأخرت.
ربط الدعاء بالعمل والسعي، فالرسول ﷺ كان يدعو ويأخذ بالأسباب.
الدعاء الجماعي في أوقات الكرب، وخاصة في الأزمات الإسلامية الكبرى.
خاتمه
الدعاء ليس بديلاً عن العمل، لكنه مكمل له، ومحرك للقلوب، ومغيّر للأقدار بإذن الله.
علينا أن نُعيد إحياء هذا المعنى في بيوتنا، ومساجدنا، وصفحاتنا، وأقلامنا. فالله عز وجل وعد وقال:
"ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60].
ولعل أقرب الأقدار للتبدل، هي تلك التي تُطرق أبواب السماء بدموع الضعفاء، ويقين الصادقين، فهل نكون من الداعين؟