النخلة التي علّمت القلب معنى الرضا
قصة صاحب النخلة: حكمة تُثمر على مرّ السنين
في إحدى القرى القديمة، كان يعيش رجلٌ مسنّ يُدعى سالم. كان معروفًا بين الناس بالهدوء وحسن الخلق، لكن لم يكن له مال كثير ولا أرض واسعة يورّثها لأبنائه. لم يكن يملك سوى نخلة واحدة غرَسها بجانب بيته قبل عشرات السنين، وكانت تلك النخلة شاهدة على عمره، وعلى فقره، وعلى صبره الطويل مع الحياة.

كانت النخلة تعطي ثمرًا قليلًا، بالكاد يكفي حاجة الأسرة، لكن سالم كان يقول دائمًا لأبنائه:
"البركة ليست في كثرة الشيء، بل في صدق النية وحسن التوكل."
كان جاره، وهو رجل ثري يُدعى ناصر، يملك بستانًا كبيرًا من النخيل، يمتد بصر الناظر فيه فلا يرى آخره. ورغم ذلك، لم يكن ناصر يعرف معنى القناعة. كان دائم الطمع، لا يرضى إلا بامتلاك المزيد، حتى لو لم يحتج إليه.
وذات يوم، لاحظ أن نخلة سالم قريبة من حدود بستانه، وأن ظلّها يمتد أحيانًا إلى جزء صغير من أرضه. فذهب إلى سالم يعرض عليه شراء النخلة. لم يكن عرضًا عاديًا، بل دفع فيها مبلغًا كبيرًا، أكبر بكثير من قيمتها.
ابتسم سالم وقال له بلطف:
"يا ناصر، هذه النخلة عشتُ معها عمري كله، وكانت في كل عام تذكرني بأن الرزق من الله وحده. لا يميل قلبي لبيعها."
غضب ناصر لرفضه، لكنه عاد بعد أيام ومعه عرض أكبر. فرد سالم بنفس الهدوء:
"يا أخي، ما عند الله خير وأبقى، ولن يعوّضني المال حلاوة هذا الظل الذي تربيت تحت ضوئه."
كان ردّه صادمًا لناصر، فقرّر أن يضغط عليه. بدأ يشكو لسكان القرية بأن سالم يمنع عنه حقه في الأرض، ثم حاول استخدام نفوذه ليضيق عليه. كل ذلك وسالم صابر لا يردّ الإساءة بإساءة.
وذات ليلة، جلس سالم مع أبنائه وقال لهم:
"اعلموا يا أبنائي أن الإنسان قد يُختبر بما يملك، وقد يُختبر بما يُسلب منه. المهم ألا نخسر أخلاقنا مع الله."

الموقف الحاسم
بعد أسابيع، اشتدّ جفاف شديد في القرية. لم يعد الماء يصل إلى البساتين إلا بصعوبة، ولا النخيل يثمر كالسابق. بدأ الناس يخافون على رزقهم ومحاصيلهم.
وفي ذلك الوقت، حدث ما لم يتوقعه أحد.
كانت نخلة سالم، رغم صغرها وقلة ثمرها، أكثر النخل صمودًا أمام الجفاف. كانت تُسقط ثمارًا قليلة، لكنها كانت رطبة وممتلئة على خلاف بستان ناصر الذي بدأ يجف بسرعة.
غضب ناصر وقال لنفسه:
"كيف تصمد نخلة واحدة أكثر من بستاني كله؟"
وفي ليلة من الليالي، خرج ليتفقد أرضه فرأى سالمًا مُنشغلًا في سقي نخلته بما تبقّى من ماء جمعه في بيته. لم يكن الماء يكفي لشيء كبير، لكنه كان يسقيها وكأنها شيء ثمين.
اقترب ناصر وقال له:
"يا سالم، نخلة واحدة تعطيك ما لا يعطيه لي مئة نخلة! ما سرّها؟"
ابتسم سالم وقال:
"ليس في النخلة سر يا ناصر… السرّ في القلب. هذه النخلة رويتها بالصبر، وحفظتها بالرضا، وتوكلت فيها على الله. ومن يتوكل على الله فهو حسبه."
سكت ناصر، وكأن كلمات سالم أصابته في أعماقه.

لحظة التحول
بعد أيام، نفد الماء تمامًا من بستان ناصر، فبدأت نخيله تسقط واحدة تلو الأخرى. شعر بالهزيمة، لكنه وجد نفسه يذهب إلى سالم دون تكبّر.
قال له بصوت منخفض:
"هل تُعلّمني كيف صبرت؟ وكيف جعلت من نخلة واحدة رزقًا مباركًا؟"
ابتسم سالم وأجابه:
"أول الطريق أن تعرف أن الدنيا لا تُقاس بالملك، بل بما يجعلك قريبًا من الله. أنت تملك الكثير، لكن قلبك مشغول بالخوف من الفقد. أما أنا فلا أملك إلا قليلًا، لكني أعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا."
تأثر ناصر بكلامه، وبدأ يرى الأمور بنظرة جديدة. زار المسجد، وأصبح أكثر تواضعًا، وبدأ يوزع بعض ثمار بستانه على الفقراء. شيئًا فشيئًا تغيّر سلوكه، وصارت علاقته بسالم أفضل مما كانت عليه.

الخاتمة: درس يبقى في الذاكرة
مرت سنوات، وكبرت أبناء سالم، وكبرت النخلة معهم. صارت رمزًا للحكمة والصبر والرضا. أما ناصر، فأعاد ترتيب حياته كلها، وأصبح من أكثر الناس عطاءً بعد أن تعلم أن الرزق لا يأتي بالقوة، بل يأتي بالبركة.
صار الناس في القرية يرددون:
"تعلموا من نخلة سالم… ومن قلب سالم."
وهكذا بقيت النخلة شاهدة على قصة تُعلّم أهل القرية جيلاً بعد جيل أن:
- البركة أهم من الكثرة
- الصبر يغيّر القدر أحيانًا
- الرضا يفتح الأبواب التي يعجز عنها المال
- وأن النية الطيبة تُنبت ثمرًا لا يجفّ أبدًا