لا تقف ولو سدّ طريقك جبل
لا تقف ولو سدّ طريقك جبل
لا ينفك الإنسان ينشد التغيير ويركض خلفه، ويتطلع دائما ليكون في المقدمة، ويحدوه الأمل لأن يصل لمبتغاه ويحقق رجاه، لكن الأمنيات وحدها لا تحمله لبلوغ خط النهاية، وبالتالي تبقى الأمنيات ترواح مكانها، وقارّة في مَكْمَنها، والعمر يمضي.
والسلبية أو الخمول من أكبر الآفات التي تقتل المبادرة إلى التغيير، وتجهز عليها فلا تبقي لها أثرا، ولهذا جاء التوجيه النبوي الجميل (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وهذا التوجيه صريح في سرعة المبادرة إلى التغيير في كل المجالات في البيئة والذات والواقع الاجتماعي وغيرها مهما كانت المعوقات والمثبطات، لأن المطلوب من المسلم المبادرة وليس ضمان النتيجة.
ومما ورد عن برنارد شو في هذا الأمر أنه قال: التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء.
ولا خلاف بين العقلاء في أن بدايات التغيير تنبع من الداخل من الذات، فهي رغبة تتردد في جنبات النفس وكأنها طائر في قفص ينشد الخلاص ويطلب الفكاك، وهذا مبدأ قد أكده القرآن الكريم وجعله قانونا من القوانين التي تحكم حركة المجتمع وتوجهه الوجهة الصحيحة السليمة قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (سورة الرعد، آية:11)، هذه الآية تمثل معادلة ثابتة مفادها أن التغيير من الداخل قبل الخارج، وهي سنة كونية ذكرها الله في كتابه حتى نكون على بينة، وحتى لا نبتعد عن الجادة ونتوه عن الصواب.
وتقريرنا لهذه الحيثية لا يعني أننا نهمل أسبابا أخرى لا تقل أهمية عما أسلفناه، فالبيئة مثلا لها دور كبير في التعزيز والتحفيز أو التثبيط وبث اليأس والقنوط، وهي بشكل عام سلاح ذو حدين، إما سلبا أو إيجابا، وكثير من الناس يفشل هنا ويهوي ويعود أدراجه.
فعلى مريد التغيير أن يبدأ أولا بالاستعانة بالله تعالى استجابة لقول النبي –صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزنَّ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن «لو» تفتح عمل الشيطان) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ويعقد العزم ويتوكل على الله بنية وعزم وإصرار، ولن يترك الله عبدا استعان به ورجاه.
كما ينبغي عليه أيضا أن يكون ذا همة عالية، تعانق الجوزاء، وتسمو مع العلياء، ولا تعرف التدني والسفول، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان الدينُ عند الثُّريّا، لذهب به رجلٌ من فارس، أو قال، من أبناء فارس حتَّى يتناوله). وفي هذا إشارة إلى الحرص والهمة والعالية وبذل الجهد في نيل المرغوب حتى لو كان فيما يبدو بعيدا أو محالا.
ولا ننسى –يا راغب التغيير- أن أي رغبة في حياة جديدة، لابد أن يصحبها تخطيط محكم ومنضبط، حتى لا تذهب الجهود سدى، والأعمال هباء منثورا، ويجلس الإنسان يندب حظه العاثر، فالتخطيط إحدى وسائل التغيير وأدواته المهمة التي تضبط بوصلة الحركة، وتمنع الهدر المالي والفكري والحركي، وتثمر وتحقق المطلوب.
فهلمّ هلمّ إلى التغيير الإيجابي في كل تفاصيل حياتنا، ولنجعل من الناجحين قدوات لنا، وما من مجال إلا وفيه ناجحون يقتدى بهم في تجربتهم فلنلزم غرسهم، ونحذر البطالين المثبطين فلا نعرهم اهتماما أبدا، وعلى قدر ما تبذل تجني، وما تقدم تجمع، والإنسان خبير عليم بنفسه ووسعه وطاقته.