الخوارج شرارة الغلو الأولى في الاسلام

الخوارج شرارة الغلو الأولى في الاسلام

0 المراجعات

الخوارج: النشأة والفكر والتأثير في التاريخ الإسلامي

مقدمة

يُعدّ الخوارج من أبرز الفرق التي ظهرت في صدر الإسلام، وكان لهم أثر عميق في الحياة السياسية والفكرية والعقدية في العالم الإسلامي، إذ مثّلوا أول انشقاق سياسي–عقدي في جسم الأمة الإسلامية، وتميّزوا بمواقفهم المتطرفة وممارساتهم العنيفة التي شكّلت تحديًا كبيرًا للدولة الإسلامية آنذاك.

 

أولاً: النشأة التاريخية

ظهرت فرقة الخوارج في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتحديدًا بعد موقعة صفين سنة 37 هـ، بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، حين قبل علي بالتحكيم لحقن دماء المسلمين. فخرجت جماعة من جيشه، رافضة للتحكيم، ورفعت شعار: "لا حكم إلا لله"، وعدّوا عليًا قد أخطأ بقبوله التحكيم، وكفروا من قبله، ومن هنا جاءت تسميتهم بـ"الخوارج" لخروجهم على الإمام الشرعي.

 

ثانيًا: العقيدة والأفكار

تميز الخوارج بعدة أفكار شكلت معالم مذهبهم، وأهمها:

التكفير بالمعصية: يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، ويُخلد في النار، وقد كفّروا الصحابة كعلي ومعاوية وعمرو بن العاص بسبب مواقفهم السياسية.

الخروج على الحاكم الجائر: أوجبوا الخروج على الحاكم الذي لا يطبّق شرع الله، حتى لو أدى ذلك إلى الفتنة وسفك الدماء.

المساواة في الحكم: رفضوا قريشية الخلافة، واعتبروا أن أي مسلم، مهما كان أصله، يمكن أن يكون إمامًا إذا كان تقيًا.

التجرد من العصبية القبلية: دعوا إلى التجرد من الانتماء القبلي، واعتبروا الانتماء للدين هو الأساس.

التحكيم لله وحده: رافضين تدخل البشر في حكم الله، ومعتبرين كل تحكيم بشري تعديًا على سلطة الله.

 

ثالثًا: الفرق الخارجة

تفرعت عن الخوارج عدة فرق، أبرزها:

الأزارقة: من أكثرهم تطرفًا، كفّروا جميع المسلمين ما عداهم، واستباحوا دماءهم وأموالهم.

النجدات: أقل تطرفًا، وتسامحوا مع بعض المخالفين.

الإباضية: وهي الفرقة الوحيدة من الخوارج التي بقيت إلى اليوم، وهي معتدلة مقارنةً بغيرها، وتنتشر في سلطنة عمان وبعض مناطق شمال إفريقيا.

 

رابعًا: موقف علماء الإسلام منهم

أجمع علماء أهل السنة والجماعة على ضلال الخوارج، مع اعتبارهم من المسلمين، ما داموا لم يُنكروا أصول الدين. وقد ورد في حديث النبي ﷺ:

"يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"
(رواه البخاري ومسلم)، في وصفه للخوارج.

وكان ابن عباس قد ناظرهم، ورد عليهم بالحجة، وعاد كثير منهم إلى صفوف المسلمين. كما واجههم علي بن أبي طالب في معركة النهروان سنة 38 هـ، وقُتل أكثرهم فيها.

 

ترك الخوارج أثرًا طويل الأمد في التاريخ الإسلامي، وقد مثلوا النموذج الأول للتطرف الديني المسلح في الإسلام، ما جعلهم مادة خصبة للدراسات المعاصرة حول الفكر التكفيري والجماعات المسلحة. كما أن بعض الجماعات المتطرفة الحديثة تُعدّ امتدادًا لأفكار الخوارج، رغم اختلاف السياقات.

 

خاتمة

إن تجربة الخوارج تحمل دروسًا كثيرة للمسلمين، أبرزها خطورة الغلو في الدين، وضرورة ضبط الفهم الشرعي للنصوص، وعدم استعجال التكفير والخروج على الجماعة. وقد نبّه النبي ﷺ إلى خطر هذه الفئة، مما يجعل من دراسة تاريخهم وفكرهم أمرًا ضروريًا لفهم ظاهرة التطرف في الماضي والحاضر.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

6

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة