الإنفاق في سبيل الله
يحكى أنّ أبا محمّد المهلّبي كان يعيش حياة فقر و ضيق و بؤس، فكانت تمر عليه بعض الليالي والأيّام لا يجد فيها ما يسدّ جوعه لدرجة أنّه تمنّى الموت كي يذهب من هذه الحياة القاسية القاهرة، ولمّا خرج مسافراً اشتهى لحماً فلم يجد في جعبته مالاً ليشتري فيه القليل من اللحم فراح يقول:
ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت ٌلذيذ الطعم يأتي يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبراً من بعيد وددت لو أنّني في من يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ تصدّق بالوفاة على أخيه
فسمع رجلٌ يصاحبه في السفر شكواه فهبّ و اشترى له لحماً بدرهمٍ واحد، فتقلّبت الأيّام والليالي فأصبح أبا محمّد وزيراً في الدولة البويهيّة في عهد معزّ الدولة بن بويه، فسمع بذلك صاحبه الّذي رافقه في سفره وهو أيضاً ضاقت به الدنيا وأصبح فقيراً معدماً فذهب إلى أبي محمّد فمنعه حاجب من الدخول إليه، فكتب على ورقة
ألا قلْ للوزيرِ فدَتْه نفسي ما قالَ مذكّرٌ ما قد نسيه
أتذكرُ إذ تقولُ لضيقِ عيشٍ ألا موتٌ يباعُ فأشتريه
وأعطى الورقة لحاجب ليسلّمها لأبي محمّد، فلمّا أعطاه الورقة تذكّره أبو محمّد، فأمر بمنحه سبعمئة ألف درهم، وقلب الورقة فكتب عليها:﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال تعالى في سورة البقرة﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ﴾
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ) وجاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ قال(فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، وممّا قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم(لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ، ولَا بَخِيلٌ، ولَا منَّان)
وهكذا يتبيّن لنا من القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريف مدى فضل الصدقة والإنفاق في سبيل الله، وما لها من تأثير على حياة المتصدّق في دنياه وآخرته
