دروس وعبر في قصة هدهد سليمان - عليه السلام -
صفات طائر الهدهد :
الهدهد طائر متوسط الحجم يبلغ طوله تقريبا نحو 31 سنتيمتراً، ويتميّز بأرجله القصيرة وأقدامه العريضة، ومخالبه القوية، وتاجه الريشي الجميل وذيله المربع، وريشه المزخرف، ومنقاره الطويل الرقيق المعقوف قليلًا إلى الأسفل، وجناحيه العريضين المدورين، وصوته الموسيقي الناعم.
ومن صفاته أنه يمشي على الأرض بخطى سريعة، ويجري بسرعة ملحوظة، ويعيش عادة في المناطق المفتوحة، ويرى أفرادًا، وفي بعض الأحيان يرى أزواجا، ولكنه نادرا ما يرى في جماعات، كما هو الأمر بالنسبة إلى فصائل الطيور الأخرى. وهو يطير بقوة سريعة فجائية ومباغتة، ويحط على الأرض باندفاع وفجائية واضحة .
وهو يعرف الاتجاهات بطريقة صحيحة متميزة ؛ وذلك بفضل الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض ، ومن خلال حواسه المميزة يستطيع رسم خرائط سمعية وبصرية وشمية للموقع الذي يمر به ، ويمتلك حبيبات مغناطيسية في منقاره ، وله ملكات خاصة في طلب الماء والكشف عن وجوده تحت الأرض .
ولقد توصلت أحدث الدراسات العلمية أن الهدهد هو من أكفأ من يقوم بعملية استطلاع استخباراتية ، وهو أكفأ من الحمام الزاجل من حيث السرعة والدفاع عن نفسه ، كما أنه أكثر تحملا للجوع والعطش لفترات أطول، فضلًا عن مهاراته في التخفي عن أنظار الأعداء، وذكائه ومكره المشهور بهما.
وقد جاء ذكر الهدهد في القران مرة واحدة في سورة النمل الأية 20 .
نبي الله سليمان - عليه السلام - يتفقد الطير :
عرف عن سليمان – عليه السلام - الحزم والدقة في تنظيم جنوده ، وكان له رهبة وهيبةً ومكانًة، حيث كان لا يدع أمرًا صغيرًا أو كبيرًا إلا قام بالإشراف عليه بنفسه .
بدأت القصة بتفقد نبي الله سليمان – عليه السلام - للطير وعدم رؤيته للهدهد كما جاء في قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} . ولما تأكد غياب الهدهد توعده سليمان - عليه السلام – بالذبح أو توضيح سبب غيابه بدون إذن حتى عاد وقال علمت ما لم تعلمه من الأمر كما جاء بقوله تعالى : {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} . ثم سرد ما راَه للنبي سليمان -عليه السلام- حيث جاء من سبأ بنبأ يقين لا شك فيه ، وعرف أن امرأة تقودهم ، وأن لها عرش عظيم، وأن القوم يسجدون للشمس من دون الله، مدركا أن هذا شرك بالله تعالى، وأن عملهم من تزيين الشيطان لأعمالهم.
دعوة الملكة سبأ وقومها لعبادة الله :
بعث سليمان- عليه السلام- رسالة مع الهدهد لملكة سبأ دعاها فيها إلى الإسلام، وفي النهاية قررت أن تذهب للنبي - سليمان عليه السلام - وتعلن إسلامها ومن معها ، حيث كانت تعلم أنها لا طاقة لها بسليمان - عليه السلام - وجنوده من الإنس والجن، ولعل إسلامها كان نتيجة حِرص الهدهد على الدعوة إلى الخير وتوحيد الله -عز وجل- .
ومن الدروس المستفادة من قصة نبي الله سليمان - عليه السلام – والهدهد :
- العبادة لله وحده ، حيث يجب أخذ الهدهد قدوة حيث لم يرضيه عبادة قوم سبأ للشمس من دون الله برغم أنه طائر يقول الله في كتابه الكريم :{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
- يجب على المؤمن الالتزام في الحياة، والتعامل مع الناس على أساس من الانضباط حيث أنه لولا أن قدم الهدهد مبرر قوي لعدم التزامه، كان سيناله العقاب الشديد . العدل أساس الملك ، فقد كان سليمان – عليه السلام- عادلاً مع الهدهد بشكل كبير، بالرغم من التهديد بذبحه ومعاقبته ، ولكنه تراجع عندما علم سبب غيابه ، وذلك في قوله تعال : {لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين} .
- التأكد من صحة الأخبار التي نسمعها ، حتى نتجنب الظلم لأي شخص .
- مكانة العلم الكبيرة في كتاب الله الحكيم ، وذلك في قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ * وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ * إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}.
- متابعة أحوال الرعية ، ونرى ذلك في قصة سيدنا سليمان مع الهدهد حتى ولو كان من الطيور ، يقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام،” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
- معاقبة المقصرين إذا ثبت تقصيره ، وضرورة التقصي والتحقق ، وجمع الدلائل، وعدم التسرع قبل اتخاذ القرار. تواضع الحاكم وتحليه بسعة الصدر مع رعيته ، حيث نرى طريقة معاملة سيدنا سليمان للهدهد ، وكيف كان متسع الصدر معه ، ومتواضع بشكل كبير، وهي من الصفات التي يجب أن تتوفر في أي حاكم منح الفرصة للرعية للدفاع عن أنفسهم لاتخاذ القرار المناسب حيث قام سليمان عليه السلام -
- إعطاء الفرصة للهدهد لتقديم الأسباب عن تأخيره ، وتفنيد دلائل غيابه .