
"الصبر والتوبة مع يونس"
“الصبر والتوبة مع يونس”
قصة سيدنا يونس عليه السلام
يُعدّ نبي الله يونس عليه السلام أحد أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية أقوامهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام. وقد وردت قصته في مواضع عدّة من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ [الصافات: 139-142].
بداية دعوة سيدنا يونس
أرسله الله تعالى إلى قوم "نينوى" في العراق، وكانوا يعبدون الأصنام ويكفرون بالله. دعاهم يونس عليه السلام إلى عبادة الله وحده، ولكنهم كذبوه وعاندوه، فأحسّ بالضيق واليأس من استجابتهم. عندها غضب عليهم وخرج من بينهم دون إذن من الله تعالى، ظنًا منه أن العذاب سينزل بهم سريعًا .
إبتلاء سيدنا يونس

ركب يونس سفينة، وأثناء الرحلة اضطرب البحر وكاد يغرق من شدة الرياح. أجرى ركاب السفينة قرعة لإلقاء أحدهم تخفيفًا للحمل ، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام . كرّروا القرعة أكثر من مرة، لكنها كانت دائمًا تقع عليه، فأُلقي في البحر. وهناك قدّر الله أن يبتلعه حوت عظيم دون أن يسبب له أذى. قال تعالى:
﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 142-144].
تسبيح يونس في بطن الحوت

في ظلمة البحر وبطن الحوت، أدرك يونس عليه السلام خطأه في مغادرة قومه قبل إذن الله، فلجأ إلى ربه بالدعاء العظيم الذي أصبح ذكرًا خالدًا للمؤمنين :
﴿لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].
بهذا الدعاء اعترف بذنبه وتذلل بين يدي الله تعالى، فاستجاب الله له، وأمر الحوت أن يلقيه على اليابسة، وهو سقيم ضعيف، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين لتحميه وتغذيه .
عودة يونس إلى قومه
بعد أن تعافى يونس، عاد إلى قومه الذين ندموا على تكذيبهم له، وآمنوا بالله جميعًا. قال تعالى:
﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ﴾ [الصافات: 148] .
وهذا ما ميّز قوم يونس عن غيرهم من الأقوام؛ إذ استجابوا للتوبة فرفع الله عنهم العذاب.
الحكم والعبر المستفادة
قصة يونس عليه السلام تحمل العديد من الدروس الإيمانية العميقة، منها:
1- الصبر والثبات: على الداعية أن يصبر على قومه ولا يستعجل الهداية أو العذاب، فالهداية بيد الله .
2- التوبة والرجوع إلى الله: مهما عظم الذنب، فإن التوبة الصادقة والدعاء بإخلاص يفتحان باب الرحمة والمغفرة.
3- فضل الذكر والدعاء: دعاء يونس "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" أصبح ذكرًا يردده المؤمنون، وقد قال النبي ﷺ: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» [رواه الترمذي].
4- رحمة الله الواسعة : نجّى الله يونس من بطن الحوت، وقبل توبة قومه، مما يدل على سعة مغفرته ورحمته بعباده.
5- أهمية الاعتراف بالخطأ : علّمنا يونس أن الاعتراف بالذنب والرجوع إلى الله من أعظم أسباب الفرج والنجاة .
الخاتمة
إن قصة سيدنا يونس عليه السلام ليست مجرد حادثة تاريخية، بل هي منهج حياة، تعلمنا الصبر عند الدعوة، والتضرع إلى الله في الشدائد، والثقة برحمته مهما بلغت الخطايا. فكما أنجى الله يونس في ظلمات البحر، فإنه قادر على إنجاء عباده من ظلمات الهموم والذنوب إذا صدقوا في التوبة والإنابة إليه.