أعظم محاكمة في التاريخ قصة سمرقند بين العدل الإسلامي ودهشة الشعوب
أعظم محاكمة في التاريخ
قصة سمرقند بين العدل الإسلامي ودهشة الشعوب
تظل قصة **سمرقند** واحدة من أعجب القصص في تاريخ الحضارة الإسلامية، ليس لأنها توثق فتح مدينة عظيمة فقط، بل لأنها تسجل **سابقة قانونية فريدة**: مدينة تُحاكم الجيش الذي فتحها، وقاضٍ يحكم بخروج الجيش بعد 6 سنوات من استقراره… وجيش كامل يطيع وينسحب احترامًا لحكم القضاء!
هذه القصة التي رواها الشيخ **علي الطنطاوي** في كتابه *قصص من التاريخ* أصبحت رمزًا خالدًا لـ **العدل الإسلامي**، وللقيم التي جعلت الإسلام ينتشر بقوة أخلاقه قبل قوة سيفه.

سمرقند… جوهرة آسيا الوسطى
تقع سمرقند في قلب **أوزبكستان الحالية**، وهي واحدة من أقدم مدن العالم وأكثرها ثراءً ثقافيًا. ازدهرت عبر القرون بفضل موقعها على **طريق الحرير**، الذي ربط بين الصين والشرق الأوسط وأوروبا. كانت مركزًا للحضارة الفارسية والديانة الزرادشتية، وتضم مدارس، ومعابد، وأسواقًا مزدهرة.
فتح سمرقند على يد قتيبة بن مسلم
في عهد الخليفة الأموي **الوليد بن عبد الملك**، وتحديدًا سنة **93 هـ / 712 م**، خرج القائد الفذ **قتيبة بن مسلم الباهلي** ليكمل سلسلة من الفتوحات الواسعة في خراسان وما وراء النهر، حتى وصل إلى سمرقند، التي كانت حصينة وقوية ومليئة بالجند.
دخل قتيبة المدينة **دون أن يدعو أهلها للإسلام أو الجزية، ودون منحهم مهلة الإنذار** المعتادة في الفتوحات الإسلامية. رأى الكهنة أن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية نفسها، لكنهم لم يجدوا فرصة للاعتراض في وقتها.
بعد مرور **6 سنوات كاملة** على دخول المسلمين، وفي زمن الخليفة العادل **عمر بن عبد العزيز**، جاءت اللحظة التاريخية.
رسالة أهل سمرقند إلى عمر بن عبد العزيز
قرر كهنة المدينة أن يرفعوا مظلمتهم إلى الخليفة الجديد المعروف بعدله وتقواه. كلّفوا رجلًا منهم بالسفر من سمرقند إلى دمشق، رحلة تستغرق شهورًا.
وصل الرجل وقدم شكواه إلى عمر بن عبد العزيز، فقرأها الخليفة وكتب خلفها:
> **"من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند: أن انصب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا."**
لم يبرر، لم يعترض، لم يقل: “الفتح قديم”، بل اكتفى بإقامة العدل.
وكانت تلك الجملة بداية **أغرب محاكمة في التاريخ**.
المحاكمة التي هزّت سمرقند والعالم
وصل كتاب الخليفة فأمر الوالي بتعيين القاضي **جميع بن حاضر** للنظر في القضية. وفي يوم المحاكمة، احتشد أهل سمرقند، والكهنة، ونائب قتيبة بن مسلم، في مشهد لم تشهده مدينة مفتوحة من قبل.
بدأ كبير الكهنة حديثه:
*"لم يدعُنا قتيبة إلى الإسلام، ولم ينذرنا ثلاثة أيام، كما تأمر شريعتكم."*
رد نائب قتيبة:
*"أرضهم واسعة وخصبة، وخشينا إن أمهلناهم أن يتحصنوا ويصعب القتال."*
عندها قال القاضي كلمته الشهيرة:
> **"قد اعترف المدعى عليه، وإذا اعترف انتهت المحاكمة."**
> **"حكمنا بخروج المسلمين من سمرقند، ثم دعوتهم وترك مهلة، ثم يعود الفتح بالشروط الشرعية."**
!!!
