قصة: الغلام المؤمن والملك الظالم

قصة: الغلام المؤمن والملك الظالم

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات
image about قصة: الغلام المؤمن والملك الظالم

 

رواية الغلام المؤمن والملك الظالم:      

 

الفصل الاول: بداية الحكاية   

في قصر عظيم مزخرف بالذهب والفضة، كان الملك يجلس على عرشه العالي، تحيط به الأعلام، والجنود مصطفون كالجدران الحديدية، والناس يدخلون ركعا خاضعين. 

رفع الملك صوته متكبرا:" انا ربكم الأعلى! ومن خالف أمري أهلكته بسلطاني".  

ترددت الكلمات في أرجاء القصر، وأرتجفت لها قلوب الضعفاء. لم يكن لأحد أن يجرؤ على إنكار قوله، فالملك يملك السيف والجنود والسجن، أما الناس فلا يملكون سوى الصمت والخوف. 

لكن خلف كل هذا البهاء كان هناك رجلا كبير السن، شيخ ضعيف الجسم قوي الروح،يعيش في مكان خفي بعيد عن أعين الجنود.كان هذا الرجل راهبا صالحا،يعبد الله سرا،ويقضي أيامه بين الصلاة والدعاء، وقلبه ممتليء باليقين أن هذه الطاغية ما هو إلا بشر ضعيف. 

وفي يوم من الأيام، جاء الساحر العجوز إلى الملك وقال وهو ينحني: “مولاي، لقد كبر سني وضعفت قوتي، وأخشى أن أموت وينقطع عنك علمي وسحري. فأمر أن يؤتى لك بغلام ذكي أعلمه السحر ليخدمك بعدي”.   

فأمر الملك أن يبحثوا عن غلام يتعلم السحر، فوقع الإختيار على غلام صغير في ملامحه براءة، وفي عينيه ذكاء يلمع كالنجم. 

لقاء الراهب: 

خرج الغلام في صباح مشرق متجها الى بيت الساحر ليتعلم منه، كان الطريق طويلا، وبينما هو يسير، لمح شيخا جالسا في ظل شجرة، وجهه يضيء بالسكينة. كان يقرأ من كتاب ويدعو ربا غير الملك. 

أقترب الغلام بخطوات مترددة وقال: “من انت ايها الشيخ؟ “ قال الراهب: ”انا عبد من عباد الله، اعبده وحده، ولا أسجد إلا له”. 

ظل الغلام (متعجبا) وقال: “لكن الملك يقول إنه ربنا الأعلى”. قال الراهب وهو(يبتسم): وهل يمكن أن يكون إلا له الحق هو الذي خلق الملك وخلقك وخلق السموات والأرض". 

توقف قلب الغلام لحظة. مكان كلام الراهب مختلفا، فيه نور له لم يجده عند الساحر. ومن حينها صار الغلام في حيرة: يذهب صباحا الى الساحر ليتعلم السحر، ثم يسرع سرا الى الراهب يسمع منه كلام الإيمان. 

وبين الساحر والراهب، يبدأ قلب الغلام يميل شيئا فشيئا نحو الحق. 

 

الفصل الثاني: الغلام والكرامات   

مرت الأيام، وكبر الغلام قليلا، لكن قلبه كبر بالإيمان أضعاف جسده. صار كلما جلس عند الراهب إزداد نورا ويقينا، وصار يشعر أن الله قريب منه يسمع دعاءه ويستجيب له. 

وذات مساء، عاد الغلام من عند الراهب، فإذا بجاره يبكي بحرقة عند باب بيته. إقترب منه وسأله الغلام وقال له "ما خطبك أيها العم ؟ " قال الرجل: ولدي مريض منذ سنتين، قد ذهب بصره، ولا طبيب نفعه ولا دواء! 

تأثر الغلام بكلام الرجل، وتذكر أن الله هو الشافي وحده. رفع يديه الصغيرتين للسماء وقال بثقة: “إني لا املك شفاءه، لكن إن آمنت بالله الواحد، دعوت الله أن يشفيه”. 

نظر الرجل الى ابنه المريض ثم الى الغلام، وكأنه يختبر صدقه. ثم قال: “آمنت بالله”. 

فوضع الغلام يده على رأس الغلام الصغير ودعا بحرارة: "اللهم يا رب السماوات والأرض، اشفه وأشرح صدره." 

وما هى إلا لحظات حتى فتح الغلام المريض عينيه، ونظر الى ابيه وهو يبتسم، وقد عاد اليه بصره كأنه لم يصب يوما بعمى. 

