هجرة الحبيب محمد رسول الله
حادثة الهجرة :
لا تغيب عن أذهان المسلمين تلك الحقبة الصّعبة التي عاشها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ومن آمن بدعوته منذ فجر البعثة النبويّة في مكّة المُكرَّمة، حيث يستذكرون دائماً حجم المعاناة التي واجهها النبيّ الكريم، وصحبُه الأوائل آنذاك، وتحتشد المواقف في ذاكرتهم وهو يستعرضون تضحيات النبيّ عليه السّلام والصّحابة الكِرام أمام ظُلم المشركين من قريش، وهم يصدّونهم عن دعوة التوحيد ويُحاربونهم بكلّ بَطش وجبروت، وتظهر أمام كلّ تلك الآلام قصص البطولة، ومشاهد التّضحية في سبيل إقامة الدِّين، ونشر الهداية في العالمين، وكتب السيرة تُخلّد ما واجهه الصحابة الكرام، من مثل بلال بن رباح، وآل ياسر، وخباب بن الأرت رضي الله عنهم، من اضطهادٍ وتعذيبٍ في تلك المرحلة الصعبةوفي كتب السيرة أيضاً كيف أذن الله -سبحانه وتعالى- للنبيّ -عليه السلام- وصحابته -رضي الله عنهم- بالهجرة من مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، في إشارة إلهيّة جليلة إلى نجاح المسلمين في ابتلاء الثبات على الحقّ، لتبدأ بعد الهجرة النبويّة مرحلة بناء دولة الإسلام؛ فيصبح الإسلام حقاً له قوّة، وديناً له دولة يقودها نبيّ الرّحمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
تعريف الهجرة النبويّة :
الهجرة النبويّة هي انتقال رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين الأوائل من ديارهم في مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، بعد اشتداد أذى مشركي قريش لرسالة الإسلام وأتباعها
أسباب الهجرة النبويّة :
لا شكّ أنّ لهجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكِرام أسباباً كثيرةً دعت إلى الانتقال من مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة، وأهمّ هذه الأسباب :-
1- اشتداد إيذاء المشركين للنبيّ عليه السّلام، والتنكيل المستمرّ بأتباع دين الإسلام؛ فكان من الحكمة البحث عن طريق للخلاص من مرحلة العذاب والاضطهاد
2- البحث عن آفاق أوسع وأكثر رحابة لنشر رسالة الإسلام، بعد أن أصرّت قريش على محاربة الله ورسوله، رغم كلّ محاولات النبيّ عليه السلام، وحرصه على نبذهم الشرك والوثنيّة
3- استعداد أهل يثرب للدخول في الإسلام، واستقبال النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وأتباعه فيها، خاصّةً أنّه كان قد وجد الطريق إلى المدينة المنورة مُمهَّداً لإقامة دولة الإسلام فيها بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث استطاع كسب عدد من الأتباع الجدد من قبيلتي الأوس والخزرج، وأرسل معهم عبد الله بن أم مكتوم، ومصعباً بن عمير رضي الله عنهما؛ لتعليم من أسلم شرائع الإسلام، والتمهيد لتقبّل هذا الدين فيما بينهم
4- قناعة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه يحمل رسالة إلهيّة عالميّة، وأنّ هذه الرسالة المُحمَّلة بالشرائع والأحكام التكليفيّة لا بدّ لها من أرض خصبة تنطلق منها إلى فضاءات أخرى، وأنّه آن الأوان للخروج بهذه الرسالة من حدود مكة المُكرَّمة التي لم تكن آنذاك مُهيَّأة بعدُ لتكون مكاناً لنشر الدعوة وتنزيل الأحكام الشرعيّة، وعلى هذا كانت الهجرة مطلباً دعويّاً فرضته طبيعة الرسالة وتشريعاتها.