
نعيم ابن مسعود سهم رسول الله في صدر الأحزاب
نعيم بن مسعود: سهم الله الخفي في غزوة الأحزاب
كان نعيم بن مسعود الأشجعي من كبار زعماء قبيلة غطفان، رجلًا قوي الشكيمة، فارسًا شجاعًا، وصاحب رأي ومكانة بين قومه. كان معروفًا بالحكمة والدهاء، وله علاقات واسعة بين القبائل، خصوصًا مع بني قريظة ويهود المدينة.
وفي السنة الخامسة للهجرة، حين اجتمعت قريش وغطفان وبنو قريظة وحلفاؤهم من قبائل العرب واليهود لحصار المدينة في غزوة الخندق، كان نعيم في صفوف الأحزاب، عدوًا للمسلمين في الظاهر.
لكن في قلبه، كان يبحث عن الحقيقة.
في إحدى الليالي الباردة والموحشة من أيام الحصار، وبينما كان جيش الأحزاب يُعاني من البرد والجوع والقلق، ذهب نعيم خفية إلى المدينة، طالبًا مقابلة النبي محمد ﷺ.
دخل على رسول الله ﷺ في خيمته، وقال له:
"يا رسول الله، إني قد أسلمت، ولكن قومي لا يعلمون بإسلامي، فمرني بما شئت."
ابتسم النبي ﷺ لهذا الخبر المباغت، فقد كانت غطفان وقريش تطوق المدينة من الخارج، وبنو قريظة قد خانوا العهد من الداخل، والمسلمون في أزمة شديدة.
فقال له النبي ﷺ:
"إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة."
بدأ نعيم بن مسعود تنفيذ خطة ذكية لتفريق الأحزاب وزرع الشك بينهم. ذهب أولًا إلى بني قريظة، وكان صديقًا مقربًا لهم، فقال:
"تعلمون موقعي بين العرب، وإني لكم ناصح. إن قريشًا وغطفان ليسوا من أهل المدينة، وإن طال عليهم الحصار رجعوا إلى بلادهم وتركواكم لمحمد، فينتقم منكم شر انتقام."
قالوا: "فما ترى؟"
قال: "لا تقاتلوا مع قريش حتى يعطوكم رهائن من أشرافهم، ليكونوا بأيديكم إن رجعوا وخذلوكم."
ثم ذهب إلى قريش، وقال لهم:
"يا معشر قريش، إن بني قريظة ندموا على نقضهم للعهد مع محمد، وقد أرسلوا إليه أنهم سيأخذون منكم رهائن من أشرافكم، ثم يسلمونهم له كدليل على صدقهم. فلا تعطوهم أحدًا!"
ثم ذهب إلى غطفان، وقال لهم نفس الكلام، وزاد الشك بينهم.
وصلت الأخبار المتضاربة إلى الجميع، وبدأ الشك يعم المعسكر. أرسل قريش إلى بني قريظة يطلبون الخروج للقتال، فطلبت قريظة الرهائن أولًا، فرفضت قريش. وكل فريق بدأ يتهم الآخر بالخيانة.
وانهارت الثقة بين الحلفاء، وتسلل الخوف والريبة إلى قلوبهم. وجاءت ليلة عاصفة ممطرة أرسلها الله، قلبت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وخلعت أوتادهم. فأمر أبو سفيان بالانسحاب، وتبعه الأحزاب.
وبذلك انتهت غزوة الأحزاب دون قتال مباشر، وهُزم الأحزاب بخطة رجل واحد.
في صباح اليوم التالي، خرج المسلمون فوجدوا المعسكرات قد خلت. رفع النبي ﷺ يديه إلى السماء وقال:
"الآن نغزوهم ولا يغزوننا."
وكان من نتائج هذه الغزوة أن زال خطر الأحزاب، وانتهى نفوذ بني قريظة، وبدأت مرحلة جديدة من قوة الدولة الإسلامية.
أما نعيم بن مسعود رضي الله عنه، فقد ظل من الصحابة المخلصين، ومضى حياته مجاهدًا في سبيل الله، يروي قصته لكل من يسأله: كيف يكون رجل واحد سببًا في نصر أمة؟
العبرة من القصة:
- الإسلام لا يميز بين قديم وحديث، فالصادق يجد له مكانًا دومًا.
- الحكمة والبصيرة قد تكون أعظم من السلاح.
- الحرب خدعة، والنية الخالصة تصنع الفرق.
- النصر من عند الله، وقد يأتي بأضعف الأسباب.