صفات اليهود كا ذكرها القرأن

صفات اليهود كا ذكرها القرأن

1 المراجعات

اقْتَرَفُوا أَعْظَمَ الآثَامِ، وَحَمَلُوا صِفَاتَ السُّوْءِ
فَاسْتَحَقُّوا غَضَبَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
إِنَّهُمْ قَوْمٌ، وَوَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ
فَذَكَرَ أَفْعَالَهُمْ وَصِفَاتَهُمْ
وَكَيْفَ كَانَتْ نِهَايَتُهُمْ عِبْرَةً لِكُلِّ مُعْتَبِرٍ
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا

فَيَا تَرَى، مَنْ هُمْ؟
وَمَا الَّذِي فَعَلُوهُ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا هَذَا الْغَضَبَ الإِلَهِيَّ؟
وَلِمَاذَا كَانَتْ قِصَّتُهُمْ مِنْ أَطْوَلِ القِصَصِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ؟
مَا السِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ؟
هَلْ لِأَنَّ صِفَاتَهُمْ تَتَكَرَّرُ عَبْرَ العُصُورِ؟
أَمْ أَنَّ خَطَرَهُمْ عَظِيمٌ لا يُسْتَهَانُ بِهِ؟
وَمَا الَّذِي اقْتَرَفُوهُ… حَتَّى أَصْبَحُوا نَمُوذَجًا لِلتَّحْذِيرِ لا لِلِاقْتِدَاءِ؟
وَمَا هِيَ تَجْرِبَتُهُمْ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ؟
كَيْفَ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُمْ لِرُسُلِ اللَّهِ؟
هَلْ كَانُوا أَنْصَارًا لِلْحَقِّ… أَمْ خُصُومًا لِلْهُدَى؟
**
أ
إِنَّ مَوْقِفَ القُرْآنِ الكَرِيمِ كانَ دَائِمًا فِي تَضَادٍّ وَاضِحٍ
مَعَ مَوَاقِفِ المُغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
فَهَلْ تَسَاءَلْتَ يَوْمًا: لِمَاذَا؟
وَلِمَاذَا يُكَرِّرُ القُرْآنُ الكَرِيمُ التَّحْذِيرَ مِنْ أَنْ يَسْلُكَ المُسْلِمُونَ سُلُوكَهُمْ؟
فَإِذَا تَمَعَّنَا النَّظَرَ، وَتَدَبَّرْنَا بِعُمْقٍ
فِي كُلِّ المُؤَاخَذَاتِ الَّتِي وَجَّهَهَا القُرْآنُ لِلْمُغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَجَدْنَا فِكْرَةً مَحْوَرِيَّةً تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ
وَهِيَ الرُّؤْيَةُ المَادِّيَّةُ البَحْتَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ
نَعَمْ، عَزِيزِي المُشَاهِدِ، فِي كُلِّ شَيْءٍ
نَظْرَتُهُمْ لِلْإِيمَانِ
وَتَعَامُلُهُمْ مَعَ الرِّسَالَةِ
وَفَهْمُهُمْ لِلْأَخْلَاقِ
وَعَلَاقَتُهُمْ بِالمَالِ
كُلُّ تِلْكَ المَفَاهِيمِ خَضَعَتْ فِي أَذْهَانِهِمْ لِمِعْيَارٍ وَاحِدٍ
المَنَفْعَةُ المَادِّيَّةُ... وَالمَصْلَحَةُ الذَّاتِيَّةُ
فَمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، قَبِلُوهُ... وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا
وَمَا خَالَفَ مَصَالِحَهُمْ، رَفَضُوهُ... وَلَوْ كَانَ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

وَهُنَا، لَا بُدَّ مِنَ التَّوَقُّفِ عِنْدَ بَعْضِ النَّمَاذِجِ الَّتِي عَرَضَهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ
عَلَّنَا نَنْجُو مِنْ مَصِيرِهِمْ... وَلَا نَتَشَبَّهَ بِهِمْ؟

**
الصِّفَةُ الأُولَى: قَسَاوَةُ القُلُوبِ

حِينَ نَتَأَمَّلُ فِي قِصَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مَعَ إِخْوَتِهِ
نَجِدُ فِي ثَنَايَا الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ إِشَارَاتٍ جَلِيَّةٍ إِلَى فَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ
لَقَدْ حَسَدُوا يُوسُفَ عَلَى مَحَبَّةِ أَبِيهِمْ لَهُ
بَلْ تَجَاوَزُوا حُدُودَ الحَسَدِ إِلَى نِيَّةِ القَتْلِ
نَعَمْ... أَرَادُوا قَتْلَهُ
فَهَلْ تَتَخَيَّلُ أَنْ يُقْدِمَ الأَخُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ؟
لَا لِشَيْءٍ... إِلَّا لِأَنَّ أَبَاهُ يُحِبُّهُ؟

