قصص الصحابة | أبو دجُانة وعصابة الموت الجزء الثانى والأخير
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وعلى آله وصحبه أجمعين…
الصحابى الجليل أبو دجُانة فى الحرب
ثم أنطلق أبو دجُانة وهو يُنشد نشيداً يهُز القلوب هزاً، ويُفعمُ الصدور حمية وشهامةً، ثم أقبل على المشركين يصولُ بين صفوفهم ويجول فما لقى أحداً إلا قتلهُ، وكان فى عسكر المشركين رجل دأب على تتبع جرحى المسلمين والإجهاز عليهم واحداً بعد آخر، فرأيت أبا دجُانة يتجه نحوه ورأيت الرجل يدنو من أى دجُانة، فدعوت الله أن يجمع بينهما وأن يجعل مصرع هذا الكافر على يد أبو دجُان، فلما لبثا أن ألتقيا وتبادلا ضربتين بسيفيهما فى أقل من طرفة عين، فتلققى أو دجُانة ضربة خصمه بتُرسه فقدت الترس قدا، أما ضربة أبو دجُانة فقد أصابت من المشرك مقتلاً، فخلفه وراءهُ يسبحُ فى دمائه، ومضى يقتحم الصفوف ذائداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه متصدياً لأعدائه، فكنت أراهُ تارة عن يمينه وتارة عن شماله، وتارة قدامه أو خلفه، ثم إن أبا دُجانة رأى شخصاً مجهولاً يجول بين صفوف المشركين وهو يثيرُ حماستهم ويؤلبهم على قتل الرسول صلواتُ الله وسلامه عليه، فأقبل عليه وأهوى على رأسه بسيفه، ولكن ما لبث أن حرف السيف عنه، فأقتربت منه وسألته عن ذلك فقال: لقد عرفت واحدة من النسوة اللواتى جاء بهن أبو سُفيان بنُ حرب معه إلى المعركة، فأكرمت سيف الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ان أقتل به أمرأةً.
عند ذلك عرفتُ ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع سيفه فى موضعه، وقلت: الله ورسوله أعلم.
الصحابى الجليل أو دُجانة ودفاعه عن الإسلام
ظل الصحابى الجليل أبو دُجانة رضى الله عنه يدافع عن الإسلام و المسلمين بسيف النبى عليه الصلاة والسلام مادام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة، فلما لحق الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وضع أبو دُجانة نفسه وسيفه فى طاعة أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما أرتد بنو حنيفة مع المرتدين وطفقوا يخرجون من دين الله أفواجاً وتبعوا مسيامة الكذاب، جهز الصديق رضوان الله عليه جيشاً كبيراً حشد فيه سادة الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكان فى مقدمتهم الصحابى الجليل أبو دُجانة رضى الله عنه صاحب سيف رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ثم عقد لواء الجيش للصحابى الجليل القائد البطل سيف الله المسلول خالد بن الوليد المخزومى رضى الله عنه.
إنصب جند المسلمين على أعداء الله انصباب الهول، وصمد لهم مسيلمة الكذاب ومن معه صمود الجبال، ولم يكن جيش مسيلمة الكذاب بالجيش الهزيل أو الضعيف بل كان من أخطر جيوش الردة، وكان بأعداده وبعتاده خطراً كبيراً، فلقد قاوموا هجوم المسلمين العنيف، ودارت بين الفريقين معارك عظيمة، وكثر القتل بين الفريقين، فما زادتهما كثرةُ القتلى إلا حمية وحدة وضراوةً، ثم ما لبثت أن رجحت كفة المسلمين على كفة عدوهم بعد طول بلاء و شدة عناء.
فأنحدر مسيلمة الكذاب والآلاف المؤلفةُ من جنده إلى الحديقة التى عرفت بإسم حديقة الموت، فتحصنوا وراء جدارنها المنيعة الحصينة، وتتراسو خلف أبوابها الموصدة، ولما أعيت المسلمين الحيلُ قام الصحابى الجليل البطل البراءُ بنُ مالك الأنصارى رضى الله عنه بإجراء عمل بطولى عرفه تاريخ الفداء على وجه الأرض، حيث أنه أعتلى جدار الحديقة، وألقى بنفسه داخل الحديقة، واقتحم عليهم وحده وقاتل حتى فتح باب الحديقة لجنود المسلمين، وتدفقوا على حديقة الموت تدفق السيل، فبعضهم دخل الحديقة أبوابها، وبعضهم الآخر رمى بنفسه من جدارنها العالية.
وكان الصحابى الجليل أبو دُجانة رضى الله عنه واحداً من هؤلاء، فلما سقط على أرضها كُسرت ساقه فلم يُبالى ولم يأبه لها.
الصحابى الجليل أبو دُجانة يحارب للمرة الأخيرة بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أستل أبو دُجانة رضى الله عنه سيف الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل يشقُ به الصفوف معتمداً على رجله الصحيحة حتى بلغ مسيلمة الكذاب فأهوى عليه بضربة من سيفه، وذلك فى اللحظة التى سدد إليه وحشىُ بنُ حرب طعنه من حربته، فخر مسيلمة الكذابُ صريعاً بينهما يخوض فى دمائه.
عند ذلك هجم أتباع مسيلمة الكذاب يريدون القضاء على أبو دُجانة رضى الله عنه الذى كان يُحارب برجل واحدة، فمازال يقاتلهم حتى كلت قدمُه وتكاثرت عليه ضرباتُ السيوف وطعناتُ الرماح حتى سقط شهيداً، لكن أبا دُجانة رضى الله عنه لم يغمض عينيه غمضتها الأخيرة، إلا بعد أن رأى إنتصار المسلمين فى هذه المعركة، ورأى جنود المسلمين يرفعون على أرض اليممة رايات الإسلام.
رحم الله الصحابى الجليل سماكُ بنُ خرشة المكنى بأبو دُجانة رضى الله عنه وعن صحابة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأجزهم عن الإسلام والمسلمين جزاء وأكرمهُم وأكرمنا بالجنة التى وُعد بها المتقون.
تمت بحمد الله وفضله