
سخاء الصحابة وجودهم في سبيل الله
سخاء الصحابة وجودهم في سبيل الله
المال وسيلة لا غاية
كان الصحابة رضي الله عنهم ينظرون إلى المال على أنه أداة لابتلاء الإنسان، لا غاية يركض خلفها. فبينما كان الناس يتنافسون على جمع الثروات، كان الصحابة يرون أن الفضل كله فيما يُقدَّم لله عز وجل. كانوا يوقنون أن المال إن بقي في الصناديق فهو فاني، وإن خرج في سبيل الله فهو باقٍ خالد في ميزان حسناتهم. تلك النظرة جعلتهم في قمة الحرية؛ لا يملكون المال وإنما يملكون قلوبًا كبيرة تعرف قيمته الحقيقية.
أبو بكر الصديق: عطاء بلا حدود
من أعظم صور السخاء ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة تبوك، حين جاء بكل ما يملك ووضعه بين يدي النبي ﷺ. فسأله الرسول: "ما أبقيت لأهلك؟" فقال: "أبقيت لهم الله ورسوله". كلمات قصيرة، لكنها تكشف عن إيمان عميق ويقين لا يتزعزع. لقد كان أبو بكر مثالًا لمن فهم معنى التضحية، حتى صار قدوة للأمة في الجود والإيثار.
عثمان بن عفان: ممول جيش العسرة
عثمان بن عفان رضي الله عنه كان من كبار التجار، لكنه لم يتعلّق بماله، بل جعله جسرًا يعبر به إلى الآخرة. ففي غزوة تبوك جهّز جيش العسرة بأمواله، فأنفق الآلاف وزوّد الجيش بالمؤن والجمال والسلاح. حتى قال النبي ﷺ: "ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم". وكان له مواقف أخرى كثيرة، منها توسعته للمسجد النبوي وشراؤه بئر رومة ليسقي المسلمين. لقد جمع بين الثراء والكرم، فصار اسمه مقترنًا بالبذل في سبيل الله.
عبد الرحمن بن عوف: تجارة مع الله
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وُهب عقلًا تجاريًا بارعًا، ففتح الله له أبواب الرزق، لكنه لم يغتر بما بين يديه. كان ينفق بسخاء على الفقراء والمجاهدين، ويعطي بغير حساب. حتى في مرض وفاته أوصى بمال عظيم يُوزع في سبيل الله، فاستفاد منه آلاف من المسلمين. لقد تحولت تجارته إلى تجارة حقيقية مع الله، تجارة لا تعرف الخسارة ولا الركود.
علي بن أبي طالب: العطاء رغم الحاجة
لم يكن السخاء حكرًا على الأثرياء فقط، بل شمل من عاشوا في شظف العيش أيضًا. علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يعيش أحيانًا ضيقًا شديدًا، لكنه كان إذا ملك شيئًا من قوت يومه لم يتردد في إعطائه لغيره. نزلت فيه وفي أهل بيته آيات من سورة الإنسان، حين قدّموا طعامهم للمسكين واليتيم والأسير، وقالوا: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا". فكانوا عنوانًا للعطاء الصادق الخالص.
العطاء على قدر الطاقة
ولأن السخاء ليس مقصورًا على الكبار، فقد جاء رجل بتمرة واحدة ليتصدق بها، فقبلها النبي ﷺ وبشّره بأنها عند الله أعظم من جبل أُحد. إنما العبرة بصدق النية لا بكثرة المال، فتمرة مخلصة قد تفوق قناطير من ذهب لا يُراد بها وجه الله. وهكذا تعلّم المسلمون أن باب العطاء مفتوح للجميع، كلٌ بما يستطيع.
أثر سخاء الصحابة في بناء الأمة
إن سخاء الصحابة لم يكن مجرد مواقف فردية، بل كان ركيزة أساسية لبناء الأمة الإسلامية. فقد ساعد عطاؤهم على تجهيز الجيوش، وإغاثة المحتاجين، وبناء المساجد، ودعم الدعوة في بداياتها. كانوا يؤمنون أن الأمة لا تنهض إلا إذا كان أبناؤها أسخياء بمالهم وأنفسهم. ولولا ذلك العطاء العظيم لما قامت دعائم الدولة الإسلامية بتلك القوة.
دروس خالدة للأجيال
إن قصص الصحابة مع السخاء ليست مجرد أحداث تاريخية، بل دروس خالدة تعلّمنا أن المال لا يساوي شيئًا إن لم يكن في خدمة الدين والإنسان. لقد أثبتوا أن الجود ليس رفاهية، بل هو جزء من العقيدة والإيمان. وإذا اقتدينا بهم سنبني مجتمعات قوية متماسكة، تُقدِّم الخير وتزرع الأمل، وتجد في العطاء سعادة تفوق كل لذائذ الدنيا.