**
لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، طِفْلًا صَغِيرًا بَرِيئًا
وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَشْفَعْ لَهُ طُفُولَتُهُ
بَلِ اجْتَمَعُوا يَتَشَاوَرُونَ
هَلْ يَقْتُلُونَهُ صَرَاحَةً؟
أَمْ يُلْقُونَهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ؟
وَفِي النِّهَايَةِ...
قَرَّرُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ مُوحِشَةٍ،
لِيُفَارِقَ الحَيَاةَ رَوِيدًا رَوِيدًا، بَعِيدًا عَنْ عُيُونِ البَشَرِ
كُلُّ ذَلِكَ... لِيَخْلُوا لَهُمْ وَجْهُ أَبِيهِمْ
فَأَيُّ قَسَاوَةٍ هَذِهِ؟
وَأَيُّ قَلْبٍ هَذَا الَّذِي لَا يَلِينُ؟

**
فَلَا تَسْتَغْرِبْ مِنْ أَحْفَادِهِمْ الَّذِينَ نَرَاهُمْ اليَوْمَ...
فَاللَّهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وَصَفَهُمْ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ
بِأَشَدِّ الأَوْصَافِ
قَالَ تَعَالَى:
«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً»
فَالْحِجَارَةُ، عَلَى صَلَابَتِهَا، تَتَفَجَّرُ مِنْهَا الأَنْهَارُ
أَمَّا قُلُوبُهُمْ... فَجَدْبَاءُ يَابِسَةٌ، لَا تَفِيضُ بِخَيْرٍ

**
هَؤُلَاءِ الإِخْوَةُ الأَحَدَ عَشَرَ
مِنْ أَبْنَاءِ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
الَّذِي هُوَ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ إِسْحَاقَ،
وَابْنُ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَتَّهِمُونَ أَبَاهُمْ – وَهُوَ نَبِيٌّ مِنْ أَنبِيَاءِ اللَّهِ –
بِأَنَّهُ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
فَهَلْ سَمِعْتَ يَوْمًا بِمَنْ يَطْعَنُ فِي أَبِيهِ؟
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هَذَا الأَبُ نَبِيًّا؟
بَلْ وَنَبِيًّا مِنْ نَسْلِ الأَنْبِيَاءِ؟
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِهَذَا الطَّعْنِ وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنْ وَالِدِهِمْ
بَلْ وَاجَهُوهُ بِهِ وَقَالُوا:
{تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ القَدِيمِ}
يَالَهَا مِنْ كَلِمَةٍ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا اسْتِخْفَافًا، وَكِبْرًا، وَقَسَاوَةَ قَلْبٍ لَا حُدُودَ لَهَا

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: الكِذْبُ وَتَزْيِيفُ الحَقَائِقِ

فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَتَجَلَّى لَنَا مَلْمَحٌ خَطِيرٌ مِنْ مَلَامِحِ انْحِرَافِ إِخْوَتِهِ
فَلِنَتَأَمَّلِ المَشْهَدَ
أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا أَخَاهُمْ الصَّغِيرَ مَعَهُمْ
وَكَانَتْ نِيَّتُهُمْ الخَفِيَّةُ... أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْهُ
فَجَاءُوا إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَتَوَدَّدُونَ وَيُظْهِرُونَ المَحَبَّةَ الكَاذِبَةَ، وَقَالُوا:
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْقُوبُ – وَقَدْ أَحَسَّ فِي قَلْبِهِ نَذِيرَ الخَطَرِ –
{إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}

وَلَكِنَّهُمْ طَمْأَنُوهُ... وَوَعَدُوهُ بِالحِمَايَةِ وَالرِّعَايَةِ
لَكِنَّهُمْ غَدَرُوا
فَلَمَّا نَفَّذُوا مَا دَبَّرُوهُ فِي الظَّلَامِ،
لَجَأُوا إِلَى السِّلَاحِ الأَخْطَرِ... الكِذْبِ وَتَزْيِيفِ الحَقَائِقِ
فَعَادُوا إِلَى أَبِيهِمْ وَهُمْ يَبْكُونَ،
وَادَّعُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَابَقُونَ،
وَأَنَّ يُوسُفَ بَقِيَ عِنْدَ المَتَاعِ، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ

**
ثُمَّ جَاءُوا بِبُرْهَانٍ كَاذِبٍ،
أَحْضَرُوا قَمِيصَ يُوسُفَ...
لَا مُمَزَّقًا، بَلْ مَلْطَخًا بِدَمٍ ادَّعَوْا أَنَّهُ دَمُهُ
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}
فَاسْتَغْرَبَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَفَطَّنَ لِلْخَدِيعَةِ
كَيْفَ أَكَلَ الذِّئْبُ يُوسُفَ... دُونَ أَنْ يُمَزِّقَ قَمِيصَهُ؟
أَيُّ ذِئْبٍ هَذَا؟

فَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّ القِصَّةَ مُخْتَلَقَةٌ،
وَأَنَّ الكِذْبَ قَدْ سَكَنَ قُلُوبَهُمْ،
فَقَالَ لَهُمْ:
{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا}

**
بَلْ الأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ
أَنَّهُمْ لَمْ يَشْعُرُوا بِالنَّدَمِ
لَمْ يُظْهِرُوا أَيَّ تَأْنِيبٍ ضَمِيرٍ أَوِ إحْسَاسٍ بِالجَرِيمَةِ،
بَلِ اسْتَمَرُّوا فِي تَشْوِيهِ صُورَةِ يُوسُفَ بَعْدَ غِيَابِهِ،
وَوَصَفُوهُ بِالسَّارِقِ
بَلْ وَاتَّهَمُوا أَخَاهُ الأَصْغَرَ بِنَفْسِ الصِّفَةِ، فَقَالُوا:
{إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
يَا لِلْهَوْلِ!
يُوسُفُ النَّبِيُّ... يُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ!؟
وَأَخُوهُ يُلْحَقُ بِهِ الاِتِّهَامُ ظُلْمًا وَزُورًا!؟
وَهَكَذَا... اسْتَمَرَّتْ سِلْسِلَةُ الأَكَاذِيبِ
جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ
حَتَّى نَزَلُوا مِصْرَ
وَجَعَلَهُم يُوسُفُ – بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ – مِنْ أَهْلِهَا

رَغْمَ مَا لَاقُوهُ مِنَ الذِّلِّ وَالمَهَانَةِ،
رَغْمَ السُّخْرَةِ وَالاِسْتِعْبَادِ،
وَرَغْمَ مَا أُحِيطُوا بِهِ مِنَ البَلَاءِ وَالعَذَابِ،
لَمْ يَرْتَدِعُوا، وَلَمْ يَتَغَيَّرُوا
بَلْ ظَلَّتِ النُّفُوسُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
حُبٌّ لِلْفِتْنَةِ، وَلَعٌ بِالمُشَاجَرَاتِ
وَمَيْلٌ دَائِمٌ لِافْتِعَالِ الأَزْمَاتِ

**
وَقَدْ سَاقَ اللَّهُ لَنَا فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ نَمُوذَجًا حَيًّا مِنْ ذَلِكَ
فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
حِينَ اسْتَنْصَرَهُ أَحَدُ بَنِي قَوْمِهِ عَلَى قُبْطِيٍّ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
فَأَنْقَذَهُ مُوسَى مِنْ يَدِ الظَّالِمِ
لَكِنَّهُ – بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ – عَادَ إِلَى الخُصُومَةِ،
يُقَاتِلُ وَيُشَاجِرُ، ثُمَّ يَطْلُبُ النَّجْدَةَ مِنْ جَدِيدٍ
عِنْدَهَا أَدْرَكَ مُوسَى الحَقِيقَةَ، وَقَالَ لَهُ:
{إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}
أَي: إِنَّكَ كَثِيرُ الجِدَالِ، كَثِيرُ الخِصَامِ
تَسْعَى فِي الفِتْنَةِ، وَتُحَرِّكُ الخِلَافَاتِ

**
وَهُنَا تَتَجَلَّى الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: طَبْعٌ مَائِلٌ لِافْتِعَالِ المَشَاكِلِ
وَالْعَيْشُ فِي دَائِرَةٍ مِنَ النِّزَاعَاتِ الَّتِي لَا تَنْتَهِي

وَهَكَذَا
ظَلُّوا عَلَى دَأْبِهِمْ
خِصَامٌ، فِتْنَةٌ، جِدَالٌ، وَسُوءُ ظَنٍّ بِالْأَنْبِيَاءِ،
فَهَلْ نَسْتَغْرِبُ إِنْ رَأَيْنَاهُمْ لَا يَعِيشُونَ إِلَّا عَلَى فِتْنَةٍ
وَلَا يَتَحَرَّكُونَ إِلَّا فِي ظِلِّ نِزَاعٍ...
وَلَا يَرْتَاحُونَ إِلَّا إِذَا أَشْعَلُوا نَارَ الخِلافِ؟
************
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: فَسَادُ المَسْلَكِ

أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الغَرَقِ،
وَأَغْرَقَ أَمَامَ أَعْيُنِهِم طَاغِيَةً جَبَّارًا هُوَ فِرْعَوْنُ،
شَقَّ لَهُمُ البَحْرَ مُعْجِزَةً خَارِقَةً،
وَجَعَلَ لَهُمْ وَسْطَ المَوْجِ طَرِيقًا يَابِسًا آمِنًا!
فَهَلْ بَعْدَ هذَا الكُلِّ يَبْقَى فِي قُلُوبِهِم شَكٌّ؟
هَلْ مِن قَوْمٍ رَأَوْا البَحْرَ يَنْفَلِقُ بِأَمْرِ اللَّهِ
ثُمَّ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا كُفْرًا؟!

نَعَمْ… هَؤُلَاءِ هُمْ!
فَرَغْمَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بَيْنَهُمْ،
يَدْعُوهُم إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ،
وَرَغْمَ أَنَّ اللَّهَ أَرَاهُم تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ…
لَكِنَّ القُلُوبَ الَّتِي عَاشَتْ عَلَى الشِّرْكِ…
سَرْعَانَ مَا عَادَتْ إِلَى مَا اعْتَادَتْ عَلَيْهِ!

فَمَا إِنْ جَفَّتْ أَقْدَامُهُمْ مِنْ مَاءِ البَحْرِ،
حَتَّى رَأَوْا قَوْمًا يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ،
فَقَالُوا لِمُوسَى، دُونَ حَيَاءِ وَلا خَجَلٍ:
{يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}

أَيُعْقَلُ هذَا؟!
قَوْمٌ شَهِدُوا بِأَعْيُنِهِمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ،
ثُمَّ يَعُودُونَ يَطْلُبُونَ صَنَمًا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟!

هُنَا عَلِمَ مُوسَى أَنَّهُم لَمْ يُطَهِّرُوا قُلُوبَهُمْ مِنْ رِجْسِ الوَثَنِيَّةِ،
وَأَنَّ فِطْرَتَهُمْ مَا زَالَتْ مَشُوبَةً بِالضَّلَالِ وَالانْحِرَافِ،
فَذَكَّرَهُم بِاللَّهِ، وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ عَلَى العَالَمِينَ.

ثُمَّ مَضَى مُوسَى لِمَوْعِدِ رَبِّهِ،
وَخَلَّفَ أَخَاهُ هَارُونَ لِيَرْعَى أَمْرَهُمْ.

لَكِنْ…
مَا كَادَ يَغِيبُ عَنْهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً،
حَتَّى وَقَعَتِ الفَاجِعَةُ الكُبْرَى!

أَغْوَاهُمُ السَّامِرِيُّ…
وَأَخَذَ مِنْ زِينَتِهِم ذَهَبًا صَاغَ مِنْهُ عِجْلًا لَهُ خِوَارٌ،
فَقَالَ لَهُمْ: “هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى”!
فَأَخَذُوا يَعْبُدُونَهُ،
سَجَدُوا لَهُ، طَافُوا حَوْلَهُ،
رَجَوْا مِنْهُ النَّفْعَ وَدَعَوْهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ،
وَكُلُّ هذَا… بَعْدَ النَّجَاةِ، وَبَعْدَ المُعْجِزَةِ، وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ!

نَهَى هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ،
وَحَذَّرَهُمْ،
وَلَكِنَّهُمْ هَدَّدُوهُ، وَكَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ،
فَظَلَّ صَابِرًا حَتَّى يَعُودَ مُوسَى.

وَعِنْدَمَا عَادَ مُوسَى، رَأَى مَا لَمْ يَكُنْ يَتَصَوَّرُهُ:
قَوْمٌ ضَلُّوا، وَأَشْرَكُوا، وَعَبَدُوا العِجْلَ،
فَغَضِبَ، وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ.
وَأَخْبَرَهُ هَارُونُ أَنَّهُ خَشِيَ الفِتْنَةَ، وَأَنَّهُ حَاوَلَ،
لَكِنَّ القُلُوبَ الَّتِي فَسَدَتْ… لَمْ تَسْتَجِبْ لِصَوْتِ الحَقِّ.

الصِّفَةُ الخامِسَةُ: التَّكْذِيبُ وَالعِنَادُ

أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ المُعْجِزَاتِ وَاحِدَةً تِلْوَ الأُخْرَى… ثُمَّ لَا يُؤْمِنُونَ؟
أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الغَرَقِ، وَأَرَاهُمُ البَحْرَ يَنْفَلِقُ بِأَمْرِهِ… ثُمَّ يُكْذِبُونَ؟!