جيش كامل يُحاكم؟
وإدانة؟
وحكم بالخروج من مدينة فُتحت واستُقرت لسنوات؟
هذا لم يجرؤ عليه قانون قديم ولا حضارة قبل الإسلام.
دهشة الكهنة… لماذا؟
لماذا تعجّب الكهنة من تنفيذ الحكم على الجيش رغم مرور 6 سنوات؟
أهل سمرقند—وخاصة الكهنة—اتصدموا لعدة أسباب قوية جدًا، وكل سبب بيخلّي القصة أعجب وأغرب من إنها مجرد "محاكمة"…
1. لأنهم لم يتوقّعوا أن يُعاد النظر في قضية انتهت عمليًا
ست سنوات كاملة مرّت بعد الفتح:
✅ المسلمون استقرّوا
✅ الأسواق شغالة
✅ الحكم قائم
✅ العلاقات اتكوّنت
✅ الناس تعايشت
في قوانين أغلب الأمم وقتها، لو انتصر جيش وسيطر 6 سنوات… الموضوع انتهى، وأصبح "أمر واقع".
لكن الإسلام لا يعرف "مرور الزمن" على **الحقوق**.
2. لأنهم اعتقدوا أن القائد المنتصر فوق القانون
في ذلك الزمن، كل الملوك تقريبًا كانوا فوق المحاكمة:
– الملك لا يُساءل
– القائد لا يُحاسب
– الفتح بالقوة شيء طبيعي
ففكرة إن قاضٍ بسيط يحاكم **جيشًا كاملًا** انتصر وسيطر…
كانت فكرة خارقة للعقل بالنسبة لهم.
المفاجأة الأكبر؟
القاضي أصدر الحكم… والجيش التزم.
وده شيء لم تره أمة قبلهم.
3. لأن الحكم كان “مستحيل التنفيذ” في نظرهم
من وجهة نظر أهل سمرقند:
كيف يخرج جيش استقر 6 سنوات؟
عنده بيوت، أسواق، عائلات، ممتلكات…
كيف سيتركون كل هذا فجأة؟
لكن الإسلام يرى أن **الحق مقدم على المشقة**
وأن **العدل فوق المصلحة العسكرية**.
4. لأنهم لم يتوقعوا أن المسلمين سيعترفون بالخطأ أصلاً
نائب قتيبة أقرّ بأن الجيش خالف شرط الدعوة والإنذار.
في العُرف العالمي وقتها، القائد لا يعترف…
والدولة لا تستجيب لشكوى "شعب مغلوب".
لكن في الإسلام:
> **الاعتراف حقّ، والحق فوق السلطان.** وهذا كان غير مألوف في تاريخ الأمم وقتها.
5. لأن تنفيذ الحكم كان كأنه “هدم دولة”
انسحاب جيش يعني انهيار الإدارة بالكامل: – القضاء – الأسواق – الحامية العسكرية – الجنود – عائلاتهم
كأنك بتعيد المدينة لصفر!
وده شيء لم يسمع به التاريخ.
6. لأنهم اعتقدوا أن عمر بن عبد العزيز لن يراجع قرار قائد شهير مثل قتيبة
قتيبة بن مسلم لم يكن شخصًا عاديًا…
ده كان **أسطورة الفتوحات** في عصره.
فتح مناطق لم يصلها العرب من قبل.
فمن يتصور أن خليفة سيقول:
> “قاضٍ يحكم… وجيش كامل ينسحب.”