إنتشر الخبر في القرية، وبدأ الناس يأتون الى الغلام بأمراضهم، فيدعو الله لهم فيشفون. البعض كان يظن أن الغلام ساحر، لكنه كان يكرر بثبات: "إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله." 

الجليس الأعمى: 

وذات يوم جاء الى الغلام رجل ثري، هو جليس الملك وصديقه المقرب. كان هذا الرجل الأعمى لا يرى منذ سنوات طويلة. جلس أمام الغلام وقال وهو يضع أمامه أكياسا من الذهب: "أيها الفتى، قد سمعت أنك تشفي الناس. إن شفيتني فلك مالي كله." 

إبتسم الغلام بهدوء وقال: "لا حاجة لي بمالك. إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله. فإن آمنت به دعوت الله لك! قال الجليس (مترددا):" ومن الله هذا الذي تقول عنه؟ ألنا رب غير الملك؟ “ قال الغلام  (بحزم): الله هو ربك ورب الملك ورب السماوات والأرض. وهو الذي يحي ويميت، ويعطي ويمنح، وهو وحده القادر على شفاءك. ”

ظل الجليس صامتا لحظة، ثم أطرق رأسه وقال الجليس:  "آمنت الله. "

فوضع الغلام يده على عينه ودعا الله بصدق، وإذا بالجليس يبصر من جديد! 

وقف الرجل يصرخ من شدة الفرح: وقال" أبصرت! أبصرت بعون الله! "

غضب الملك: 

عاد الجليس الى قصر الملك في صباح اليوم التالي، فلما رآه الملك قال بدهشة: "ويحك! من رد اليك بصرك؟" قال الجليس (بثبات): ربي الله. "

تغير وجه الملك واشتعل غضبا، وضرب بيده على العرش حتى أرج القصر: وقال:" أولك رب غيري؟ "

لم يتردد الجليس وقال بكل شجاعة: "ربي وربك الله." 

صرخ الملك بأعلى صوته وقال: اقتلوه! "

وقتل الجليس أمام أعين الناس، ليكون أول شاهد على الإيمان في هذا الصراع الكبير. 

بداية المواجهة: 

لم يكتف الملك بقتل جليسه، بل أمر أن يؤتى بالغلام إليه. جر الغلام من بين يدي الناس، وأدخل الى قاعة العرش المهيبة، حيث كان الملك جالسا بعينين يشتعلان غضبا. 

قال الملك للغلام: ايها الغلام! بلغني أنك تشفي الأكمة والأبرص، وتفعل ما لا يقدر عليه أحد. اهو سحر علمك إياه ساحري؟ قال الغلام (بهدوء): "لا، ايها الملك. إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله." 

 

الفصل الثالث:محاولات القتل  

بعد أن وقف الغلام في قاعة العرش متحديا الملك، إشتعل غضب الطاغية، ولم يعد يطيق أن يسمع اسم «الله» على لسان غلام صغير. فأمر جنوده أن يقتلوه فورا. 

لكن الغلام لم يرتجف، بل ظل واقفا بثبات ينظر الى الملك. 

المحاولة الاولى: الجبل

قال الملك(بصوت غاضب): "خذوه الى قمة الجبل، فإذا بلغتم أعلاه، أعطوه فرصة أن يرجع عن دينه، فإن أبى فأطرحوه من هناك." 

أخذ الجنود الغلام وساروا به الى الجبل. كان الطريق وعرا طويلا، والريح تعصف من حولهم. 

وعندما بلغوا القمة، قال الجنود للغلام: إما أن تكفر بربك وتعود لعبادة الملك، وإما أن نهوي بك من هنا! “   إبتسم الغلام، ورفع يديه الى السماء وقال: ”اللهم أكفنيهم بما شئت. "

وفجأة إهتز الجبل بقوة لم يروا مثلها من قبل، فتزلزلت الأرض تحت أقدام الجنود، فسقطوا واحدا تلو الآخر في الوادي السحيق. أما الغلام فتبقى ثابتا على صخرة صغيرة، ينظر الى السماء شاكرا. 

عاد الغلام وحده يمشي حتى وصل الى قصر الملك. فلما رآه الملك جالسا امامه حيا، صعق وصرخ فقال: “أين من كانوا معك؟” قال الغلام (بهدوء): كفانيهم االله. "

المحاولة الثانية: البحر

لم ييأس الملك، فأمر مرة أخرى بقتله: قال الملك: "خذوه في سفينة الى عرض البحر، فإذا بلغتم منتصفه، أعطوه فرصة أن يكفر بربه، فإن أبى فأغرقوه." 

أبحر الجنود ومعهم الغلام، حتى صاروا في قلب البحر، حيث لا يدري أحد إلا الماء من حوله. 

قال له الجنود: "إما أن تعبد الملك، وإما أن نلقيك في البحر!" 

إبتسم الغلام مرة أخرى، وأغلق عينيه وقال: "اللهم اكفنيهم بما شئت." 

وما هى إلا لحظات وحتى اضطرب البحر فجأة، وهاجت الأمواج العالية، فأنقلبت السفينة، وغرق الجنود جميعا. أما الغلام، فقد طاف فوق الماء كأنه يسير على بساط، حتى وصل الى الشاطىء سالما. 

عاد الغلام مرة أخرى الى الملك. فلما رآه الملك، كاد الجنون يفتك به. 

ثم صرخ مرة أخرى وقال:  “أين رجالي؟! ”                                        قال الغلام: "كفانيهم االله." 

الخطة الاخيرة: 

جلس الملك على عرشه، وقد بدا عليه التعب والخوف. نظر الى الغلام وقال: "إذن ما السبيل الى قتلك؟" 

إقترب الغلام بخطوات ثابتة وقال: "لن تستطيع قتلي إلا بطريقة واحدة." 

إرتفعت همسات الدهشة بين الجنود والوزراء. حتى الملك نفسه إنحنى قليلا ليصغي، ثم قال:  "وما هى"                            قال الغلام: أن تجمع الناس كلهم في ساحةواحدة، وتصلبني على جذع، ثم تأخذ واحدة من كنانتي، وتضعه في قوسك، وتقول أمام الجميع: بسم الله رب الغلام، ثم لترمني به، فتقتلني. "

ساد صمت رهيب في القاعة، كأن الزمن توقف. 

قال الملك(بإبتسامة ماكرة): "ها قد دلتني على نهايتك بلسانك يا غلام." 

 

الفصل الرابع: الساحة الكبرى 

أصدر الملك اوامره العاجلة أن ينادي في كل القرى والبلدات فيقول المنادي: "أيها الناس! إجتمعوا غدا في الساحة الكبرى، فهناك أمر عظيم سيشهده الجميع." 

لم يبق رجل ولا إمرأة ولا شيخ ولا طفل إلا وخرج، إمتلأت الساحة بالآلاف، والعيون متجهة نحو المنصة التي نصب عليها خشب الصلب. 

وقف الغلام مكبلا على جذع، لكنه كان مطمئن الوجه، عيناه تتألقان بنور الإيمان. لم يكن في ملامحه خوف، بل كان ينظر الى الناس كأنه يحمل لهم رسالة عظيمة. 

جلس الملك على عرشه المؤقت في وسط الساحة، وأحاط به الجنود، ثم أمر أن تجلب كنانة الغلام، أخذ سهما منها، ووضعه في القوس. 

اللحظة الحاسمة:

رفع الملك القوس، وتردد قليلا. ثم قال بصوت مرتفع يسمعه كل من في الساحة:                                                           "بسم الله رب الغلام!" 

إرتجت الساحة بهذه الكلمات، وتبادل الناس النظرات بدهشة: االملك نفسه ينطق باسم رب الغلام؟! 

أطلق الملك السهم، فأنطلق يخترق الهواء، وأصاب الغلام في صدره. إبتسم الغلام إبتسامة هادئة، ثم مال رأسه وسقط شهيدا. 

الموجة العظيمة: 

ساد صمت لثوان قليلة، لم يسمع فيها الناس إلا دقات قلوبهم. ثم فجأة إرتفع هتاف هز الأرض حين قال الناس:   "آمنا برب الغلام!  آمنا برب الغلام!" 

وقف الملك مذهولا، وجهه شاحب، عرشه يهتز تحت جسده. لقد كان يظن أنه إنتصر بقتل الغلام، فإذا بموته يكون حياة لقلوب الناس جميعا. 

العبرة

وهكذا تحول الغلام الشهيد الى رمز خالد، صار اسمه يذكر على الألسنة، وصارت قصته تروى في كل بيت. أراد الملك أن يطمس نور الله، فإذا به ينشره بيده وهو لا يدري. فالحق يعلو ولا يعلى عليه، ومن صدق مع الله نصره الله ولو كان غلاما ضعيفا أمام ملك جبار. 

رحل الغلام بجسده، لكن قصته بقيت حية، تروى الى يومنا هذا. رحل ااملك بجنوده وقصوره، فلم يبق له إلا لعنة التاريخ. أما الغلام، فقد بقى في ذاكرة المؤمنين رمزا للشجاعة واليقين. 

النهاية

أن من كان مع الله كان الله معه ولا يخاف احدا من خلقه، والله غالب على امره، 

 

علق لكي استمر 🙂

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-