
قصة سيدنا يونس عليه السلام
قصة سيدنا يونس عليه السلام: دروس وعِبر خالدة في الصبر والتوبة
تُعد قصة سيدنا يونس عليه السلام من أعظم القصص القرآنية التي تحمل بين طياتها رسائل خالدة عن الصبر، واليقين، والعودة إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة. فقد ذكره الله عز وجل في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وجعل قصته عبرة للمؤمنين ودليلاً على أن الفرج يأتي بعد الشدة، وأن رحمة الله أوسع من كل خطيئة.
دعوة سيدنا يونس لقومه
أرسَل الله تعالى نبيَّه يونس بن متى عليه السلام إلى أهل مدينة نينوى، في أرض الموصل بالعراق، ليهديهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الأصنام. لكن قومه كذّبوه، وأصرّوا على الكفر، فما كان من سيدنا يونس إلا أن دعاهم مرارًا وتكرارًا، فلم يجد منهم إلا العناد والاستهزاء.
عندها شعر بالغضب واليأس من هدايتهم، فخرج من بينهم دون أن يأذن الله له بالرحيل، ظانًّا أن العقاب سيحلّ بهم سريعًا.
يونس في بطن الحوت
بعد أن خرج سيدنا يونس عليه السلام من قومه، ركب البحر مع جماعة من الناس في سفينة. وأثناء الرحلة، هاجت الأمواج واضطرب البحر حتى كاد يغرق الركّاب. فاتفقوا على إلقاء أحدهم في البحر لتخفيف الحمل. فوقع الاختيار على يونس عليه السلام ثلاث مرات متتالية بعد إجراء القرعة.
فلم يجد بدًّا من إلقاء نفسه في البحر، فابتلعه حوت عظيم بأمر الله عز وجل، دون أن يؤذيه أو يمسّه بأذى.
في بطن الحوت، وفي أعماق الظلام – ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت – أدرك يونس عليه السلام أنه استعجل أمر الله وغادر قومه قبل الإذن. وهناك لجأ إلى الدعاء والتضرع، فقال:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
سورة الأنبياء: 87
.
هذا الدعاء العظيم صار مفتاحًا للفرج لكل مهموم ومكروب، فقد استجاب الله له وأنقذه من الكرب العظيم.
معجزة النجاة
استجاب الله عز وجل لدعاء يونس عليه السلام، فأمر الحوت أن يقذفه إلى الشاطئ، فخرج منه ضعيفًا منهكًا جسديًا، لكن قلبه كان عامرًا بالإيمان واليقين.
قال تعالى:
﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾
الصافات: 145-146
.
أنبت الله له شجرة من يقطين تظله وتحميه، حتى استعاد قوته وعافيته. وبعدها أمره الله أن يعود إلى قومه ليدعوهم من جديد.
إيمان قومه
حين رجع يونس عليه السلام إلى قومه، وجد أن الحال قد تغيّر. فقد أنزل الله على أهل نينوى العذاب، لكنهم تابوا إليه وندموا على ما فعلوا، فرفع الله عنهم العذاب، وآمنوا جميعًا بالله الواحد الأحد.
قال تعالى:
﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ﴾
يونس: 98
.
فكانوا الأمة الوحيدة التي آمنت بنبيها جميعًا، فنجوا من الهلاك وحظوا برحمة الله.
الدروس والعِبر من القصة
1. الصبر في الدعوة إلى الله
فمهما واجه الداعية من صدود وعناد، يجب أن يتحلى بالصبر ولا يستعجل النتائج.
2. التوبة والرجوع إلى الله
دعاء يونس عليه السلام مثال للتوبة الخالصة والاعتراف بالذنب، وهو دعاء ينقذ كل مهموم إذا لجأ به إلى الله.
3. رحمة الله الواسعة
فرغم خطأ يونس عليه السلام في مغادرة قومه دون إذن، فإن الله تعالى غفر له وأنجاه.
4. الفرج بعد الشدة
كما أخرج الله يونس من بطن الحوت، فإن المؤمن مهما اشتدت به المصائب فله في رحمة الله أمل لا ينقطع.
5. أهمية الدعاء
الدعاء هو السلاح الأقوى للمؤمن، وبه يرفع الله البلاء ويبدل الحال إلى أحسن حال.
خاتمة
إن قصة سيدنا يونس عليه السلام تعلمنا أن اليأس لا مكان له في حياة المؤمن، وأن الله تعالى قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه. فكما نجّى نبيه من ظلمات البحر وبطن الحوت، فهو قادر أن ينجّي عباده من كل كرب وهمّ.
لذلك يظل دعاء يونس عليه السلام شعارًا لكل مسلم: