قصة سألتزم غدًا

قصة سألتزم غدًا

0 المراجعات

" سألتزم غدًا "

ضوضاء شديدة تعم المكان، وذلك شيء طبيعي في مثل هذا التوقيت من النهار وبلأخص في هذا المقهي الذي يقبع أمام الجامعة، حيث يذهب إليه معظم الطلاب في وقت الراحة، وكان من ضمنهم فتاتان يستقران على إحدى الطاولات التي توجد في زاوية المقهي بجانب النافذة تحديدًا. 

الفتاة الأولى ترتدي بنطالاً من خامة الجينز وبلوزة قصيرة، وحجابًا تُخرِج منه بضعة شعيرات من شعرها، ولا تضع دبوسًا لتحكم به الحجاب حول رقبتها فكان طرفا الحجاب يعطيان الحرية الكاملة للرياح لتحركهما في أي تجاه تشاء، وتلك الطريقة في لف الحجاب منتشرة بين شابات الجيل الحالي بشكل غير عادي، جعلوا الحجاب الذي كان الغرض الرئيسي لفرضه هو الستر، إلى موضة يتادولونها فيما بينهم. 

كانت الفتاة الثانية لا تختلف كثيرًا عن الأولى إلا من بعض مساحيق التجميل، لتقول لها بإستفهام وهي ترتشف من كوب القهوة الموضوع أمامها: 

_ ما بكِ (ليلى)؟ تبدين منزعجة. 

نظرت للنافذة بجوارها تتطلع إلى المارة بشرود قبل أن تجيبها بحزن: 

_تشاجرت مع أبي قبل خروجي من المنزل هذا الصباح. 

_ لماذا؟ ما الذي حدث؟ 

_ يريدني أن أغير من طريقة ارتدائي للحجاب وملابسي. 

أجابتها (روز) بتنهيدة وهي ترجع ظهرها للوراء: 

_ألم ننتهِ من هذا الموضوع؟ 

ردت عليها بنبرة مضطربة ظهرت واضحة في حديثها: 

_ أنا حقًا أودُ أن أتغير، لكنني أريد أن أستمتع قليلًا قبل ارتدائي الحجاب والزي الشرعي، مثلي مثل باقي زميلاتي. 

صمتت برهةً قبل أن تكمل بصدق: 

_ لكنني أعقد نية ارتداء الزي الشرعي، بعد تخرجي من الجامعة وأحصل على الوظيفة. 

_ ومن قال لكِ، أنكِ ستظلين على قيد الحياة إلى مجيئ ذلك الوقت؟

كانت تلك كلمات الفتاة التي تقبع في الطاولة المجاورة لهم، التي قامت متوجهة إلى طاولة الصديقتين قائلة بإبتسامة : 

_ هل يمكنني أن أجلس معكم قليلًا؟ 

كانت فتاة جميلة مختمرة ترتدي زيًّا واسعًا وتمتلك وجهها بشوش يجعلك تبتسم لها، لتجيبها (ليلى) بإبتسامة وهي تشير للمقعد بجوارها: 

_ بالطبع تفضلي. 

لتجلس بهدوء ومازالت تلك الإبتسامة اللطيفة على وجهها، قبل أن تتحدث قائلة بهدوء: 

_ أعتذر على تدخلي في حديثكما، لكن ما سمعته ذكرني بشيء حدث في الماضي، ولا يمكنني السكوت عنه. 

صمتت ونظرت إلى (ليلى) معيدة عليها سؤالها الذي طرحته منذ البداية: 

_ من أخبركِ، أنكِ سوف تعيشين إلى ذلك اليوم. 

كان ذلك سؤال مباغت لها لم تتوقع أن يسألها أحد مثل هذا السؤال، نظرت لها بإستغراب وإرتباك في نفس الوقت، هي نفسها لا تعرف إجابة لهذا السؤال، ولم تفكر في إحتمالية موتها قبل مجيئ الوقت الذي ستلتزم فيه وترتدي الحجاب والزي الشرعي بطريقة صحيحة، مجرد التفكير في الأمر يجعل قلبها يخفق بشدة. 

رفعت الفتاة الحرج عنها بقولها: 

_ سأحكي لكما قصة حدثت منذ ما يقرب العشرة سنوات. 

هزت الفتاتان رأسيهما بالموافقة لتبدأ هي بسرد قصتها وهم يولونها كامل أهتمامهم: 

_ كان هناك صديقتين عائدتان من الجامعة بعد إنتهاء محاضرات ذلك اليوم، متجهين إلى أحد المقاهي ليجلسوا معًا قليلًا قبل ذهابهما إلى المنزل، وأثناء جلوسهم شاهدتهم زميلة لهم في الجامعة، فتقدمت إليهم مرحبا بإبتسامة فبادلوها بالمثل، وعرضوا عليها الجلوس معهم فقبلت وجلست، مستغلة ذلك الوقت فهي منذ مدة تريد أن تتحدث معهم وترشدهم إلى الصواب فكانت الصديقتين طريقة ارتدائهم للحجاب والملابس تشبهكم إلى حد كبير. شرعت الفتاة في حديثها بهدوء ناصحة إياهم عن ضرورة ارتداء الحجاب بطريقة صحيحة، وعدم ارتداء الملابس الضيقة والبناطيل، وإقامة الصلاة، مدللِة على أقوالها بأحاديث وآيات قرآنية، وحثتهم على الإبتداء من اليوم قبل الغد لأنهم لا يدرون في أي ساعة قد يرحلون، هكذا ختمت الفتاة حديثها قبل أن تنهض لترحل متمنية لهم الهداية. 

كلامها أثر بهم إلى حدًا ما، وعقدت الصديقتان النية على الإلتزام في الصلاة وارتداء الحجاب بطريقة صحيحة. لكن مرّ يوم إثنان ثلاثة، ولم يبدأو في ما خططوا له، كان كل يوم يمر عليهم يقولوا سألتزم غدًا، إلا إن جاء ذلك اليوم. 

كانت الصديقتين عائدتين كالعادة من الجامعة ذاهبتان إلى المقهى، لتمر إحدى الفتاتين الطريق ولم ترى السيارة الأتية بسرعة من الإتجاه المعاكس، ولم يُسمَع سوى صوت إصطدام وصراخ الفتاة. 

كانت (روز)  تضع يدها على فمها من الصدمة لا تصدق ما تسمعه، و(ليلى) بدأ الدمع ينهمر من عينيها وهي تقول برجاء وصوت مهتز نتيجة تحكمها في دموعها: 

_  قولي لي أرجوكِ إنها لم تَمُت. 

نظرت الفتاة لهما بعد أن أزالت دموعها وقالت بحزن ظهر واضحة في حديثها: 

_ للأسف الشديدة توفيت. 

وهنا لم تستطيع الفتاتان أن يتماسكا وشرعا في البكاء، لتستردف الفتاة المختمرة بعد أن ارتشفت القليل من الماء: 

_ توفيت قبل أن ترجع لربها، توفيت قبل أن تستقيم في صلاتها، ستقف أمام الله وهي ترتدي ما حرمه ويُغضِبه. 

سألتها (روز) بعد إن تمالكت نفسها: 

_ ما الذي حلّ بصديقتها؟  

أجابتها وهي تنظر لها : 

_ حزنت وبكت وظلت أيامًا في المنزل ولم تخرج، وعندما خرجت... 

أستردفت بإبتسامة صغيرة: 

_ خرجت مرتدية الخمار وملابس واسعة، خرجت بعد أن أدركت أن الموت لا ينتظر أحد، لا ينتظر أن تلتزمي، بل يجب عليكِ أن تبدأي بالتقرب إلى الله من اليوم قبل الغد، من تلك الساعة ومن تلك الدقيقة قبل الدقيقة التي تليها. 

حمدت الله إنها لم تكن محل صديقتها، لا تعرف كيف كانت ستقابل ربها لو كانت مكانها؟ 

كيف كانت ستقف أمامه؟ 

الحمدلله أنه أرجعها إليه قبل أن يأتي موعدها. 

كانت تدعو لصديقتها في كل وقت وفي كل صلاة أن يغفر لها. 

 نظرت (ليلى) إليها قائلة بعدما هدأت: 

_ هل تعرفين ما أسم هاتين الصديقتين؟ 

هزت رأسها بنعم ثم أجابتها وهي تغمض عينيها: 

_ ريم ومريم…ريم هي من توفيت.

نهضت الفتاة بعد أن أعطت رقمها لهم، وتحركت لكي تذهب، وهي تقول لهم بإبتسامة: 

_ هيا، أستودعكم الله. 

بادلونها الإبتسامة مع هزة رأس طفيفة، قبل أن ينظروا لبعض حامدين الله، أنه بعث إليهم هذة الفتاة لتوقظهم من غفلتهم قبل فوات الآوان. 

 نهضوا وهم عاقدين كل العزم على الإبتداء اليوم بالإلتزام بالصلاة وشراء ملابس واسعة، هم لا يعلمون ربما لا يأتي الغد. 

عندما خرجوا من المقهى وجدوا الفتاة التي جلست معهم بالداخل فتقدمت (روز) إليها متسألة بإبتسامة : 

_ لم تخبرينا ما أسمكِ؟ 

نظرت لها قائلة وهي تبادلها الإبتسامة: 

_ مريم، أُدعى مريم. 

هزت الصديقتان رأسيهما مودعين إياها، ولم يكادوا يتحركوا، حتى أستوعبوا تشابه الأسماء ريم ومريم، وتلك الفتاة تدعى مريم، أيعقل أن تكون تلك الفتاة هي ذاتها مريم صديقة ريم؟!! 

لينظروا خلفهم سريعًا، ليجدوها تبتسم لهم وكأنها تؤكد أن ما وصلوا إليه صحيح نعم

هي ذاتها مريم. 

ذاتها مريم من القصة، لكن ليست ذاتها تمامًا، الثانية كانت تعصي الله، أما هذة رجعت إلى ربها قبل فوات الآوان، فأرجعوا أحبتي إلى الله، هذة الدنيا فانية ولا تستحق أن تدخلي نار جهنم من أجلها. 

فقومي الآن قبل الغد، ولا تقولي سألتزم غدًا. 

تمت بحمد الله. 

"قولي لي لماذا؟! 

لماذا لا ترتدي الحجاب بطريقة صحيحة؟ 

هل من أجل الموضة أم من أجل أصدقائك الذين فعلوا ذلك فقمتِ أنتِ الأخرى بفعله؟ 

هل برأيكِ ذلك سببٌ مقنع لتواجهي به الله، عندما يسألك عن حجابك؟ 

لا والله ليس سببًا من الأساس.

أرجعي إلى الله عزيزتي، فهناك لحظة رحيل ليس لها وقت، فاستقيمي يرحمكِ الله." 

 

_ أشرقت عبدالسلام.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة