حقيقة قصة قابيل وهابيل وزواج أبناء آدم في القرآن الكريم والسنة المطهرة والكتاب المقدس
هل جاء في القرآن الكريم أو السنة المطهرة ذكر لاسم قابيل أو اسم هابيل؟
إن ذكر قابيل وهابيل كـ(أسماء) لم يأت في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، أما في الكتاب المقدس في "العهد القديم" المعروف بالتوراة فقد جاء اسم قايِين بدلا من قابيل وهو الأخ الشرير، وكذلك جاء اسم هابيل وهو الأخ الطيب.
والذي ورد في القرآن هو تسميتهما بـ(ابنَي آدم)، فقد قال الله سبحانه في سورة المائدة: (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) )).
فقصة قتل أحد ابني آدم لأخيه الآخر ثابت في سورة المائدة لكن سبب ذلك القتل لَم يُصَرِّح القرآن فيه بالسبب غير أن الدافع كان هو الحسد على قَبول الله لقُربان أحدِهما وعدم قَبوله مِن الآخَر، أما سبب تقريبهما للقربان فلم يصرِّح به القرآن، والروايات القصصية –التي لا دليل على ثبوتها- هي التي ذكرت قصة أن قابيل حسد هابيل على زوجته الجميلة، والأولى السكوت في هذا ونقول الله أعلم لعدم وجود النص في الكتاب أو السنة، ولوجود أسباب أخرى قد تدفع الإخوة إلى القتل، كحال إخوة نبي الله يوسف لما حاولوا قتل أخيهم يوسف لـمَّا وجدوا لأخيهم يوسف حَظوة ومنزلة في قلب أبيهم يعقوب عليهما السلام، فالغيرة القاتلة كانت هي الدافع وراء ما حَكى القرآن مِن صنيعهم مع أخيهم، وكذلك حسد الأخ لأخيه على السلطة أو الحُكم كذلك أمر وارد في التاريخ والواقع كثيرًا.
فيبقى أن القول بـ :"الله أعلم" مما يحتاجه الباحث عن الحقيقة واليقين بعيدًا عن الظن والجدل بلا علم.
كذلك لم نجد في نصوص الكتاب المقدس السبب الدافع غير الكراهية النابعة من الحسد لقبول الله قربان الأخ “هابيل”، فقد قتل قايين هابيل لأنه كان شريرًا وأخوه كان بارًا، وهذا هو نفس السبب الذي من أجله رفض الله قربانه، رفض الله قربان قايين لأنه شرير.
إذَنْ، فقصة النزاع على الأخت الجميلة الحسناء هي من الموروثات القصصية الواهية، وهي خطيرة إذا اعتمدنا عليها كسند كأنها من النصوص الدينية وهي في الحقية بلا سندٍ قوي أو كافٍ.
هل جاء في القرآن الكريم أو السنة المطهرة تزويج كل واحد من أبناء آدم الذكور بأخته ولكن من بطن أخرى؟
الجدير بالذكر أن قصة تزويج كل واحد من أبناء آدم الذكور بأخته ولكن مِن بَطن أخرى -على اعتبار أن حواء كانت تَلِد في كل بطن يعني في كل مرة حَمْل ذكرًا وأنثى- ليس له سند صحيح بل ولا ضعيف بل ليس له أي ذكر في السنة المطهرة غير أنها من التراث القصصي وليس العلمي، وهي قصة تشهد للديانة الزرادشتية "المجوسية" الذين يُبيحون زواج الأخ من أخته حتى الآن، فمجرد سرد هذه القصة ونقلها فضلًا عن نشرها هو أمر بعيد عن المنهج العلمي في الإسلام الذي يعتمد على اليقين، خاصة في مثل هذه الأمور التي تتعلق بالتشريعات والأحكام.
لا سيما أن هناك نظريات علمية تقول بوجود زوجات لأبناء آدم من بنات: خلقهم الله كما خلق حواء، فأمهم ليست حواء أم قابيل وهابيل.. وهذه النظرية لها في التراث القصصي ما يقويها فقد أوردها المؤرخ "الثعلبي" في كتابه: "عرائس المجالس في قصص الأنبياء" ونسبها للإمام جعفر الصادق عليه السلام دون ذكر السند.
وهذا الرأي محل للنظر والتفكر فإنَّ من قَبِله ووافق عليه احتاج إلى دليل، كما أن إنكاره لا يصح لأن إنكار النظريات كذلك يحتاج إلى دليل.
فالأقرب إلى العقل والشرع أن الله قادر على أن يخلق لأبناء آدم "قابيل وهابيل" زوجتين جديدتين مثل خلقه لحواء.
لكن هل وقع هذا؟ يعني هل أراده الله وحصل؟
نقول في الجواب: قدرة الله على ذلك لا شك فيها أما إثبات حصول ذلك فإنه يحتاج إلى "وحي إلهي" يعني إلى نص ودليل من القرآن والسنة لأنه "أمر غيبي"، فما دمنا لا نجد الدليل من الوحي فعلينا في مثل هذه "الغيبيات" أن نقول: "الله أعلم" ونكتفي بذلك، لقول الله تعالى في سورة الإسراء: " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)".
فما لم يصرح به القرآن والسنة فالأولى السكوت فيه، فلا نصدق، بل ولا نكذب، إلا إذا ثبت تكذيب القرآن والسنة له.
كما لم يأتِ في الكتاب المقدَّس ذكر لكيفية زواج أبناء آدم، إلا ما جاء في الموروث القصصي كذلك.
فيبقى الأمر في هذا الموضوع أمرًا غيبيًّا لا يصلح فيه الحسم وفرض الرأي، بل الأقرب إلى المنهج العلمي أن يقول الواحد فيه وخصوصًا الباحث: "الله أعلم".
كم عدد أولاد آدم وحواء؟
لقد ثبت عندنا في القرآن أن أمنا حواء ولدت لأبينا آدم اثنين من الأولاد الذكور: (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ )).
وجاء في السنة المطهرة أنها ولدت لآدم ولدًا ثالثا بعد الذي قُتل واسمه (شِيث) ومعناه هبة الله وأنه كان نبيا رسولا.
ففي السنة المطهرة أن أبا ذَرٍّ الغِفاري روى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال:
"إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِائَةَ صَحِيفَةٍ وَأَرْبَعَ صُحُفٍ: عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَة". إلى آخر الحديث الطويل وهو في مسند الإمام أحمد.
وظاهر في السُّنة عندنا وكذلك في الكتاب المقدس أن هؤلاء الثلاثة تم التصريح بأسمائهم.
وهذا ما يقرِّب علينا الرؤية قليلا:
فهل كان هناك أولاد آخرون لآدم من "البنات"؟
ولماذا لم تَذكر الكتب السماوية لنا اسمَ واحدةٍ منهنَّ؟
في الحقيقة إننا لا نرى إلا ذكر أسماء البنين: "قايين، وهابيل، وشيث" ففي السنة المطهرة ورد ذكر "شيث" في مسند الإمام أحمد، وورد ذكر “قايين وهابيل وشيث” في الكتاب المقدس.
وهذا ما جعل بعض الباحثين يذهب إلى أن أبناء آدم كانوا ذكورًا، وأنهم تزوجوا من بنات تم خلقهم كخلق حواء لآدم، فجاء بعد ذلك نسل الذكور والإناث، وهذا ليبتعدوا عن القول بزواج المحارم أنه سُنة متوارثة من أيام آدم بلا دليل سوى التراث القصصي الذي لا سند له في الإسلام.
واستشهدوا على أن كون البنات خلقهم الله لأبناء آدم على طريقة خلق حواء بقول الله تعالى في سورة الروم: ((ومِن آياتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكم أَزواجًا لِتَسكُنوا إليها)) يعني أن الله جل جلاله يمتن على عباده أنه لم يُحْوِجْهم بل يَسَّر لهم الزواج من فتياتٍ خَلَقهم من أنفسهم، وهذا بصريح القرآن فيكون قد حصل على سبيل الحقيقة في أول عهد آدم عليه السلام.
والجدير بالاهتمام أن الله "جَلَّ في عُلاه" وصف هذا الخَلْق بقوله: (ومِن آياته)!
فما هي يا ترى هذه الآيات؟
وقالوا: أليس من معاني كلمة "آية" الأمر الخارق للعادة .. تمامًا كخلق حواء لآدم.
هذا ما رجَّحوه دون فرض رأي في الأمور الغيبيات.
نظرة في الكتب المقدس
أما في الكتاب المقدس فإن "قايين وهابيل" كذلك ليسا الولدين الوحيدين لآدم، فعندما نَفَى اللّٰه "قايين" وطرده بعيدًا في الأرض لأنه قتل أخاه "هابيل"، تذمر قائلا: «إنَّ كلَّ مَن وَجدني يقتلني». (سِفر التكوين ٤:١٤) فمن هؤلاء الذين خاف منهم قايين يا تُرى؟ يقول الكتاب المقدس: «وَكَانَتْ أَيَّامُ آدَمَ بَعْدَ مَا وَلَدَ شِيثًا ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ آدَمَ الَّتِي عَاشَهَا تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَمَاتَ».
(سفر التكوين ٥:٤)
فيبدو أن "قايين" ذلك الأخ القاتل، خاف أن ينتقم منه أحد أولاد آدم هؤلاء المذكورين.
وفي الختام
نكون في قصة قابيل وهابيل -أو "ابني آدم" كما وصفهما القرآن الكريم- قد عَرَفنا الفرق بين ما ثَبَت كأمر مُسَلَّم به وبين ما هو مَحَلّ نظر وبحث لا ينبغي الجزم فيه أو الحسم إلا بدليل من القرآن والسنة الثابتة أو التوقف والأدب القرآني بأن نقول: "الله أعلى وأعلم".
وصلى الله وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم