من المجوسية إلى نور الإسلام: سيرة سلمان الفارسي

من المجوسية إلى نور الإسلام: سيرة سلمان الفارسي

0 المراجعات

قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه في رحلة البحث عن الحق

كان سلمان الفارسي رضي الله عنه مثالًا حيًّا للباحث عن الحقيقة، فقد وُلِد في بلاد فارس ونشأ في بيت مجوسيّ يعبد النار، وكان أبوه شديد الحرص عليه حتى حبسه في البيت ليبقى قريبًا منه. ومع ذلك لم يملأ قلب سلمان عبادة النار ولا وجد فيها طمأنينة، فظل يبحث عن نور الهداية.

في يوم من الأيام مرَّ سلمان بكنيسة للنصارى، فدخلها وسمع أصواتهم وصلواتهم، فأعجبه ما رأى وقال: "والله إن هذا الدين خير من ديننا". فذهب إلى القسيس وسأله عن أصل هذا الدين، فأخبره أنه في الشام. فترك سلمان بيت أبيه وأهله وماله، وخرج مهاجرًا إلى الشام بحثًا عن الحق.

هناك لقي عالمًا من علمائهم، فمكث عنده يخدمه ويتعلم منه. لكنه اكتشف أن هذا الرجل كان سيئ السيرة، يجمع الصدقات لنفسه ويخزن الذهب والفضة. فحزن سلمان لذلك، ولكنّه صبر حتى مات الرجل، ثم التحق بعالم آخر كان تقيًا صالحًا، فازداد علمًا وإيمانًا. وظل يتنقّل بين الرهبان الصالحين حتى أوصى له آخرهم قبل موته أن يذهب إلى الحجاز، حيث سيظهر نبيّ آخر الزمان الذي يدعو إلى ملّة إبراهيم الحنيفية.

سمع سلمان بهذه البشارة فاشتاق لرؤية هذا النبي. وفي طريقه إلى الحجاز، تعرّض للغدر حين باعه بعض التجار كعبد ليهودي من بني قريظة بالمدينة. وهناك عاش في الرق، يكدح في نخيل سيده وهو يترقب بعثة النبي ﷺ.

وذات يوم جاءه خبر أن رجلًا في مكة يزعم أنه نبي، فأخذ سلمان يترقب، حتى هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة. فذهب سلمان يحمل بضع تمرات يختبر بها النبي: فقد كان من علامات النبوة ألا يأكل من الصدقة، ويأكل من الهدية، وأن بين كتفيه خاتم النبوة.

جاء سلمان إلى النبي ﷺ وقال: هذه صدقة. فدفعها إلى الصحابة، ولم يأكل منها شيئًا. فقال سلمان في نفسه: هذه علامة. ثم جاءه في يوم آخر بهدية، فأكل منها النبي ﷺ وأطعم أصحابه، فازداد يقينه. ثم تحيّن الفرصة حتى نظر إلى ظهر النبي ﷺ فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، فبكى سلمان وارتمى على رسول الله ﷺ يقبّل يديه ويقص عليه رحلته الطويلة في طلب الحق.

فرح به النبي ﷺ وأخبر أصحابه بفضله، وشارك سلمان في بدر وأُحد والخندق. بل كان هو صاحب فكرة حفر الخندق حول المدينة يوم الأحزاب، وهي خطة لم يعرفها العرب من قبل، فكانت سببًا في إنقاذ المسلمين.

ولم يقف جهاد سلمان عند الحرب فقط، بل عاش زاهدًا عابدًا، ترك الدنيا وراء ظهره، وكان أميرًا على المدائن في العراق، ومع ذلك عاش متواضعًا حتى وصفه الناس بأنه "العالم الزاهد العابد".

إن قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه تعطينا دروسًا عظيمة:

أن البحث عن الحق يحتاج صبرًا وتضحية.

أن الهداية لا تعرف نسبًا ولا وطنًا، فها هو رجل فارسي يجد النور في الإسلام.

أن الصدق والإخلاص يرفعان الإنسان حتى يبلغ أعظم المنازل.

 

رحم الله سلمان الفارسي، فقد كان بحق مثال الباحث الصادق عن الحق حتى وجده بين يدي النبي ﷺ. وقد ظل سلمان الفارسي رضي الله عنه بعد إسلامه مثالًا للمؤمن الصادق، يعلّم الناس العلم، ويغرس فيهم روح الزهد والورع، حتى كان يقول: "كفى بالمرء زهدًا أن يعلم أن الموت يطلبه، وكفى بالمرء علمًا أن يخشى الله".

كان سلمان رضي الله عنه شديد الحب للقرآن، يتدبر آياته ويعيش مع معانيه، وكان يذكّر الناس دائمًا بأن الدنيا ممرّ لا مقرّ، وأن الفوز الحقيقي هو بلقاء الله تعالى. ترك إرثًا خالدًا من الحكمة والصدق والإيمان.

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة