تحويل القبلة - دروس وتفاصيل لا تُنسى
مقدمة
هذه المقالة تصلح أن تكون خطبة جمعة عن فضل شهر شعبان وتحويل القبلة فيه، سنتكلم فيها -بمشيئة الله تعالى- عن تحويل القبلة، وآيات تحويل القبلة، ودروس من تحويل القبلة، وأول صلاة صلاها المسلمون بعد تحويل القبلة.
تحويل القبله في النصف من شعبان
قيل أن تحويل القبله فى شهر شعبان، كان في السنة الثانية من الهجرة، وما لا تعرفه عن تحويل القبلة أن تغير القبلة لم يمُرعلى المشركين واليهود والنصارى والمنافقين مرور الكرام، بل استغلوا حادث تغيير قبلة المسلمين بدهاء ليمرروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعنا في الشريعة الإسلامية وتعمية للحقائق.
فقد قال المشركون عن النبي صلى الله عليه وسلم (كما رجع إلى قبلتنا، إذن يوشك أن يدخل فى ديننا وما رجع إليها إلا لأنها الحق)، وقال اليهود (خالف قبلة الأنبياء قبله ولو كان نبياً حقا لاستمر يصلى إلى جهة بيت المقدس)، وقال المنافقون (ما يدرى محمد أين يتجه، إذا كانت القبلة الأولى هى الصحيحة فقد تركها، وإن كانت الثانية، إذن كان يصلى على باطل).
وكُثرت أقاويل السفهاء من الناس عن تحويل القبلة إلى الكعبة، فنبه الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما سبق في قوله تعالى { سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلّٰىهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلٰى صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[ سورة البقرة : 142 ].
الدروس المستفادة من تحويل القبلة
● الدرس الأول من قصة تحويل القبلة
الامتثال لأوامر الله دون جدال هو الدرس الأول من قصة تغير القبلة، فالصحابة الكرام رضي الله عنهم ضربوا المثل الأعلى في الانقياد والتسليم المطلق لأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم في يوم تحويل القبلة، بل إن بعض المؤمنين لما علم أن تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة قد حدث وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة، فصلوا فى صلاة واحدة إلى قبلتين، ولذلك سُمى المسجد الذى حدثت فيه هذه الحادثة ب(مسجد القبلتين) في المملكة العربية السعودية.
وكانت اول صلاة بعد تغيير القبلة هي صلاة العصر كما ثبت في حديث شريف عن تحويل القبلة فى صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار ، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلّى - أول صلاة صلاها - صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت.
فكان حادث تحويل القبلة اختباراً لهم كما قال تعالى { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } (البقرة: الآية 143)، وهذه الآية توضح سبب تحويل القبلة. ولو أخذنا برواية أن تحويل القبلة في شعبان سنة 2 هجرية، فمعنى هذا أنه كان قبل غزوة بدر بشهر، وكأن الله أراد بذلك الاختبار أن يصطفى من عباده من يستعد لتلك المعركة الفاصلة بين الحق والباطل، ولما نجح الصحابة فى ذلك الإمتحان استحقوا النصر بجدارة، وقُتل معظم صناديد قريش فى تلك الغزوة بالرغم من أن عدد المسلمين آنذاك كان ثلث عدد المشركين.
●تحويل القبلة وموقف اليهود منها (تحويل القبلة دروس وعبر)
يجب أن تعلموا أيها المسلمون أن الصراع مع اليهود ليس صراع جهل وإنما صراع عداء، بمعنى أن كثير من طيبى القلوب يعتقدون أن السبب فى عدم دخول اليهود والنصارى فى الإسلام هو جهلهم به أو أنه لم يُقدم إليهم فى صورة مُتقنة، وفى الحقيقة ربما ينطبق هذا على صغارهم، لكن كبارهم من الأحبار والرهبان يعلمون من التوراة والإنجيل قبل تحريفها أن قبله المسلمين في صلاتهم هى الكعبة المشرفة كما قال تعالى {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }[ سورة البقرة : 144 ]،
وهم لا يحتاجون أى دليل أو بينة منك يا رسول الله ولكن ينقصهم التجُرد من الهوى والاستسلام للحق كما قال تعالى{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْض }[ سورة البقرة : 145 ]. إذن التاريخ يُثبت من ذكرى تحويل القبلة أن الصراع مع اليهود ليس صراع جهل وإنما صراع عداء.
● دروس وعبر من تحويل القبلة (الدرس الثالث)
كرر الله سبحانه وتعالى أمر تحويل القبلة ثلاث مرات فى سورة البقرة، ففي الآية الأولى قال سبحانه { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }[ سورة البقرة : 144 ]، وفى الآية الثانية قال عز وجل { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُۥ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[ سورة البقرة : 149 ]،
وفي الآية الثالثة والأخيرة بين الله حكمة أخرى من حادثة تحويل القبلة فقد قال تعالى { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }[ سورة البقرة : 150 ].
والحكمة من تحويل القبلة هنا فى قوله سبحانه { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }، أي شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين، فإنه لو بقي النبى صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت المقدس، لتوجهت عليه الحجة، فإن أهل الكتاب يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة هي الكعبة، والمشركون يرون أن من مفاخرهم هذا البيت العظيم، وأنه من ملة إبراهيم، وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم توجهت نحوه حججهم وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم وهو من ذريته وقد ترك استقبال قبلته؟
لكن باستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين، وانقطعت حججهم عليه، ثم قال سبحانه { إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } أي: من احتج منهم بحجة هو ظالم فيها وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم، فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، ثم قال تعالى{ فَلَا تَخْشَوْهُمْ } لأن حجتهم باطلة، والباطل كاسمه مخذول، مخذول صاحبه.
أسئلة شائعة عن تحويل القبلة
● ما هو معنى تحويل القبلة؟
هو توجّه المسلمين في صلاتهم إلى الكعبة بدلاً من المسجد الأقصى.
● متى كان تحويل القبلة؟
قيل أن تاريخ تحويل القبلة كان فى شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة.
● اين يقع مسجد تحويل القبلة؟
في المملكة العربية السعودية.
● ما هي أول صلاة صلاها المسلمون بعد تحويل القبلة؟
اول صلاة بعد تغيير القبلة هي صلاة العصر كما ثبت في صحيح البخاري من حديث تحويل القبلة.
خاتمة
كان تحويل القبلة وصرف المسلمين إلى الكعبة مما حصلت فيه فتنة كبيرة أشاعها أهل الكتاب والمنافقون والمشركون وأكثروا فيها من الكلام والشُبه، فلهذا بسطها الله تعالى وبينها أكمل بيان وأكدها بأنواع من التأكيدات التي تضمنتها تلك الآيات، منها الأمر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة، فلله الحمد على ذلك.
وإلى هنا نكون قد انتهينا من مقال اليوم لشرح حادث تحويل القبلة، والذى يساعدك على فهم أشياء لم تكن تعلمها من قبل، وقد يهمك أيضا قراءة:"فضل فلسطين وبلاد الشام في القرآن والسنة ".
وفي المقال القادم بمشيئة الله، سنشرح على هذا الموقع مقال بعنوان " شهر رمضان وأبرز فوائد الصيام " ، وإذا كان لديك أى فكرة عن أى موضوع دينى، قم بكتابته لنا فى التعليقات على الموقع، وسنقوم بعمل مقال نتحدث فيه عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.