
قيمة الوقت في حياة المسلم
قيمة الوقت في حياة المسلم
الوقت هو رأس مال الإنسان الحقيقي، وهو الكنز الذي إن أضاعه فلن يستطيع استرجاعه مهما ندم. وقد أقسم الله تعالى بالزمن في قوله: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، تنبيهًا على مكانته وعِظم شأنه. فاللحظة التي تمضي لا تعود، والساعة التي تذهب لن تتكرر، ولذلك كان على المسلم أن يُدرك قيمة هذا النعمة العظيمة، وأن يسعى في استثمارها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.
لقد وعى السلف الصالح هذه الحقيقة، فكانوا يحرصون على أوقاتهم أشد الحرص. روي عن الحسن البصري قوله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك". وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي". هذه الكلمات المضيئة تكشف لنا نظرة السلف إلى الوقت؛ فهو حياة، ومن يضيّعه كأنما يضيّع عمره كله.
ومن النعم التي يغفل عنها كثير من الناس نعمة الفراغ، كما قال النبي ﷺ: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" [رواه البخاري]. فالإنسان قد يملك الصحة والقدرة، ومع ذلك يُهدر وقته في التوافه والملهيات، حتى يجد نفسه في يومٍ عاجزًا يتمنى لو عادت به الأيام ليستغلها في طاعة الله أو في عمل نافع.
ولعل أبرز ما يضيّع الوقت في عصرنا الحاضر هو الانشغال المفرط بوسائل التواصل الاجتماعي، واللهو الزائد الذي يسرق من المسلم ساعات طويلة بلا فائدة. بينما المسلم الواعي يدرك أن وقته أمانة، فينظّمه بين عبادة وعلم وعمل وراحة، فلا يترك مجالاً للفراغ المضر، بل يحوّل لحظات حياته كلها إلى عبادة بنية صالحة. حتى نومه وراحته وترويحه عن نفسه تكون في ميزان حسناته إن قصد بها الاستعانة على الطاعة.
والاستثمار الصحيح للوقت لا يعني ملأه بالعبادات وحدها، بل يشمل أيضًا السعي في مصالح الدنيا التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع. فطلب العلم النافع عبادة، والعمل الشريف الذي يكسب به المسلم رزقه عبادة، والبر بالوالدين وصلة الأرحام عبادة، ومساعدة المحتاج عبادة. هكذا تتحول حياة المسلم كلها إلى طاعات متواصلة إذا صاحبتها النية الصالحة.
ولكي يحافظ المسلم على وقته، ينبغي أن يضع لنفسه خطة يومية أو أهدافًا واضحة، حتى لا يضيع عمره في العشوائية. فمن الحكمة أن يبدأ يومه بورد من القرآن، وأذكار تُحيي قلبه، ثم يسعى في أعمال يومه وهو مستشعر أنه مستخلف في الأرض ومسؤول عن كل لحظة يقضيها. كما أن تقسيم اليوم بين عمل وعبادة وراحة يجعل الإنسان أكثر اتزانًا وسعادة.
ومن الوسائل العملية أيضًا أن يكتب المسلم أولوياته بوضوح: ما هو أهم عمل يجب إنجازه اليوم؟ ما الذي يمكن تأجيله؟ بهذا الترتيب يحفظ وقته من التشتت والضياع. ومن المفيد كذلك أن يربط المسلم وقته بالآخرة؛ فيتذكر دومًا أن الله سيسأله عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، كما جاء في الحديث الشريف. هذا الاستحضار يبعث في النفس دافعًا قويًا لاستثمار العمر فيما ينفع.
إن إدراك قيمة الوقت يورّث المسلم همّة عالية، فلا يرضى بالدون، ولا يقبل أن يمر يومه مثل أمس دون تقدم في علم أو عمل أو عبادة. بل يسعى أن يكون يومه خيرًا من أمسه، وغده خيرًا من يومه، مصداقًا لقول النبي ﷺ: "من استوى يومه فهو مغبون، ومن كان غده شرًّا من يومه فهو ملعون" [ورد في الأثر]. وهكذا يتحول الوقت إلى سلّم يرفعه يومًا بعد يوم نحو مراتب الرضا والنجاح.
خاتمة
الوقت هو حياة المسلم ورأس ماله الحقيقي، وما من يوم ينقضي إلا ويبتعد به خطوة عن الدنيا ويقترب من الآخرة. فمن اغتنمه في طاعة الله نجا وفاز، ومن أضاعه ندم حين لا ينفع الندم. فلنغتنم أعمارنا قبل فواتها، ولنجعل شعارنا دائمًا: "اغتنم وقتك قبل أن يُغتنم منك".