تدبر القرآن مفهومه وأهميته

تدبر القرآن مفهومه وأهميته

0 المراجعات

تَدَبُّرُ اَلْقُرآن

أولًا: معنى التدبر :
*التدبر لغة: هو النظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه.
قال الزجاج” التدبر : النظر في عاقبة الشيء.
قال :" الميداني : "التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة "

وقال الجرجاني في تعريف التدبر: ” عبارة عن النظر في عواقب الأمور ، وهو قريب من التفكر ، إلا أن التفكرَ تصرفُ القلب بالنظر في الدليل ، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب “.


*معنى تدبر القرآن الاصطلاحي: 
هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه وإدارك معانيه وحكمه والمراد منه .وأن تعلم أنك مخاطَب بكلام الله تعالى، فتنتبه لأوامر القرآن ونواهيه وأنك المخاطب بها. وتتدبر ما في قصص القرآن وأمثاله من حكم وعبر.

 

ثانيًا: أهمية تدبر القرآن:

  • - قال علي رضى الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
  • وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.
  • وقال ابن مسعود رضى الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.

  • وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين:" فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُطْلِعُ الْعَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِمَا، وَعَلَى طُرُقَاتِهِمَا وَأَسْبَابِهِمَا وَغَايَاتِهِمَا وَثَمَرَاتِهِمَا، وَمَآلِ أَهْلِهِمَا، وَتَتُلُّ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ السَّعَادَةِ وَالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَتُثَبِّتُ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَتُشَيِّدُ بُنْيَانَهُ وَتُوَطِّدُ أَرْكَانَهُ، وَتُرِيهِ صُورَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَلْبِهِ، وَتُحْضِرُهُ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَتُرِيهِ أَيَّامَ اللَّهِ فِيهِمْ، وَتُبَصِّرُهُ مَوَاقِعَ الْعِبَرِ، وَتُشْهِدُهُ عَدْلَ اللَّهِ وَفَضْلَهُ، وَتُعَرِّفُهُ ذَاتَهُ، وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ، وَمَا يُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ، وَصِرَاطَهُ الْمُوصِلَ إِلَيْهِ، وَمَا لِسَالِكِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَقَوَاطِعَ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا، وَتُعَرِّفُهُ النَّفْسَ وَصِفَاتِهَا، وَمُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ وَمُصَحِّحَاتِهَا وَتُعَرِّفُهُ طَرِيقَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَأَعْمَالَهُمْ، وَأَحْوَالَهُمْ وَسِيمَاهُمْ، وَمَرَاتِبَ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَأَقْسَامَ الْخَلْقِ وَاجْتِمَاعَهُمْ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَافْتِرَاقَهُمْ فِيمَا يَفْتَرِقُونَ فِيهِ."

*من أقوال المفسرون في قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]

  • - قال الإمام البيضاوي رحمه الله " يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه ، وأصل التدبر النظر في أدبار الشيء”
  • - وقال الإمام البقاعي رحمه الله" أي يتأملون ، يقال : تدبرت الشيء – إذا تفكرت في عاقبته وآخر أمره."
  •  
  • - وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله"ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي: تصفحها وتفهمها ، وإدراك معانيها والعمل بها ، فإنه معرض عنها ، غير متدبر لها ، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهماً يقدر به على التدبر .
  •  
  • - وقال الإمام الشنقيطي أيضا في قول الله تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[ ص: 29] “قد ذكر جل وعلا ، في هذه الآية الكريمة ، أنه أنزل هذا الكتاب ، معظماً نفسه جل وعلا ، بصيغة الجمع ، وأنه كتاب مبارك وأن من حكم إنزاله ، أن يتدبر الناس آياته ، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها ، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى ، وأن يتذكر أولوا الألباب ، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة ، من شوائب الاختلال “.
  • ونقل عن الإمام الحسن البصري رحمه الله أنه قال: "إن هذا القرآن قد قرأه عَبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، لم يأتوا الأمر من قبل أوله، قال الله عز وجل: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[ص: 29]، وما تدبُّر آياته إلا بإتباعه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفًا واحدًا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نفَس، لا والله ما هؤلاء بالقراء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورعة، ومتى كانت القراءة هكذا أو يقول مثل هذا، لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء! ولقد قرأ القرآن ثلاثة نفر: فرجل قرأ القرآن فأعده بضاعة؛ يطلب به ما عند الناس من مصر إلى مصر، وقوم قرءوا القرآن فثقفوه تثقيف القِدْح، فأقاموا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به ما عند الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، وما أكثر هذا الصنف من حملة القرآن، لا كثَّر الله صنفهم! قال: ورجل قرأ القرآن، فبدأ بدواء ما يعلم من القرآن، فجعله على داء قلبه، فهملت عيناه، وسهر نومه، وتسربل الحزن، وارتدى الخشوع، فبهم يسقي الله الغيث، وينفي العدو، ويدفع البلاء، فوالله لَهذا الضرب من حملة القرآن أقل في الناس من الكبريت الأحمر".

 

ثالثًا: حقيقة التدبر وعلاماته:

قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب.

وذكر الله تعالى في كتابه الكريم آيات تصف حقيقة تدبر القرآن وعلاماته؛ ومنها:

  1. اجتماع القلب والفكر حين القراءة :

قال تعالى في سورة المائدة {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [(83) 

وقال تعالى في سورة الأنفال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [ (2)] 

وقال تعالى في سورة التوبة {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ (124)]  

 

2. البكاء من خشية الله وزيادة الخشوع والسجود تعظيما لله عز وجل .؛

قال تعالى في سورة الإسراء: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [107-109 : ] ، 

وقال تعالى في سورة الفرقان {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [(73)] 

 

3. زيادة الإيمان و الفرح والاستبشار به؛

قال تعالى في سورة القصص: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [(53)] 

 

4.القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة 

قال تعالى في سورة الزمر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}  (23) 

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : كان أصحاب النبي  إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله _أي في آية سورة الزمر_ تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم " 

 

رابًعا: الفهم الخاطئ للتدبر:

بعض الناس يعتقدون أن التدبر في آيات القرآن أمر شديد الصعوبة وأنه مقتصر على العلماء فقط، ولهذا ينصرف أكثر الناس عن التدبر في آيات الله وعن الغاية التي من أجلها أنُزل القرآن وهي تدبر معانيه  والعمل بما فيه.

ومن العلماء الذين نبهوا على هذا الفهم الخاطئ الإمام الشاطبي رحمه الله فقال :" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى"

ففهم ما جاء في القرآن من أوامر ونواهي لا يشترط له فهم  دقائق علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة...

وقال الإمام ابن هبيرة رحمه الله : " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا "

ولذلك فرق العلماء بين مفهومي  التدبر والاستنباط ؛ فقالوا أن التدبر أصل الاستنباط، فلا يمكن الاستنباط من النص قبل تدبره والتأمل في معانيه . والتدبر يعم العلماء وغيرهم ، أما الاستنباط خاص بالعلماء.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

71

متابعين

8

متابعهم

4

مقالات مشابة