إِنَّهُمْ قَوْمٌ تَغَلَّبَتْ عَلَيْهِم صِفَاتُ الشَّرِّ وَالضَّلَالِ،
مَا خَضَعُوا لِبُرْهَانٍ، وَلَا اسْتَجَابُوا لِنِدَاءِ حَقٍّ،
وَلَا آمَنُوا وَلَوْ رَأَوْا الجَبَلَ يَهْتَزُّ مِنْ هَيْبَةِ اللَّهِ.

لَقَدْ أَجْهَدُوا نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَأَتْعَبُوهُ فِي دَعْوَتِهِمْ،
حَتَّى إِنَّهُ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا، مِنْ خِيَارِهِم وَصَفْوَتِهِم،
لِيَحْضُرُوا مِيقَاتَ رَبِّهِمْ.
فَهَلْ كَانُوا عِنْدَ حُسْنِ الظَّنِّ؟
كَلَّا، بَلْ قَالُوا لَهُ:
{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً!}
أَيُعْقَلُ؟ يُرِيدُونَ رُؤْيَةَ اللَّهِ بِأَعْيُنِهِمْ… لَا تَصْدِيقًا.
أَيُطْلَبُ هذَا مِنَ اللَّهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؟

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا جَمِيعًا،
ثُمَّ أَعَادَهُمُ اللَّهُ إِلَى الحَيَاةِ… لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ،
لَكِنْ هَيَّهَاتَ، وَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ…
فَفِي عَصْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ أَعَادُوا الكَرَّةَ،
فَقَالُوا لَهُ:
"لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ نَقْرَأَهُ."
فَقَالَ اللَّهُ لَهُ:
{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ}.

إِنَّهُ تَكْذِيبٌ مُتَأَصِّلٌ، وَعِنَادٌ عَجِيبٌ،
لَا يَنْكَسِرُ أَمَامَ المُعْجِزَاتِ، وَلَا تَلِينُ لَهُ قُلُوبٌ مَهْمَا تَعَدَّدَتِ البُرْهَانَاتُ.

الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: نِكْرَانُ الحَقِّ

هَلِ انْتَهَى الأَمْرُ؟ هَلْ آمَنُوا بَعْدَ أَنْ أَحْيَوْا مِنْ مَوْتِهِمْ؟
بَعْدَ أَنْ رَأَوْا الصَّاعِقَةَ، وَالبَحْرَ، وَالعَصَا، وَالطُّوفَانَ… كَلَّا!
فَهَا هُوَ اللَّهُ يُجْرِي لَهُمْ آيَةً أُخْرَى،
آيَةً عَظِيمَةً تُهِزُّ الجِبَالَ وَالقُلُوبَ، فَهَلْ اهْتَزَّتْ قُلُوبُهُمْ؟!
لَقَدْ نَقَّتِ اللَّهُ الجَبَلَ، وَاقْتَلَعَهُ مِنَ الأَرْضِ،
وَرَفَعَهُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ كَأَنَّهُ ظِلٌّ يُخَيَّمُ عَلَيْهِمْ،
وَظَنُّوا أَنَّهُ سَيَقَعُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فِي أَيَّةِ لَحْظَةٍ!

فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى:
“خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ!”

فَمَاذَا كَانَ جَوَابُهُمْ؟
هَلْ بَكَوْا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؟ هَلْ خَرُّوا سُجَّدًا؟ هَلْ تَابُوا وَأَنَابُوا؟
كَلَّا، فَهُنَا تَتَجَلَّى الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: نِكْرَانُ الحَقِّ.
فَقَالُوا بِكُلِّ وَقَاحَةٍ: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}.
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! أَهَذَا رَدُّ قَوْمٍ كَادَ الجَبَلُ يَسْحَقُهُمْ؟
أَهَذَا جَوَابُ مَنْ رَأَى المَوْتَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الحَيَاةِ؟
إِنَّهَا قُلُوبٌ لَا تَخْشَعُ، وَأَرْوَاحٌ لَا تَهْتَدِي.
أَيُّ مُعْجِزَةٍ تُقْنِعُهُمْ؟ وَأَيُّ دَلِيلٍ يَهْدِيهِمْ؟ وَأَيُّ نَبِيٍّ يُرْضِيهِمْ؟

قَالَ تَعَالَى:
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ}.
لَقَدْ بَلَغُوا مِنَ العِنَادِ مَبْلَغًا لَا يُطَاقُ،
وَمِنْ نِكْرَانِ الحَقِّ مَا لَا يُصَدَّقُ،
حَتَّى أَصْبَحَتِ المُعْجِزَاتُ لَا تُغَيِّرُ فِيهِمْ شَيْئًا.

الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: الجِدَالُ وَالمُمَاطَلَةُ

تُرَى… لِمَاذَا سَمَّى اللَّهُ أَطْوَلَ سُورَةٍ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ بِـ“سُورَةِ البَقَرَةِ”؟
أَلَيْسَتْ هُنَاكَ سُورٌ تَتَحَدَّثُ عَنِ التَّوْحِيدِ؟ وَسُورٌ تَفِيضُ بِالمَوَاعِظِ؟ وَسُورٌ نُزِلَتْ فِي مَوَاقِفَ حَاسِمَةٍ؟
فَلِمَاذَا البَقَرَةُ؟ وَلِمَاذَا هَذِهِ القِصَّةُ تَحْدِيدًا؟

إِنَّهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قِصَّةٍ عَنْ بَقَرَةٍ تُذْبَحُ،
بَلْ هِيَ قِصَّةُ عَقْلٍ عَنِيدٍ يُجَادِلُ… وَقَلْبٍ مُمَاطِلٍ يُسَوِّفُ.
فَمَا الَّذِي حَدَثَ؟

وَقَعَتْ جَرِيمَةُ قَتْلٍ غَامِضَةٍ فِي قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
قُتِلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ الفَاعِلُ،
فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّهِمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَكْشِفَ لَهُمْ القَاتِلَ.
فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى، بِكُلِّ وَضَوحٍ: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً.”
فَهَلْ سَارَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ؟ هَلْ ذَهَبُوا مُبَاشَرَةً إِلَى أَقْرَبِ بَقَرَةٍ وَذَبَحُوهَا امْتِثَالًا؟
كَلَّا! بَلْ قَالُوا لِمُوسَى سَاخِرِينَ: “أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا؟!”
أَهَذَا أُسْلُوبٌ مِنْ يَطْلُبُ كَشْفَ الحَقِيقَةِ؟ أَهَكَذَا يَتَعَامَلُونَ مَعَ نَبِيٍّ يُوحَى إِلَيْهِ مِن رَبِّ السَّمَاوَاتِ؟

فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُسْتَنْكِرًا سُخْرِيَّتَهُمْ: “أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ.”

لَكِنَّهُمْ، كَالْعَادَةِ، لَمْ يَمْتَثِلُوا فَوْرًا،
بَلْ بَدَأُوا رِحْلَةً مِنَ الجِدَالِ العَقِيمِ، وَالمُمَاطَلَةِ المُسْتَفِزَّةِ:

سَأَلُوا عَنْ لَوْنِهَا…

ثُمَّ عَنْ عُمْرِهَا…

ثُمَّ عَنْ شَكْلِهَا…

ثُمَّ عَنْ عَمَلِهَا…

حَتَّى صَعَّبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الأَمْرَ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ.
وَفِي النِّهَايَةِ، وَبَعْدَ بَحْثٍ طَوِيلٍ،
وَجَدُوا بَقَرَةً تَنطَبِقُ عَلَيْهَا الصِّفَاتُ عِنْدَ امْرَأَةٍ فِي القَرْيَةِ،
فَاشْتَرَوْهَا بِثَمَنٍ بَاهِظٍ جِدًّا!
ثُمَّ… ذَبَحُوهَا، وَضَرَبُوا بِجُزْءٍ مِنْهَا القَتِيلَ،
فَأَحْيَاهُ اللَّهُ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ، وَتَحَدَّثَ القَتِيلُ بِنَفْسِهِ، وَكَشَفَ عَنْ قَاتِلِهِ… ثُمَّ مَاتَ ثَانِيَةً.

المُعْجِزَةُ وَقَعَتْ… وَالقَاتِلُ عُرِفَ…
لَكِنْ هَلْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الشَّاهِدُ الأَهَمُّ فِي القِصَّةِ؟
كَلَّا!
الشَّاهِدُ الحَقِيقِيُّ أَنَّ المُغْضُوبَ عَلَيْهِمْ لَمْ يُبَادِرُوا إِلَى طَاعَةِ أَمْرِ اللَّهِ،
وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا بِقُلُوبٍ مُنْقَنِدَةٍ،
بَلْ ظَلُّوا يُمَمَاطِلُونَ، وَيُجَادِلُونَ، وَيَتَحَايلُونَ.
وهَذَا طَبْعُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي الإِيمَانِ، وَفِي المُعْجِزَاتِ، وَفِي الوَحْيِ، وَفِي تَعَامُلِهِم مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ.

****
الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: الِاحْتِيَالُ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ

تُرَى هَلْ يَمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْدَعَ اللَّهَ؟
هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْفِيَ نَوَايَاهُ خَلْفَ أَقْنِعَةٍ ظَاهِرُهَا الطَّاعَةُ وَبَاطِنُهَا الْمَعْصِيَةُ؟
لَقَدْ قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قِصَّةَ قَوْمٍ لَمْ يُوَاجِهُوا النَّهْيَ الإِلَهِيَّ بِالْكَفْرِ الصَّرِيحِ،
بَلْ واجَهُوهُ بِمَا هُوَ أَخْطَرُ: التَّحَايُّلُ عَلَيْهِ!
إِنَّهَا قِصَّةُ «أَصْحَابِ السَّبْتِ»

قَوْمٌ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِحُكْمٍ وَاضِحٍ جَلِيٍّ: «لَا صَيْدَ يَوْمَ السَّبْتِ»

اخْتِبَارٌ بَسِيطٌ فِي مَظْهَرِهِ، عَظِيمٌ فِي جَوْهَرِهِ،
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَصْبِرُوا.
كَانَتِ الأَسْمَاكُ، بِأَمْرِ اللَّهِ،
تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَطْ،
تَمْلَأُ الشَّاطِئَ، تَتَزَاحَمُ قُرْبَ الْمَاءِ،
كَأَنَّهَا تَقُولُ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ ذَا، اقْتَرِبُوا إِنِ اسْتَطَعْتُمْ».
وَفِي بَاقِي الأَيَّامِ؟
غَابَتْ… اخْتَفَتْ… كَأَنَّ الْبَحْرَ قَدْ جَفَّ مِنَ الرِّزْقِ.

فَمَاذَا فَعَلُوا؟
هَلْ أَطَاعُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَرَضُوا بِمَا كُتِبَ؟
أَمْ تَمَرَّدُوا؟
بَلْ فَعَلُوا مَا هُوَ أَدْهَى.

بَدَأَتْ خُطَّةُ التَّحَايُلِ الشَّيْطَانِيِّ:
فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ السَّبْتَ،
كَانُوا يَنصِبُونَ شِبَاكَهُمْ عَلَى الشَّاطِئِ،
فَتَأْتِي الأَسْمَاكُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَتَقَعُ فِيهَا.
وَفِي يَوْمِ الأَحَدِ، يَأْتُونَ بِكُلِّ هُدُوءٍ، وَيَسْحَبُونَ الشِّبَاكَ،
وَيَقُولُونَ: «لَمْ نَصُدْ يَوْمَ السَّبْتِ، نَحْنُ فَقَطْ جَمَعْنَا مَا عَلِقَ بِالشِّبَاكِ».

ظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ يُخْدَعُ بِهَذِهِ الحِيَلِ،
نَسُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى الشِّبَاكِ،
بَلْ يَنْظُرُ إِلَى القُلُوبِ وَالنِّيَّاتِ.
فَهَلْ سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟
كَلَّا!
لَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ،
فَحَذَّرُوهُمْ، وَنَصَحُوهُمْ،
لَكِنَّهُمْ أَصَرُّوا… وَاسْتَكْبَرُوا… وَمَضَوْا فِي مَكْرِهِمْ،
فَكَانَتِ العَاقِبَةُ شَدِيدَةً، مُذْهِلَةً!
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ:
﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾
– سُورَةُ الأعْرَافِ، آيَةُ 166.
نَعَمْ… لَقَدْ مَسَخَهُمْ اللَّهُ قِرَدَةً،
مَسْخًا فِي الظَّاهِرِ، وَمَسْخًا فِي القَلْبِ وَالرُّوحِ،
لِيَكُونُوا عِبْرَةً لِكُلِّ مَنْ يُفَكِّرُ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى دِينِ اللَّهِ.

وَهَا هِيَ الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ:
الجُرْأَةُ عَلَى اللَّهِ وَسُوْءُ الأَدَبِ مَعَهُ سُبْحَانَهُ.
أَيُّ وَقَاحَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَجَرَّأَ العَبْدُ الضَّعِيفُ عَلَى رَبِّهِ؟
أَيُّ قَلْبٍ ذَاكَ الَّذِي يَنطِقُ بِالْكَفْرِ وَالوَقَاحَةِ فِي حَقِّ مَنْ خَلَقَهُ، وَرَزَقَهُ، وَيَمْتَلِكُ نَفَسَهُ وَلَحْظَتَهُ؟

لَقَدْ بَلَغَ الضَّلَالُ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ أَنْ تَطَاوَلُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا مَا لَا يَجْرُؤُ عَلَيْهِ فَاجِرٌ!

