
قصه حياه الشيخ الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي: إمام الدعاة في العصر الحديث

نبذة مختصرة
الشيخ محمد متولي الشعراوي (15 أبريل 1911 – 17 يونيو 1998) يعد من أعظم علماء الأزهر والدعوة الإسلامية في القرن العشرين. اشتهر بلقب إمام الدعاة، إذ قدّم تفسيرًا ميسّرًا للقرآن الكريم، جمع بين عمق المعنى وبساطة الأسلوب، فلامس قلوب الملايين من المسلمين داخل مصر وخارجها. تميز بقدرته على تقريب معاني القرآن للناس العاديين، وجعلهم يشعرون أن كلام الله يخاطب حياتهم اليومية وقضاياهم المعاصرة.
---
طفولته ونشأته
ولد الشيخ الشعراوي في قرية دقادوس التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر عام 1911م. نشأ في أسرة متدينة اهتمت بتعليمه القرآن منذ الصغر، فتمكن من حفظه كاملًا وهو لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره. هذا الإنجاز المبكر كان علامة واضحة على نبوغه وذكائه، كما رسّخ بداخله حب القرآن واللغة العربية.
بعدها التحق بالتعليم الأزهري في معهد الزقازيق الابتدائي والثانوي، وهناك برزت موهبته في الشعر والخطابة، حتى أصبح رئيسًا لجمعية الأدباء واتحاد الطلبة. ثم واصل دراسته في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وتخرج فيها عام 1941م.
---
مسيرته العلمية والدعوية
بدأ الشيخ الشعراوي حياته العملية مدرسًا للغة العربية والعلوم الدينية في المعاهد الأزهرية. وفي عام 1950م سافر إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل أستاذًا للشريعة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
عرف عن الشعراوي أنه لم يكن مجرد مدرس ينقل المعلومات، بل كان داعية وموجّهًا، يحرص على ربط العلم الديني بالواقع الاجتماعي والإنساني. ولذلك أحبّه طلابه وزملاؤه في مصر والسعودية والجزائر وغيرها من الدول التي خدم فيها الأزهر.
تقلّد الشيخ عدة مناصب مهمة، منها:
مدير الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف.
مفتّش للعلوم العربية بالأزهر.
رئيس بعثة الأزهر إلى الجزائر.
مدير مكتب شيخ الأزهر.
وفي عام 1976 تم تعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في مصر، حيث ترك بصمة كبيرة في تطوير العمل الدعوي ونشر القيم الإسلامية السمحة.
---
أسلوبه في تفسير القرآن
الجانب الأهم في حياة الشعراوي كان التفسير القرآني. فقد اتخذ أسلوبًا مميزًا في شرح معاني القرآن، يجمع بين قوة اللغة وسلاسة العرض. كان يركز على الأمثلة الحياتية التي يفهمها الناس، ويستخرج من كل آية دروسًا عملية تمس قلوبهم وعقولهم.
اشتهر ببرنامجه التلفزيوني الشهير "خواطر الشعراوي حول القرآن الكريم"، والذي استمر لسنوات طويلة، وأصبح مدرسة في تفسير القرآن. وقد تميزت خواطره بأنها لم تقتصر على المعنى اللغوي أو الفقهي، بل جمعت بين العلم والإيمان، العقل والقلب، لتجعل المشاهد يشعر بقرب الله في كل لحظة.
---
مكانته بين العلماء والجماهير
نال الشيخ الشعراوي احترام العلماء وتقدير البسطاء معًا. فقد كان خطابه الديني بعيدًا عن التعقيد والجدل العقيم، بل قريبًا من الناس، يعالج قضاياهم اليومية ويضرب لهم الأمثال الواقعية. ولذلك التفّ حوله ملايين المشاهدين والمستمعين، وأصبح اسمه علامة بارزة في الدعوة الإسلامية.
كما ألّف العديد من الكتب التي جمعت خواطره في التفسير، إلى جانب مؤلفات أخرى تناولت قضايا الإيمان والتربية والفقه. ولا تزال هذه الكتب تُقرأ حتى اليوم في مصر والعالم العربي.
---
أواخر حياته ورحيله
في سنواته الأخيرة، عانى الشيخ من بعض الأمراض، لكنه لم يتوقف عن العطاء العلمي والدعوي. ظل يلقي الدروس والخطب حتى آخر أيامه، محافظًا على مكانته كأحد أبرز رموز الأزهر.
وفي يوم 17 يونيو 1998م رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 87 عامًا، تاركًا إرثًا علميًا وروحيًا عظيمًا. وقد شُيعت جنازته بحضور آلاف من محبيه، ودفن في مسقط رأسه بمحافظة الدقهلية
إرثه وتأثيره
يبقى الشيخ محمد متولي الشعراوي حيًّا في وجدان الأمة الإسلامية بما قدّمه من علم وإيمان. فقد كان صوته صوت الحكمة، وكلماته جسرًا بين النص القرآني وحياة الناس.
إن إرثه لا يقتصر على الكتب والتسجيلات، بل يمتد إلى الأجيال التي تربّت على سماع خواطره، والأرواح التي وجدت في تفسيره هداية وطمأنينة. لذلك، استحق أن يُلقّب بحق بـ إمام الدعاة، ورمزًا خالدًا من رموز الدعوة الإسلامية في العصر الحديث.