
رحيل بلا إنذار
رحيل بلا إنذار
كان يوسف شابًا في الخامسة والعشرين من عمره، عرفه الجميع بطيبة قلبه وابتسامته التي لا تفارقه. كان محبوبًا بين أصدقائه، بارًّا بوالديه نسبيًا، لكنه غارق في دوامة الدنيا. لم يكن فاسدًا، لكنه كان يعيش بلا هدف واضح، يلهو ويؤجل الصلاة أحيانًا، ويقول مبتسمًا: "سأتوب لاحقًا، فما زال العمر أمامي طويلًا."
كانت أمه كثيرًا ما تذكّره:
– "يا بني، صلِّ قبل أن تنام، فربما لا تستيقظ غدًا."
فيضحك ويقول:
– "أماه، لا تقلقي، ما زلت شابًا، الموت للكهول والمرضى."
لم تكن كلماته سوى غفلة اعتادها، ولم يدرك أن الموت لا يفرّق بين صغير وكبير، ولا بين صحيح وسقيم.
في إحدى الليالي، اجتمع يوسف مع أصدقائه في مقهى بالحي. تبادلوا الضحكات والقصص، وتحدثوا عن أحلامهم ومشاريعهم القادمة. جلس يوسف بينهم يخطط كيف سيسافر ويستمتع بالحياة، ولم يذكر الآخرة مرة واحدة.
عاد متأخرًا إلى البيت، وألقى بجسده المرهق على سريره. قبل أن يغمض عينيه، خطرت بباله وصية أمه: "صلِّ قبل أن تنام."، لكنه قال في نفسه: "غدًا أصلّي الفجر وأتوب، فما زال الوقت طويلًا."
أغمض عينيه وهو يبتسم… لكن عينيه لم تفتح بعدها أبدًا.
في الصباح، دخلت أمه غرفته لتوقظه على صلاة الفجر، فوجدته ساكنًا كأنه نائم بعمق. اقتربت منه، ناديته فلم يجب. هزّت كتفه، فإذا بجسده بارد، ووجهه قد علاه شحوب غريب. صرخت باسمه مرارًا: "يوسف! يوسف!"، لكن لا حياة لمن تنادي.
عمّ الصراخ البيت، واجتمع الأهل والجيران، والكل مذهول: "كيف يموت يوسف وهو شاب في ريعان عمره؟"
أُعلن الخبر، فانتشر بين أصدقائه كالصاعقة. كثير منهم لم يصدق في البداية، فمن كانوا معه قبل ساعات لم يتوقعوا أن يتحول ضحكه إلى صمت أبدي. اجتمعوا في المسجد لصلاة الجنازة، والدموع لا تفارق أعينهم.
وقف الإمام بعد الصلاة وقال:
– "أيها الأحبة، يوسف كان بيننا البارحة، واليوم تحت التراب. هكذا هو الموت المفاجئ، يأتي بلا موعد. قال النبي ﷺ: «أكثروا ذكر هادم اللذات»؛ أي الموت. فخذوا العبرة، وأعدّوا لأنفسكم قبل أن تُفاجَؤوا مثله."
سكنت الكلمات القلوب، وكأنها سهام أيقظت الغافلين.

جلس أحمد، أقرب أصدقاء يوسف، يبكي بحرقة عند قبره. تذكر حواراتهما، تذكر كيف كان ينصحه بالصلاة، وكيف كان يوسف يؤجل ويضحك. شعر بمرارة الندم، وقال في نفسه: "لو كنت أكثر إصرارًا في نصيحتي، لربما تاب يوسف قبل موته."
رفع يديه للسماء وقال:
– "اللهم اغفر له وارحمه، واغفر لي تقصيري معه. اجعل وفاته درسًا لي ولغيري."
منذ ذلك اليوم، تغيّر أحمد تغيّرًا كبيرًا. صار أول من يدخل المسجد، يحافظ على وردٍ يومي من القرآن، يزور قبر يوسف بين حين وآخر، ويهمس: "يا صديقي، رحيلك جعلني أستيقظ، فدعوت لك أن يشملك الله برحمته، ولنفسي أن يثبتني على طاعته."
الموت المفاجئ ليس قصة يوسف وحده، بل هو واقع نراه يوميًا. كم من إنسان خرج من بيته مبتسمًا فعاد في كفن؟ كم من شاب خطط لمستقبله ولم يكمله؟
قال تعالى:
﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّما تُوَفَّونَ أُجورَكُم يَومَ القِيامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ﴾ [آل عمران: 185]
إنه نداء من الله: لا تؤجلوا التوبة، ولا تقولوا "سوف" و"غدًا". فالموت أقرب إلينا من شِراك نعالنا.
العبرة التي تركها يوسف أن الموت لا يستأذن، وأننا يجب أن نكون دائمًا على أهبة الاستعداد. فمن يعيش بلا استعداد يموت على غفلة، ومن يتجهز بلقاء الله يفوز بالرضا والنعيم.
فلنسأل الله أن يحسن خواتيمنا، وأن يجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يرزقنا التوبة قبل الموت، والرحمة بعد الموت، والمغفرة عند الحساب.
✦ الرسالة:
لا تؤجل الصلاة، لا تؤخر التوبة، ولا تغتر بالشباب والصحة. فالموت المفاجئ حقيقة قد تطوي صفحات حياتك في لحظة، فكن مستعدًا قبل أن يُكتب اسمك في عداد الراحلين.