
المولد النبوي الشريف: بين السنة والبدعة
المولد النبوي الشريف: بين السنة والبدعة
المقدمة
المولد النبوي الشريف من أبرز المناسبات الإسلامية التي أثارت نقاشًا واسعًا بين العلماء والمفكرين. ففي كل عام، ومع حلول الثاني عشر من ربيع الأول، تختلف الآراء بين من يرى أن الاحتفال بذكرى مولد النبي ﷺ فرصة لتجديد الحب والولاء، ومن يعتبره بدعة لم ترد في عهد الصحابة ولا التابعين. هذا الجدل جعل المولد النبوي موضوعًا حاضرًا في الثقافة الإسلامية، حيث يتقاطع فيه البعد الشرعي مع البعد الاجتماعي والروحي.
أصل الاحتفال بالمولد
لم يُعرف الاحتفال بالمولد في صدر الإسلام، ولم يرد أن الصحابة الكرام أو التابعين خصصوا يوم مولد النبي ﷺ بأي شعائر. بدأ ظهوره في القرن الرابع الهجري على يد الدولة الفاطمية في مصر، ثم انتشر في بعض البلاد الإسلامية بشكل تدريجي، حيث أُقيمت فيه حلقات ذكر وتلاوة القرآن وإطعام الطعام. ومن هنا بدأ الخلاف: هل يُعتبر هذا الفعل بدعة أم اجتهادًا مشروعًا؟

رأي المؤيدين
المؤيدون للاحتفال يرون أن ذكر النبي ﷺ وإحياء سيرته أمر محمود في كل وقت، وأن تخصيص يوم المولد ليس عبادة جديدة بل وسيلة للتذكير بسيرته العطرة. استدل هؤلاء بقول النبي ﷺ: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها”، معتبرين أن الاحتفال وسيلة لتعليم الأجيال محبة الرسول، وتعظيمه، والحث على الاقتداء به. كما يستشهد بعضهم بمواقف تاريخية، مثل صيام النبي ﷺ يوم الاثنين واعتباره يوم مولده، وهو ما يرونه إشارة مشروعة للاحتفاء بذكرى الميلاد.
رأي المعارضين
أما المعارضون فيعتبرون أن تخصيص يوم للاحتفال بالمولد بدعة لم ترد في الكتاب ولا في السنة، ولم يفعلها الصحابة ولا الأئمة الأربعة. ويستدلون بحديث النبي ﷺ: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. ويرى هؤلاء أن الدين قد كَمُل بوفاة النبي ﷺ، وأن إضافة شعيرة جديدة تُعد تجاوزًا للحدود الشرعية. كما يخشون أن ينزلق الاحتفال إلى ممارسات منافية للشرع، مثل الغلو أو الاختلاط أو تحويل المناسبة إلى طقوس شكلية تخلو من المضمون.
بين السنة والبدعة
الجدل بين الفريقين يكشف عن فهمين مختلفين: فريق يرى أن المولد وسيلة تربوية ودعوية لتعميق محبة النبي ﷺ، وفريق آخر يرى أنه باب مفتوح للابتداع. وهنا يظهر سؤال جوهري: هل يمكن الفصل بين الاحتفال المشروع والتجاوزات المرفوضة؟ الحقيقة أن كثيرًا من العلماء توسطوا، فأجازوا الاحتفال إن كان في حدود الذكر، الصلاة على النبي ﷺ، قراءة القرآن، وتوزيع الصدقات، دون مبالغة أو ممارسات تخالف الشرع.
البعد الاجتماعي والروحي
بعيدًا عن النقاش الفقهي، فإن للمولد أثرًا اجتماعيًا وثقافيًا في المجتمعات الإسلامية. فهو مناسبة لتلاقي الناس، والتراحم بينهم، وتذكير الأجيال بسيرة النبي ﷺ. في مصر مثلًا، يرتبط المولد بحلوى المولد والعادات الشعبية، بينما في بلاد أخرى يقام عبر المحاضرات والندوات الدينية. واذا جاز لنا أن نحتفل بالمولد النبوي فهو في اطار الصلاة على النبي ودراسة سيرته العطرة والاقتداء والتأسي به في كل نواحي الحياة وليس بالحلوى أو اقامة الموالد والسرادقات التي ليس لها أصل في ديننا الحنيف
الخاتمة
المولد النبوي الشريف بين السنة والبدعة موضوع جدلي. لكن يبقى الأهم هو جوهر الرسالة: محبة النبي ﷺ واتباع سنته قولًا وعملاً. فإن احتفل المسلم بالمولد فليجعله وسيلة للذكر والطاعة، وإن تركه فليحرص على الاقتداء بسيرة النبي في كل يوم. فالحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في يوم واحد، بل في حياة كاملة تُترجم بالعمل الصالح.