ده عندهم جنون…
وعند الإسلام: **عدل.**
دهشة أهل سمرقند لم تكن مجرد اندهاش عابر، بل كانت صدمة حضارية، لعدة أسباب:
✅ **لأنهم لم يتوقعوا محاكمة بعد 6 سنوات** من انتهاء المعارك.
✅ **لأنهم لم يظنوا أن جيشًا منتصرًا يُحاسب.**
✅ **لأنهم ظنوا القائد فوق القضاء** كما هو الحال في الإمبراطوريات المعروفة.
✅ **لأن الحكم كان صعب التنفيذ** على جيش استقر وتعايش مع أهل المدينة.
✅ **لأنهم رأوا دولة تحاكم نفسها أمام شعب مغلوب.**
كانت المحاكمة أقوى درس في العدل رأوه في حياتهم.
تنفيذ الحكم… المشهد الذي لا يُنسى
لم يتأخر الوالي في تنفيذ الحكم، وانسحب الجيش المسلم **بالكامل** من المدينة:
أهل سمرقند وقفوا مذهولين…
هل رأى التاريخ جيشًا يترك مدينة فتحها طوعًا؟
الإجابة: لم يحدث إلا هنا.
ماذا فعل أهل سمرقند بعد خروج المسلمين؟
هنا تحدث اللحظة الأعظم في القصة كلها.
اجتمع أهل المدينة وكهنتها، وبكوا على خروج المسلمين!
لم يشعروا بالفرح… بل شعروا بالفراغ.
أدركوا حقيقة مذهلة:
✅ المسلمون لم يظلموهم
✅ لم يفسدوا المدينة
✅ لم يغيروا عقائد الناس
✅ لم ينهبوا الأسواق
✅ لم يفرضوا ظلمًا أو قهرًا
✅ عاشوا بينهم بأمان وعدل
والأهم:
✅ الدولة الإسلامية **أخرجت جيشها من أجل العدالة**!
في صباح اليوم التالي خرج أهل سمرقند جميعهم إلى معسكر المسلمين، وعلى رأسهم كبير الكهنة.
ثم أعلنوا:
**إسلامهم طواعية… دون سيف ولا قتال.**
اختاروا الإسلام لأنهم رأوه حيًا أمامهم… في الحكم والعدل والأخلاق.
كم مكث المسلمون في سمرقند قبل تنفيذ الحكم؟
دخل المسلمون سمرقند سنة **93 هـ**،
وأقيمت المحاكمة في عهد عمر بن عبد العزيز الذي تولّى سنة **99 هـ**،
أي بعد حوالي **6 سنوات تقريبًا** من دخول الجيش المدينة.
ورغم مرور هذه السنوات… إلا أن العدل الإسلامي لم يسقط بالتقادم.
عودة المسلمين إلى سمرقند مرة أخرى… ولكن كإخوة
عاد المسلمون بعدها إلى سمرقند،
ليس كفاتحين،
بل كإخوة ومعلمين وتجار وعلماء.
وأصبحت سمرقند لاحقًا مركزًا علميًا عالميًا،
وموطنًا لنجوم العلماء كالبيروني وابن سينا والخوارزمي.
لماذا تُعد هذه أعظم محاكمة في التاريخ؟
لأنها تجسد القيم الإسلامية بأبهى صورة:
✅ العدل فوق السيف
✅ القائد يُحاسب
✅ الجيش يخضع للقضاء
✅ إقامة الحق ولو على النفس
✅ احترام حقوق الشعوب المفتوحة
✅ قوة الدولة في أخلاقها… لا في جيوشها فقط
ولهذا انتشر الإسلام في القلوب قبل البلدان.
قصة أعظم محاكمة في التاريخ الإسلامي: محاكمة سمرقند بين العدل والفتح. كيف حكم القاضي بخروج الجيش المسلم بعد 6 سنوات؟ تفاصيل دخول أهل سمرقند الإسلام طوعًا وقيم العدل الإسلامي في زمن عمر بن عبد العزيز.
