جبل الطور و جبل النور🌻

جبل الطور و جبل النور🌻

0 المراجعات

جبل الطور وجبل النور 1:
قراءة في اقرأ:

ربما لكثرة قراءتنا لقوله تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق.
ولكثرة سماعنا لقصة أول نزول للوحي، فإننا فقدنا الدهشة اللازمة عند سماعنا لهذه القصة.
لا أدري ما الذي جعلني اليوم أتذكر القصة بالدهشة التي يمكن أن تليق بها.
محمد صلى الله عليه وسلم يصعد جبل النور، معتزلاً مكة وضوضاءها وأفكارها، باحثاً عن أجوبةٍ للأسئلة التي أرّقته عن هذا الوجود ومعناه وغاية حياتنا فيه وطرق إصلاحه، يتأمل في خلق الله سبحانه وتعالى، فلا يأتيه في هذا المكان العالي إلا الصمت والخشوع، ثم بعد طول تحنثٍ يأتيه رسول كريم من الله العظيم خالق السماوات والأراضين.

عندما تصل إلى هذه الجزء من القصة لأول مرة، ربما من المنطقي أن يتبادر إلى ذهنك أن جبريل عليه السلام سيأتي إلى نبينا بأجوبة كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه.
ولذلك فمن المنطقي أن يكون الأمر الأول من جبريل لمحمد عليهما السلام:
استمع!
نعم، يراد من محمد صلى الله عليه وسلم حمل رسالة الإسلام إلى الناس أجمعين، فهو هنا متلقٍ للوحي، فيجب أن يكون دوره هو الاستماع أولاً ثم بعد ذلك التبليغ والعمل.

لكن المفاجأة أن الأمر لم يكن: استمع، بل اقرأ!
وهل بين الأمرين فرق!
الفرق الأساسي بين الاستماع والقراءة، هي أن المستمع متلقٍ بينما القارئ متفاعل.
خاصةً عندما نعلم أن القراءة هنا لا يقصد بها القراءة المعهودة فمحمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً في تلك اللحظة وبقي أمياً بعدها إلى أن توفي.
لكن القراءة المقصودة هنا هي الفهم العميق للأشياء ومسبباتها، القراءة هي الجمع بحيث يكون الفهم شمولياً لا جزئياً!

لكن محمداً صلى الله عليه وسلم ما صعد الجبل وتحنث إلا ليعرف كيف يقرأ!
ولذلك كان يجيب جبريل مراراً:
ما أنا بقارئ!
كان محمد هنا يمثل عجز العقل الإنساني عن الوصول إلى إجابة عن الأسئلة المؤرقة وحده، يعيدها جبريل ويؤكد محمد عجزه، عجز العقل الإنساني ليقول له:
ما أنا بقارئ.
لقد عجزت بمفردي عن الوصول إلى فهم الوجود ومغزاه ومعنى الحياة وطرق الإصلاح.
وبعد التأكيد ثلاثاً يأتي الجواب مرةً أخرى من الوحي ليقول: اقرأ باسم ربك الذي خلق!
لم يقل له: ما دمت قد عجزت بمفردك، فاستمع إذاً إلى الوحي فالأجوبة كلها فيه، والحلول كلها فيه، بل مرةً أخرى كان الوحي يقول له:
أنت المطالب بالإجابة عن هذه الأسئلة، أما أنا فسوف أكون هاديك ومرشدك، سأعلمك أيها الإنسان: كيف تقرأ.

ليكون منهج الإسلام هو نتيجة عمل عقل المسلم في واقعه مستهدياً بالوحي مستنيراً به.

وأنا أسترسل في هذا التفكير، تذكرت قصةً أخرى مقابلةً تماماً لهذه القصة، وهي التقاء وحي السماء بالأرض على جبلٍ آخر، ونبيٍ آخر، وبشريعةٍ أخرى.
انتقلت في تفكيري من جبل النور إلى جبل الطور، ومن محمد إلى موسى عليهما السلام.

صرت أتذكر الآيات الأولى من سورة طه بسرعة باحثاً عن الكلمات الأولى لأعلم هل كنت أسترسل في تفكيري أم أنني كنت مصيباً، فكان أن أول أمرٍ أوحى به الله سبحانه وتعالى إلى موسى هو:
(وأنا ربك فاستمع لما يوحى).
نعم، استمع وليس اقرأ!
لكن لماذا كان الأمر مختلفاً!؟
لماذا تبدأ شريعتنا باقرأ، وتبدأ شريعة موسى باستمع.
لماذا يطلب منا القراءة والتفاعل، ويطلب من قوم موسى الاستماع والتلقي.
ما أظنه أن الفرق في الكلمة الأولى يرجع إلى الفرق بين الرسالتين، رسالة موسى كانت محدودة في بني إسرائيل، محدودة في زمان ومكان  وقوم معينين، أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهي رسالة عالمية تتجاوز زمان النبي ومكان مكة وتتجاوز العرب.

رسالة لا يحدها زمان ولا مكان ولا ثقافة بل هي نور خرج من جبل النور ليسري في العالم فيدخل في العقول فتستنير به، حتى تقرأ الواقع بعده قراءة مختلفة فتستهدي به في الأفهام والأحكام والحلول.

راقتني كثيراً هذه المقارنة بين جبل النور وجبل الطور، بين أول وحي نزل على محمد وأول وحي نزل على موسى عليهما السلام.
فوجدت لفتاتٍ جميلةً أخرى أتركها لمنشوراتٍ قادمة إن شاء الله.
أحب أن أعرف رأي القارئ في قراءتي لكلمة اقرأ؟
وأن يتوقف أيضاً معي في مقارنة بين هذين المشهدين العظيمين لعلّ الله يفتح عليه من فضله.
د.وائل أمين الشيخ.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

111

متابعين

130

متابعهم

6

مقالات مشابة