حين يشرق هلال رمضان... دعوة لعودة الروح إلى خالقها

حين يشرق هلال رمضان... دعوة لعودة الروح إلى خالقها

0 reviews

حين يشرق هلال رمضان... دعوة لعودة الروح إلى خالقها

ملك: أنظري يا إسراء، هل ترين الهلال؟ لقد أطلّ علينا شهر رمضان، أجمل شهور العام.
إسراء: وماذا في ذلك؟ هو شهر كسائر الشهور.
ملك: كيف تقولين ذلك؟ إنه شهر الرحمة والمغفرة، شهرٌ تُفتح فيه أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب النيران. إنه فرصة لا تعوّض.

إسراء: لكني أرى أن الناس في هذا الشهر يبالغون في التمثيل، فيرتدون ثوب التدين أيامًا معدودة، ثم ما يلبثون أن يخلعوه بانقضاء الشهر. يصومون النهار ويحيون الليل بالصلوات، لكنهم ما إن يودّعوا رمضان يعودون إلى ما كانوا عليه وربما أسوأ.
ملك: وما شأنكِ بالناس؟! نحن لا نحاسب الخلق، بل نحاسب أنفسنا أمام الخالق. قولي لي: أين أنتِ من صلاتكِ؟ من صيامكِ؟ من استغفاركِ ودعائكِ؟ إن كل إنسان مسؤول عن نفسه، ولن ينفعه يوم القيامة إلا عمله. ألم تسمعي المقولة: دع الخلق للخالق؟

إسراء: سمعت بها، لكن صعوبة الجوّ حولنا تجعل الإنسان يتأثر بما يرى ويسمع.
ملك: صدقتِ أن الجو العام قد يؤثر، لكن المؤمن الحق قلبه معلق بالله لا بالناس. اعلمي أن أحدًا لن يضركِ ولن ينفعكِ إلا بقدر ما كتبه الله لكِ. لن ينفعكِ إلا عملكِ الصالح، ولن يضركِ إلا عملكِ السيئ.

سكتت إسراء قليلًا، ثم قالت بصوت خافت:
إسراء: أشعر أن كلامكِ يوقظ شيئًا في داخلي. ربما انشغلتُ بالدنيا كثيرًا حتى نسيتُ نفسي.
ملك: ولهذا جاء رمضان يا صديقتي؛ ليذكّرنا. لكن لا تجعليه موسمًا عابرًا. فالطاعة لا تُختصر في ثلاثين يومًا فقط، بل عمر المسلم كله عبادة. تقرّبي من الله بالفرائض أولًا، ثم زيّنيها بالنوافل، بالصدقات، وبصيام التطوع.

إسراء: كأنني أكتشف رمضان لأول مرة.
ملك: لأن الدنيا يا إسراء بحرٌ متلاطم الأمواج، يُغرق من لا يتمسك بسفينة الإيمان. الناس قد يُبعدونكِ عن الله، لكن بيدك أن تعودي إليه. توبي عن ذنوبكِ، ما علمتِ منها وما لم تعلمي. ألا تعلمين أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؟

إسراء: يا له من رب كريم! أكرم مما نتصور.
ملك: بل وأكثر. ألم تسمعي قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

أطرقت إسراء برأسها والدمعة تترقرق في عينها، وقالت:
إسراء: أشعر أن باب الأمل قد فُتح أمامي. أشعر أنني أريد أن أبدأ من جديد.
ملك: هذا هو رمضان يا صديقتي، ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل صيام عن المعاصي، وتطهير للقلب، وتجديد للعهد مع الله. فاستمسكي به، واصنعي منه نقطة تحول في حياتك.

إسراء: وكيف أبدأ؟
ملك: ابدئي بخطوات صغيرة. اجعلي صلاتكِ في وقتها، واحرصي على تلاوة القرآن ولو بضع آيات كل يوم. اجعلي لسانكِ رطبًا بالذكر، واستحضري النية أن تكون أعمالكِ كلها لوجه الله. ثم زيدي على ذلك بصدقة خفية، أو دعاء بظهر الغيب لأخيكِ المسلم. ستجدين قلبك يلين يومًا بعد يوم.

إسراء: أشعر أنني كنت بعيدة، وأنني بحاجة إلى أن أعود سريعًا قبل أن يفوتني القطار.
ملك: لم يفتك شيء ما دام قلبك ينبض. الحياة قصيرة يا إسراء، والفرص فيها محدودة، لكن الله يكرم من يقبل عليه بصدق. اجعلي رمضان بداية عهد جديد، بداية صفحة بيضاء بينك وبين الله.

إسراء وقد أضاء وجهها بابتسامة ممزوجة بالدموع: أشكرك يا ملك... لقد جعلتني أرى رمضان بعين أخرى.
ملك: الشكر لله وحده. وأسأل الله أن يكتب لنا ولكِ القبول، وأن يجعلنا من أهل باب الريان.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

1

followings

1

similar articles