رحلة الاسراء والمراجع والعبرة منها
رحلة الاسراء والمعراج
رحله الاسراء والمعراج حدثت لتخفيف الألم والحزن والمعاناة الى تعرض لها الرسول بعد وفاة عمه أبى طالب وزوجته السيدة خديجة، وكانت تعويضا لما تلاقاه من اهله وتكذيبهم له حيث قال -تعالى-: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً)
تعريفها:
الاسراء يقصد بها السير أي التنقل ليلا حيث انتقل الرسول من البيت الحرام في مكة المكرمة الى المسجد الأقصى في القدس، على ظهر دابة قد ارسها الله له، وكان بصحبة جبريل وعاد الى مكة في الليلة ذاتها، والمعراج يقصد بها الصعود والعرج أي الدرج او السلم الذي يصعد عليه رسول الله الى السماوات السبع.
أحداثها:
حدثت هذه الرحلة في السابع والعشرين من شهر رجب من السنة الثانية عشر من البعثة، حيث تمت بعد ان صلى الرسول بأصحابه صلاة العشاء، فقدم جبريل دابة صغيرة أصغر من الفرس وأكبر من الحمار بيضاء اللون،جاءَ في صحيحِ مُسلم أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في هذا الشّأنِ: (أُتِيتُ بالبُراقِ، وهو دابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قالَ: فَرَكِبْتُهُ حتَّى أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، قالَ: فَرَبَطْتُهُ بالحَلْقَةِ الَّتي يَرْبِطُ به الأنْبِياءُ، قالَ ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السَّلامُ بإناءٍ مِن خَمْرٍ، وإناءٍ مِن لَبَنٍ، فاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فقالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بنا إلى السَّماءِ) ثم عرج الرسول وجبريل الى السماء الدنيا فالتقيا بنبي الله أدم فرد عليه السلام ورحب به، فصعد الى السماء الثانية فرأي فيها يحيي وعيسى فسلم عليهما رسول الله إذ قال: (فإذا أنا بابْنَيِ الخالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ويَحْيَى بنِ زَكَرِيّا، صَلَواتُ اللهِ عليهما، فَرَحَّبا ودَعَوا لي بخَيْرٍ)، فصعد جبريل والرسول الى السماء الثالثة فالتقيا بالنبي يوسف فسلم عليه رسول الله فمن قوله: (فَفُتِحَ لَنا، فإذا أنا بيُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذا هو قدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ ودَعا لي بخَيْرٍ) ، ثم صعدوا الى السماء الرابعة وقابلوا النبي ادريس فسلم علية رسول الله حيث قال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإدْرِيسَ، فَرَحَّبَ ودَعا لي بخَيْرٍ) ، فصعدوا الى السماء الخامسة وقابلو هرون والقي الرسول عليه السلام فقال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بهارُونَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَرَحَّبَ، ودَعا لي بخَيْرٍ( ، ثم صعد الى السماء السادسة ولقا النبي موسي عليه السلام فسلم عليه رسول الله فقال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بموسى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَرَحَّبَ، ودَعا لي بخَيْرٍ( ، تم صعد الى السماء السابعة فالتقي بنبي الله إبراهيم فسلم عليه رسول الله فقال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُور) ، ثم صعد الي سدرة المنتهى، والبيت المعمور ثم أخيرا صعد فوق السماء السابعة ليكلم الله، ففرض الله عليه وعلى امته الخمس صلوات اليومية، ثبتت هذه الليلة في كتاب الله بسورة باسمها تسمي الاسراء وكان في مطلعها بقوله تعالى (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ(
قال تعالى (لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
فكانت الآيات الكبرى هي:
- رؤية رسول الله لجبريل عليه السلام وجبريل هو الملك الى ينزل علي رسول الله ويبلغه بالقران الكريم حيث ان الرسول رأى جبريل في هيئته الحقيقية في هذه الرحلة، وأكد مسند الإمام أحمد: (رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جبريلَ في صورتِه وله ستُّمائةِ جَناحٍ كلُّ جَناحٍ منها قد سدَّ الأفُقَ يسقُطُ مِنْ جَناحِه مِنَ التهاويلِ والدُّرِّ والياقوتِ ما اللهُ به عليمٌ).
- صعود رسول الله سدرة المنتهى وهي منزلة أي مكان يقع في السماء السابعة وجاءت في سورة النجم بقول الله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) وأكد الرسول في حديث له قال (ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى السِّدْرَةِ المُنْتَهَى، وإذا ورَقُها كَآذانِ الفِيَلَةِ، وإذا ثَمَرُها كالْقِلالِ، قالَ: فَلَمَّا غَشِيَها مِن أمْرِ اللهِ ما غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَما أحَدٌ مِن خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَها مِن حُسْنِها)
- صعود رسول الله الى البيت المعمور وهو مكان يصلى فيه سبعون ألفا من الملائكة وجاء في حديث لنبي الله صلى الله عليه وسلم بقوله (فُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ، وإذا هو يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْه)
- رؤية الرسول للأنهار الأربعة، حيث جاءَ في حديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (رُفِعْتُ إلى السِّدْرَةِ، فإذا أرْبَعَةُ أنْهارٍ: نَهَرانِ ظاهِرانِ ونَهَرانِ باطِنانِ، فأمَّا الظّاهِرانِ: النِّيلُ والفُراتُ، وأَمَّا الباطِنانِ: فَنَهَرانِ في الجَنَّةِ)، ولعلَّ من الأنهار الباطنة المقصودة في الحديثِ نهرُ الكوثر.
- كلم الله سبحانه وتعالى وفرضت الصلاة حينها وقد روى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: (فأوْحَى اللَّهُ إلَيَّ ما أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فإنِّي قدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرائِيلَ وخَبَرْتُهُمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ، خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بيْنَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالَى، وبيْنَ مُوسَى عليه السَّلامُ حتَّى قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ) وبعدها رأى رسول الله انبياء الله المرسلين فكلما عد الى السماء التقي بأحد.
وهنا يبين كرم الله وحبه للرسول ومواساته وتعزيته لوفاة عمه وزوجنه فأكرمه برؤية آيات من ربه واشياء كثيرة، وأكدت لنا اهميه الصلاة التي فرضت في هذه الرحلة، وثبات مكانة ومنزلة المسجد الأقصى في الإسلام وأنه بوابة الأرض إلى السماء، والتميز بالشجاعة وذلك بأخذ الرسول قدوة لنا عندما أخبر أهل قريس بما حدث في هذه الليلة في اليوم التالي رغم معرفته باستهزائهم وسخرياتهم المستمرة.