❖ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ بَخِيلٌ!
❖ وَقَالُوا إِنَّهُ فَقِيرٌ وَهُمْ الأَغْنِيَاءُ – تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا –

هَلْ سَمِعْتَ جُرْأَةً كَهَذِهِ؟
أَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُنْزِلُ الغَيْثَ، وَيَقْسِمُ الأَرْزَاقَ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ؟
أَلَا يَخَافُونَ مِنْ عَذَابِهِ؟
أَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ كَرَمِهِ وَعَطَائِهِ؟
بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ…
فَقَالُوا إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا،
وَجَعَلُوا عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ!
ثُمَّ أَشْرَكُوا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ،
فَعَبَدُوا العِجْلَ، وَرَكَعُوا لِلأَصْنَامِ،
رَغْمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الآيَاتِ، وَسَمِعُوا التَّوْرَاةَ، وَعَاشُوا فِي حِضْرَةِ نَبِيٍّ مِنْ أُولِي العَزْمِ،
فَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ الجُرْأَةِ وَالوَقَاحَةِ، يُمْكِنُ أَنْ يُؤْتَمَنُوا عَلَى البَشَرِ؟

**

لَقَدْ فَضَحَهُمْ القُرْآنُ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ خَانُوا مَا أُوكِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ وَحْيٍ وَعِلْمٍ.
فَقَالَ اللَّهُ فِي وَصْفِهِمْ:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾
– سُورَةُ الجُمُعَةِ، آيَةُ 5.

أَيُّ تَشْبِيهٍ هذَا؟
إِنَّهُ تَشْبِيهٌ يُزَلْزِلُ القُلُوبَ:
حِمَارٌ يَحْمِلُ فَوْقَ ظَهْرِهِ كُتُبًا عَظِيمَةً،
لَكِنَّهُ لَا يَعِي مَا فِيهَا،
لَا يُدْرِكُ مَا تَحْمِلُهُ مِنْ نُورٍ وَهُدًى،
تَمَامًا مِثْلَ مَنْ أُعْطِيَ التَّوْرَاةَ، ثُمَّ أَهْمَلَهَا، وَضَيَّعَهَا، وَخَانَهَا.

وَفِي النِّهَايَةِ الصِّفَةُ العَاشِرَةُ: قَتْلُ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ

هَلْ تَتَخَيَّلُ أَنَّ هُنَاكَ قَوْمًا لَمْ يَكْتَفُوا بِتَكْذِيبِ الأَنبِيَاءِ،
وَلَا فَقَطِ الاِسْتِهْزَاءِ بِهِمْ؟
بَلْ مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ بِالقَتْلِ إِلَى أَطْهَرِ خَلْقِ اللَّهِ؟

نَعَمْ… إِنَّهُمْ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ.
أَيُّ قَلْبٍ هذَا الَّذِي يَقْتُلُ مَنْ جَاءَهُ بِالنُّورِ وَالرَّحْمَةِ؟
أَيُّ ضَلَالٍ هذَا الَّذِي يُطْفِئُ صَوْتَ السَّمَاءِ بِالسَّيْفِ؟
أَيُّ جُرْأَةٍ تِلْكَ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَقْتُلَ مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْكَ لِيُخْرِجَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ؟

🔴 يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:
﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾
– آلِ عِمْرَانَ: 112
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا:
﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾
– البَقَرَةُ: 87

🔸 قَتَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ زَكَرِيَّا،
🔸 وَنَشَرُوا نَبِيَّ اللَّهِ يَحْيَى بِالْمَنَاشِيرِ،
🔸 وَحَاوَلُوا قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَلَبَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ نَجَّاهُ.

**

إِنَّ أُمَّةً تَقْتُلُ أَنبِيَاءَهَا،
لَن تَتَوَرَّعَ عَنْ خِيَانَةِ العُهُودِ، وَالاِعْتِدَاءِ عَلَى الأَبْرِيَاءِ، وَنَشْرِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ.
فَهَلْ بَعْدَ كُلِّ هذَا، نَثِقُ بِقَوْمٍ هَذَا تَارِيخُهُمْ؟

أَلَا فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ،
فَمَا هَذِهِ القِصَصُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَبَثًا،
بَلْ عِبْرَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ،
وَآيَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

2

متابعهم

1

مقالات مشابة