طفولة النبي ﷺ ونشأته المبكرة.

طفولة النبي ﷺ ونشأته المبكرة.

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

طفولة النبي ﷺ ونشأته المبكرة:

تمثل طفولة النبي محمد ﷺ إحدى أهم الحلقات في سيرته العطرة، إذ شكّلت الأساس الأول لشخصيته الفريدة، وقوّة تحمّله، ورقّة قلبه، وعمق حكمته، وصفاء سريرته. لم تكن طفولته كسائر الأطفال، بل كانت سلسلة من الابتلاءات والرعاية الإلهية، التي هيّأت هذا الطفل اليتيم ليكون أعظم من حمل رسالة في التاريخ.

image about طفولة النبي ﷺ ونشأته المبكرة.

أولًا: مولد الهدى وبداية اليُتم..

وُلد النبي ﷺ في عام الفيل، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة غزو مكة وتدمير الكعبة، فارتبط ميلاده بحدث عظيم دلّ على أن لهذا المولود شأنًا كبيرًا. لم يكد يُبصر الحياة حتى تجرّع أول كأس من مرارة الفقد؛ فقد توفّي أبوه عبد الله وهو ما يزال جنينًا في بطن أمه.

نشأ النبي ﷺ مقبلًا على الحياة بلا أب، وهذه البداية القاسية صنعت في نفسه قوة الاعتماد على الله، والقدرة على مواجهة المصاعب دون حائل أو سند من البشر. ومع ذلك، لم يتركه الله دون رعاية، بل أعدّ له بيئة تُهيّئه للدور العظيم القادم.

ثانيًا: في أحضان الأم آمنة بنت وهب..

عاشت آمنة مع طفلها الوحيد محمد ﷺ فترة قصيرة، لكنها امتلأت بدفء الأمومة وطيبة القلب. كانت آمنة تشعر أن لابنها خصوصية لا تشبه الأطفال الآخرين، وكانت تحدّث المقربين عن رؤى وأحداث تشعر أنها دلالة على مكانته القادمة.

ومع أن محمّدًا ﷺ لم يظفر بطول المكوث في حضن أمه، إلا أن تلك السنوات القليلة غرست فيه الحنان والصفاء والهدوء، وربما شكّلت البذرة الأولى للرقّة التي اتسم بها قلبه طوال حياته.

ثالثًا: إلى البادية… حيث الهواء النقي وصناعة القوّة..

من عادة العرب إرسال أطفالهم إلى البادية ليتعلّموا الفصاحة، ويشبّوا أقوياء بعيدًا عن أمراض المدن. وكان نصيب النبي ﷺ أن تربيه “حليمة السعدية” في ديار بني سعد، وهي مرحلة مفصلية في طفولته.

لماذا كانت البادية مهمة؟..

لإتقان اللغة العربية الفصيحة

لاكتساب الصحّة والقوة الجسدية

لتعلّم الصبر والاعتماد على النفس

للعيش في بيئة نقية بعيدة عن شوائب المدن

وقد شهدت ديار بني سعد بركات كثيرة منذ وصول محمد ﷺ، حتى إن حليمة نفسها روت تغيّر حالها المادي والمعنوي بعد أخذه.

حادثة شقّ الصدر:

في تلك الفترة، وقعت الحادثة المشهورة: “شقّ صدر النبي ﷺ”، حين جاءه ملكان فشقّا صدره وأخرجا منه علقة، وقالا: “هذا حظ الشيطان منك”.
كانت هذه إشارة إلهية لتطهيره وإعداده ليحمل رسالة السماء. ورغم أن الحدث أحدث خوفًا عند مرضعته، إلا أنه مثّل مرحلة مهمّة في تشكيل صفاء قلب النبي ﷺ وطهارته منذ صغره.

رابعًا: العودة إلى مكة… وفقد الأم..

بعد أن بلغ النبي ﷺ نحو خمس سنوات، أعادته حليمة إلى أمّه آمنة في مكة. وبعد فترة قصيرة، قررت آمنة السفر إلى يثرب (المدينة) لزيارة أهل زوجها المتوفّى. وهناك أمضت مع صغيرها أسابيع، لكن أثناء العودة اشتدّ عليها المرض، وفارقت الحياة في منطقة الأبواء.

كان هذا الفقد ضربة قوية لطفل في السادسة من عمره، لكن في الوقت ذاته كان إعدادًا ربانيًا، ليكبر وهو يشعر بألم من لا سند له، فيكون رحيمًا بالأيتام والفقراء والمساكين.

خامسًا: في كفالة الجد عبد المطلب..

