"إبراهيم عليه السلام: أبو الأنبياء ورمز الإيمان والتحدي"

"إبراهيم عليه السلام: أبو الأنبياء ورمز الإيمان والتحدي"

0 reviews

 

 

حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام: أبو الأنبياء وصراعه مع النمرود

يُعَدّ سيدنا إبراهيم عليه السلام واحدًا من أعظم الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى البشر، حتى لُقِّب بـ أبي الأنبياء لأن معظم الأنبياء من بعده جاءوا من نسله المبارك، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى، وصولًا إلى سيدنا محمد ﷺ. وقد ورد ذكره في القرآن في مواضع عديدة، وجُعلت له مكانة خاصة في الديانات السماوية الثلاث: الإسلام واليهودية والمسيحية.

نسبه ونشأته

وُلد سيدنا إبراهيم عليه السلام في أرض بابل بالعراق، في زمن كان فيه الناس غارقين في عبادة الأصنام والنجوم والكواكب. يُقال إن والده كان يُسمى "آزر"، وكان من صانعي التماثيل التي يعبدها الناس. لكن إبراهيم منذ طفولته كان قلبه متعلقًا بالتفكر في خلق الله، رافضًا أن تكون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع هي الآلهة التي تُعبد.

نشأ في بيئة يغلّفها الكفر والشرك، لكنه تميز بعقل متأمل، وقلب متصل بالفطرة السليمة. ومنذ شبابه بدأ يناقش قومه وأباه بالحجة والمنطق، محاولًا أن يفتح أعينهم على بطلان ما يعبدون.

دعوته الأولى ومواجهته للأصنام

بدأ إبراهيم دعوته بتفنيد عبادة الأصنام. كان يجادل قومه ويبيّن لهم أن هذه التماثيل لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر. وفي إحدى المرات، كسر الأصنام جميعها وترك كبيرهم فقط، وعلّق الفأس على عنقه. وعندما سألوه من فعل هذا، قال لهم: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾. هنا أراد أن يوقظ عقولهم، لكنهم عاندوا وأصروا على كفرهم، وقرروا أن يحرقوه بالنار.

معجزة النار

جمع قومه حطبًا عظيمًا وأشعلوا نارًا ضخمة لم يُرَ مثلها من قبل، ثم ألقوا إبراهيم فيها باستخدام منجنيق. لكن الله تعالى أنجاه بمعجزة خالدة، فقال للنار: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾. فخرج من النار سالمًا دون أن يصيبه أذى. كانت هذه آية عظيمة على أن الله يؤيد أولياءه ويخذل أعداءه.

قصة إبراهيم مع النمرود

من أبرز محطات حياة إبراهيم عليه السلام مواجهته مع الملك الجبّار النمرود بن كنعان، الذي كان ملكًا على بابل. كان النمرود ملكًا متكبرًا، يدّعي الألوهية ويستعبد الناس بقوته وسلطانه.

لما سمع بدعوة إبراهيم إلى عبادة الله وحده، استدعاه إلى مجلسه ليحاجّه أمام الناس. دار بينهما حوار عظيم سجّله القرآن في قوله تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258].

شرح الحوار

قال إبراهيم: "ربي الذي يحيي ويميت"، أي الله هو الخالق الذي يهب الحياة ويسلبها.

رد النمرود مغالطًا: "أنا أحيي وأميت"، وأمر بإطلاق سراح رجل محكوم عليه بالقتل وقتل آخر، زاعمًا أن هذا إحياء وإماتة.

عندها انتقل إبراهيم لحجة أوضح: "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب". هذه حجة قاطعة لا يستطيع مخلوق أن ينكرها أو يناقضها.

فبهت النمرود وسكت عاجزًا أمام الناس.

نهاية النمرود

تذكر بعض الروايات أن الله سلط على النمرود جندًا من أضعف مخلوقاته، وهي البعوض. دخلت بعوضة إلى أنفه حتى وصلت دماغه، فكانت تضرب رأسه وتؤلمه، حتى مات على هذه الحال ذليلًا. لتكون نهايته عبرة للطغاة والمتجبرين في الأرض.

هجرة إبراهيم ودعوته في الأرض

بعد أن اشتد كفر قومه وعنادهم، هاجر إبراهيم عليه السلام بأمر الله. خرج من بابل إلى بلاد الشام وفلسطين، ومعه زوجه سارة ولوط عليه السلام. قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

وفي فلسطين عاش فترة طويلة يدعو الناس إلى التوحيد، ثم ابتلاه الله بأمر الهجرة إلى مكة المكرمة مع زوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل. وهناك رفع قواعد الكعبة مع ابنه، لتكون بيتًا لعبادة الله وحده.

مواقفه العظيمة الأخرى

رؤيا الذبح: ابتلى الله إبراهيم بأن رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل. وعندما أخبر ابنه، أجاب إسماعيل برضا: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾. فلما أسلما لأمر الله، فداه الله بذبح عظيم.

ضيافته للملائكة: جاءته الملائكة في صورة رجال، فبادر إلى إكرامهم بالعجل السمين، ثم بشّروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.

دعاؤه لفلسطين ومكة: كان إبراهيم كثير الدعاء لنسله وديارهم، فدعا لمكة أن تكون بلدًا آمنًا وأن يرزق أهلها من الثمرات.

وفاته ومكان دفنه

توفي سيدنا إبراهيم عليه السلام عن عمر يقال إنه تجاوز 170 عامًا، ودفن في مدينة الخليل بفلسطين، حيث يوجد اليوم مسجد إبراهيم الذي يضم قبور عدد من الأنبياء.

الدروس والعبر من حياة إبراهيم

قوة الحجة: كان مثالًا في الحوار العقلي الهادئ لإقناع الناس بالحق.

الثبات على الحق: لم يخف من النار ولا من الملك الجبار.

التوكل على الله: في كل ابتلاء كان يسلم أمره لله.

قدوة في الهجرة: ضحى بوطنه وأهله لأجل الدعوة.

الإيمان واليقين: لم يتردد في تنفيذ أوامر الله مهما كانت صعبة، كقصة الذبح.

الخاتمة

حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام تمثل نموذجًا خالدًا للإيمان الراسخ، والحوار الحكيم، والصبر على البلاء، والتوكل على الله. أما قصته مع النمرود فهي دليل واضح على أن الطغاة مهما علا شأنهم فهم ضعفاء أمام حجة الحق، وأن الله قادر على إذلالهم بأهون المخلوقات. لقد كان إبراهيم أمة وحده، كما وصفه القرآن: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

2

followings

3

similar articles