فضل يوم عرفة
يوم عرفة :
من أفضل الأيام عند المسلمين، فهو سيد الأيام وأحد الأيام التي تفضل بها الله تعالى على عباده كمواسم للنفحات فيغفر فيها تعالى لعباده ذنوبهم، ويرفع فيها الدرجات.
يوم عرفة من الأيام المُباركة التي فضلّها الله -عز وجل- عن سائر أيام السنة الهجرية، فيُضاعف فيها الأجر والثواب. فيه يتقرب العِباد لربّهم بالأعمال الصالحة، ويسعى كل منهم لاكتساب الحسنات في تلك الأيام المُباركة. ولقد اختصّ الله - تبارك وتعالى- أول عشرة أيام من الشهر بالفضل العظيم وقدَّسَهم وأقسمَ بهم في كتابه العزيز فقال: {وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر} (سورة الفَجر)
كما وُرِدَ عن فضل تلك الأيام العظيمة في آيات أُخرى من القرآن الكريم، منها قوله تبارك وتعالى:
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} -سورة الحَجّ
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- إن المقصود بالأيام المعلومات هُنا هي الأيام العشر من ذي الحِجّة. كما سميت بأيامٍ معدوداتٍ لما وُرد في الآية الكريمة:
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} من سورة البقرة، فيغتنم المسلون تلك الفُرصة العظيمة من كل عام لعبادة الله وفعل كل عمل صالح يُقربهم إليه، ومن أعظم تلك الأيام هو يوم عرفة.
السبب في تسمية يوم عرفة بهذا الاسم :
تعددت أقوال فُقهاء الإسلام في سبب تسمية يوم عرفة بذلك الاسم، كالآتي:
ترجع تسمية يوم عرفة إلى الوقوف على جبل عرفة أو جبل عرفات يكون في ذلك اليوم من شهر ذي الحِجة، وكان العَرب يطلقون على كل ما علا عن الأرض عرفة.
وهناك رأي بأنّه سُمي بذلك لأن إبراهيم -عليه السلام- عَلِمَ فيه أنّ رُؤيته حق، فقد رأى في منامه في ليلة التَروية أنّه يذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام- ورُؤى الأنبياء صِدق لا بُدّ من تحقيقها، وتحقق سيدنا إبراهيم -عليه السلام- من صِدق الرُؤيا هل هي من الله تعالى أم من الشيطان. وفي الليلة التالية وهي ليلة الوقوف على عرفة تكررت له الرُؤيا فعَلِم أنها من الله تعالى.
ويُقال أنّه جاء هذا الاسم من العَرْف ومعناه الطّيب زكي الرائحة، لما فيه من نفحات طيبة ومُباركة، وقال رأي آخر بأنّه سُميَ عرفة من الاعتراف، لأنّ العِباد يعترفون لله في ذلك اليوم بذنوبهم التي اقترفنها طوال العام.
وقيل بأنّ آدم وحواء - عليهما السلام - اجتمعا على الأرض بعد هبوطهم من الجنة على جبل عرفات في ذلك اليوم لذا سُمِيَ بذلك.
فضل يوم عرفة :
يتفق المُسلمون جميعاً على فضل يوم عرفة العظيم، ومِن الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل يوم عرفة ما أخرج أحمد ، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في (الأسماء والصفات) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا عبادي جاءوني شعثا غبرا" وما روتهُ عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "ما من يوم أكثر من أن يُعتَق الله فيه عبيداً من النار مِن يومَ عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يُباَهِي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم"
وسوف نتناول فضائل هذا اليوم العظيم فيمَا يلي:
أولاً: يُمثل يوم إكمال الدين للمُسلمين وإتمام نعمة الله الإسلام على الأُمة، ففي حديث الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنّ رجُلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرئنها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - (سورة المائدة)، قال عمر: (إنّي لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على الرسول -صلى الله عليهِ وسلم- بعرفات في يوم جُمعة).
ثانياً: أنّه يوم أقسم الله -تبارك وتعالى- بهِ ولا يقسِم الله العظيم إلا بكل عظيم، فقال تعالى: (وشَاهِدٍ ومَشْهُود) - (سورة البروج)، فالمقصود بالمشهود هنا هو يوم عرفة، فعن أبي هُريرة -رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (اليوم الموعود هو يوم القِيامة، واليوم المَشْهُود هو يوم عرفة، والشاهد يوم الجُمعة..). كما يُقال إنّه الوِتر الذي أقسم الله تعالى بهِ في قوله الكريم: (والشَفع والوَتر) - (سورة الفَجر)، قال ابن عباس إن الشفع هو يوم الأضحى والوتر يوم عرفة، وهذا من قول عكرمة والضحاك.
ثالثاً: إنّ يوم عرفة هو يوم عيد للأمّة الإسلامية، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)، رواه أهل السنن.
رابعاً: فهو يوم عِتق من النيران، ومَغفِرة لذنوب العِباد، من آمن منهم وعمل أعمال صالحة، فيقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ).
خامساً: دعاء يوم عرفة من العِبادات العظيمة التي يجب على العبد اغتنامها، فوُرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: (خيرُ الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، رواه الترمذي.
الحج عرفة :
يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "الحج عرفة" ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى هو أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج، ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج"
صيام يوم عرفة :
يحرص المسلمون غير القادرين على تأدية فريضة الحَجّ على صيام يومَ عرفة لما فيه من فضل وبركة إجابة للدعاء، فيتقرب العِباد في ذلك اليوم إلى الله -تبارك وتعالى- بكل عمل يُحبه، وما أعظم من عبادة الصِيام لله عز وجل. كما يواظب المُسلمون على صيام هذا اليوم لما ورَد عنه أنّه يكفر سنتين من ذنوب العبد، ويُستدل على ذلك بقول النبيّ - عليه الصلاة والسلام - عندما سُئِل عن صيام يوم عرفة فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
كما جاء عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه نهى عن صوم يوم عرفة للحُجاج الواقفون بعرفات، فلا يَجُوز للحاج صيامه، واُستدل على ذلك بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مُفطِراً حينما وقف في يوم عرفة.
وكل عام وحضراتكم بخير,,,,