بعد وفاة الأم، انتقل محمد ﷺ إلى رعاية جده عبد المطلب، كبير قريش وصاحب السيادة بينهم. أحبّ عبد المطلب حفيده حبًا شديدًا، وكان يشعر أن لهذا الطفل شأنًا عظيمًا. حتى إنه كان يجلسه في مجلسه الخاص عند الكعبة، ولا يسمح لأحد أن يزيحه عنه.

رأى محمد ﷺ في بيت جدّه ما تعنيه القيادة والحكمة وإدارة شؤون الناس. كان يشاهد الوفود والمشاورات، ويتعلم من الفطنة السياسية والهيبة القيادية لعبد المطلب، مما ساهم في بلورة شخصيته لاحقًا كقائد محوري في المجتمع.

لكنّ هذه الفترة الجميلة لم تدم طويلًا؛ فقد توفي عبد المطلب والنبي ﷺ في الثامنة من عمره.

سادسًا: إلى كفالة العم أبي طالب..

انتقل الصغير اليتيم مرة أخرى إلى بيت جديد: بيت عمّه أبي طالب. ورغم أن أبا طالب كان قليل المال، إلا أنه كان غنيًا بالعاطفة والوفاء. احتضن محمّدًا ﷺ كما يحتضن أبناءه، بل كان يقدّمه عليهم في كثير من الأحيان.

في هذا البيت تعلّم النبي ﷺ:

معنى الوفاء

الصبر على ضيق الحال

الشجاعة ومساندة الحق

الشهامة العربية الأصيلة

وكان أبو طالب يصطحب ابن أخيه معه في أسفاره التجارية، فاطّلع محمد ﷺ على التجارة، وتعلّم حساب الأموال، وفهم طبيعة الأسواق، والطباع البشرية المختلفة.

سابعًا: ملامح شخصية النبي ﷺ في طفولته..

تظهر لنا الروايات أن طفولة محمد ﷺ لم تكن عادية؛ فقد كان مميزًا في أخلاقه وطباعه، حتى قبل النبوة.

الصدق والأمانة:

لم يُعرف عنه كذب، وكان يُلقّب بين قومه بـ"الصادق الأمين". وتبدأ هذه الخصال من الطفولة، حين كان الجميع يثق به في كل شيء.

الهدوء والوقار:

كان طفلاً هادئًا، قليل اللعب، كثير التفكير، لا يشارك في لهو الصبيان، وكأنه منذ صغره يدرك أن له رسالة أكبر من اللعب والعبث.

الرحمة والرقة:

رغم اليتم، أو ربما بسببه، كان شديد الرحمة بالفقراء والضعفاء، يشعر بمعاناتهم لأنه تجرّع منها.

العمل منذ الصغر:

ساعد عمّه في رعي الغنم، وهو عمل شاق، لكنه يربي على الصبر والمسؤولية، ويصنع في النفس قدرة على التأمل، وحسن القيادة، والرفق بالرعية.

ثامنًا: ابتلاءات الطفولة… إعداد القدَر لرسالة عظمى..

كثيرًا ما يظن الناس أن الابتلاءات تُضعف النفس، لكن في حياة النبي ﷺ كانت الابتلاءات سُلّمًا للرفعة. فقد عاش اليُتم ثلاث مرات:

يُتم الأب قبل الولادة

فقد الأم في سن السادسة

فقد الجد في الثامنة

وكأن القدَر يهيّئه ليعتمد على الله وحده، وليتعلم الصبر والشجاعة، وليشعر بقلوب الضعفاء، فيكون أقدر الناس على قيادة أمّة بأكملها.

تاسعًا: النشأة في مجتمع مكّة..

عاش النبي ﷺ في مجتمع يعجّ بالتجارة والوفود والحروب والمفاوضات، كما يعجّ بالباطل والجهل والظلم. ورغم ذلك، لم ينجرّ خلف الشهوات أو العادات الفاسدة، بل كان نقياً في سلوكه وأخلاقه، بعيدًا عن عبادة الأصنام، وكأنه منذ طفولته محاط بعناية إلهية تحفظه من الدنس.

عاشرًا: خلاصة المرحلة الثانية..

كانت طفولة النبي ﷺ أعظم مدرسة في التربية الإلهية. ففي هذه المرحلة:

صُقلت روحه بالابتلاء

وتعلم الحكمة من الجدّ

والشهامة من العمّ

والصبر من رعي الغنم

والفصاحة من البادية

والرحمة من اليُتم

والقيادة من مشاهدة مجالس قريش

كل ذلك إعداد ربّاني محكم لرسالة ستغيّر مجرى التاريخ.


خاتمة..

إن طفولة النبي ﷺ ليست مجرد حكايات تاريخية، بل هي مدرسة تربوية عظيمة، تُظهر كيف يصنع الله من طفل يتيم رجلًا أضاء العالم بنوره وهدايته.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Ahmed تقييم 5 من 5.
المقالات

11

متابعهم

2

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.