المجهر والعين والناظور في تحليل القرآن الكريم
من أفضل ما قيل عن القرآن.. أكثر من رائعة و تعد من أجمل التحليلات الحاوية على التشبيهات الواقعية البسيطة والكبيرة بمعانيها التفصيلية التي نراها بحياتنا اليومية لكن لا نمعن النظر القلبي والعقلي بها رغم ورود بعضها بالقرآن الكريم.. وهذا التحليل لا ينتج إلا ممن أفاء الله عليه بالحكمة من مبدأ قول الحق في سورة البقرة
"{ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُولُوا الْأَلْبٰبِ }
[ سورة البقرة : 269 ]
.. نرجوا التدقيق بقراءتها جيدآ وعدم الاستعجال.. رغم طولها..لكنها تفصيلية..
بعنوان
المجهر والعين والناظور..
_** يقول أحد المحدثين.. جلست ذات يوم مع شيخ كبير ودار بيننا حديث عن المدارك وتوسعها فكنا على توافق بتفاوت مدارك الناس وكنت أبحث و إياه عن صورة تصف هذا التفاوت وخلصنا لصورة (المجهر والناظور والعين)
فقال لي: يا بُنيّ انظر في المجهر للخلية و زِد في تقريب صورته واعلم أن كل نظر يقف بصاحبه عند صورة معينة للخلية.. فهذا يرى الصورة بدرجة عمق معينة و ذاك أعمق منه وذاك أعمق منهما.. والعكس صحيح قد يبعد التعمق فيرى صورة أخرى أوسع.. وكل إنسان يريد أن يحكم الناس على وفق رؤيته..
ولهذا الاختلاف أنزل الله سبحانه الكتب وبعث بها الرسل ليجمع شتات الأهواء واختلاف المدارك وليكون هذا القرآن والسنة خارطة لرحلة الشعوب والقبائل إلى الله..
فالقرآن
ليس نظرة لوحدة معينة أو عمق لخلية معينة أو لخلية لا ترى فحسب بل هو نظرة لكل خلية ولكل عمق و تصور لكل خلية من أصغر خلية منتظمة لا ترى حتى يشمل كل خلية في هذا الوجود أو جزء منها.. خلايا نمل ونحل وخلايا حشرات وخلايا حيوانات وخلايا قبائل وخلايا شعوب وخلايا ممالك وصعوداً بالرؤية حتى تغيب مع كل اتساع الخلايا وتستبين خلايا أكبر منها كالكواكب وتهبط فتتعمق فيظهر لك ما غاب عنك منها عند الصعود بالنظر وكل هذا والخلايا في حركتها و رزقها و حياتها وأجلها مكتوب..
و أنزل الله تعالى في أحكامه سياسته بلا إفراط ولا تفريط.. فلا تتعمق في النظر فتكون أسير قيد نظرك للوحدة الصغيرة فلا ترى سوى جزء من صورة الكون فتبني عليها أحكامك ولا توسع النظر أيضآ فتغيب عنك الوحدات الصغرى منها و يورثك ذلك هلامية في النظر.. بل.. تحرك صعودآ ونزولآ لتوسع مداركك ونزولآ لتركز نظرك و تصوبه..
و اعلم
أن بعض الاحيان قد يقاس الكبير على الصغير و قد يقاس الصغير على الكبير والبعيد على القريب والقريب على البعيد..
لماذا؟؟
(لسُنّة كونية إلهية جامعة بينهما) فالخلايا كما بينها اختلاف في قوانين خاصة بكل خلية كونية للخلية نفسها إلا أن ثمة قوانين كونية أيضآ تشترك فيها مع غيرها من الخلايا و هذا النظر يا بُنيّ يحررك من قيود الصورة من جهة ويمنحك الدقة في التعبير ويمنحك سعة التصور فالأمر يا بني شبيه بالقطار و مركباته أو بقافلة الإبل المربوطة ببعضها و منفصلة عن بعضها ومتصلة بحيث تجمعها سكة واحدة وحبل واحد ونظام واحد و قيادة واحدة وهكذا كان النظام.. إلخ.
_** فهو نظام مُتّحد لكل خلايا الأقاليم العامة.. ولكنه من جهة أخرى *لا مركزي*
كيف ذلك؟
... وجود سياسة لكل خلية على حدى و إدارتها وفق خصائصها المختلفة فيها عن غيرها و هذا يتطلب ولاةً يتربون تربية دينية صالحة ولهم غاية واحدة لا غيرها هي (الآخرة) ليحقق كل واحد هدف خليته لتجتمع كل تلك الأهداف فتتحقق الأهداف العامة للمركز ولتكون لها حرية في حركة سياستها للإقليم..
...... تعالوا لنفهم ذلك من خلال هذا المثال...
- --عندما توحّد الخطبة على كل إقليم أو في إقليم معين وتوزّع على كل مساجده.. و محيط كل مسجد يختلف عن محيط المسجد الآخر.. فأنت بذلك تُفسِد ولا تُصلح؛ فهذا المسجد قد يكون محيطه مؤمن وذاك قد يكون محيطه فاسق أو ذاك قد يكون محيطه منافق وآخر محيطه كافر.. و هذا تنتشر في محيطه السرقة و ذاك الزنا و ذاك شرب الخمر.. فهذا يسبب عدم ثقة بذلك الخطيب و يجعله أضحوكة بين أهل محيطه..
و لهذا يجب أن
يُغرس
الإخلاص والمتابعة في القلب لينطلق كل إمام في إصلاح محيطه مع معرفته بواقع محيطه و كذلك القضاة يجب أن يكون لكل حي أو قبيلة قاضٍ و داعٍ قائم بالحق فيهم ينطلق من هذا الأصل
و هو..
سكة القطار و القافلة وهو الإخلاص والمتابعة و معرفة بالواقع لينظم أحكامه و مقطوراته بتلك السكة و إبلهِ(جمع إبل) بذلكم الحبل و ذلك الواقع...
_ صراحةً كلااام دقيق وعميق بمحتواه التفصيلي والإتيان بالأمثلة الصائبة ويحتاج لقراءة وتعمق وفهم رموزه لكي تتكشف لنا المعارف الكبيرة عن كتابنا الكريم وفهم وجوده لتنظيم سير الحياة كما شاء خالق ومنزل الكتاب جلا وعلا..