فتح سمرقند، قصة سمرقند، محاكمة سمرقند، عمر بن عبد العزيز، قتيبة بن مسلم، العدل الإسلامي، الدولة الأموية، علي الطنطاوي، قصص من التاريخ، فتح ما وراء النهر، أعظم محاكمة في التاريخ.فتح سمرقند، قصة سمرقند، محاكمة سمرقند، عمر بن عبد العزيز، قتيبة بن مسلم، الدولة الأموية، العدل الإسلامي، قصص من التاريخ، علي الطنطاوي، أعظم محاكمة في التاريخ، فتح ما وراء النهر.
مراجع القصة
*أولاً: المصادر العربية الأصيلة**
1. كتاب *فتوح البلدان* — البلاذري**
أقدم وأهم المصادر اللي ذكرت فتح سمرقند، وفيه إشارة واضحة لكيفية الفتح وشروطه وطريقة تعامل المسلمين مع المدن المفتوحة.
✅ المؤلف: أحمد بن يحيى البلاذري
✅ القرن الثالث الهجري
✅ أقدم مصدر تاريخي يُرجع له في فتوحات خراسان وما وراء النهر.
> *رغم أنه لا يذكر تفاصيل “المحاكمة” كاملة، لكنه الأساس الذي بُنيت عليه معظم الروايات اللاحقة.*
2. كتاب *البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب* — ابن عذاري**
فيه ذكر لموقف قتيبة وطريقة فتوحات ما وراء النهر، ويُستفاد منه سياق القصة.
3. كتاب *تاريخ الرسل والملوك* — الطبري**
ذكر الطبري فتح سمرقند وسنوات الأحداث، وهو مرجعًا ضخمًا لأحداث الدولة الأموية.
ثانيًا: المصادر التي روتها بشكل قصصي (أشهرها)
1 *قصص من التاريخ* — علي الطنطاوي**
هذا هو المصدر الأشهر الذي نقل القصة بصياغة الأدباء.
✅ الطنطاوي نقل القصة من كتب الفتوح القديمة
✅ قدّم القصة بشكل مؤثر وسردي
✅ هو اللي انتشرت القصة بفضله في العصر الحديث
2*صور من التاريخ الإسلامي* — محمود شاكر**
ذكر القصة ضمن سياق الحديث عن عدل عمر بن عبد العزيز.
صياغة قوية ومشابهة لرواية الطنطاوي.
ثالثًا: كتب السير والتاريخ التي أشارت للقصة**
1. *سير أعلام النبلاء* — الذهبي**
تكلم عن شخصية عمر بن عبد العزيز وأمثلة من عدله، بعضها مرتبط بقضية سمرقند.
2 *تاريخ الإسلام* — الذهبي**
فيه ذكر موجز للفتح ولعدالة عمر بن عبد العزيز.
3*البداية والنهاية* — ابن كثير**
ذكر فتح سمرقند وأحداث سنوات حكم عمر بن عبد العزيز، وفي بعض الطبعات يوجد إشارة للقصة باختصار.
رابعًا: مصادر حديثة مع تحقيق علمي**
1 *موسوعة الفتوحات الإسلامية* — محمود شيت خطاب**
اللواء شيت خطاب من العسكريين المؤرخين الذين وثّقوا القصة ونقلوا نصوصها.
2. *موسوعة التاريخ الإسلامي* — شوقي أبو خليل**
ذكر القصة ضمن أحداث الفتوحات في آسيا الوسطى.
تنبيه مهم (بمنتهى الدقة التاريخية):**
قصة “المحاكمة” كما نرويها اليوم *مبنية على أساس تاريخي صحيح (فتح سمرقند)* لكنها وصلت بصيغتها الدرامية الكاملة عن طريق:
✅ كتب الأدب والسير✅ الاجتهادات القصصية✅ رواية الطنطاوي – وليس من مصدر تاريخي واحد ذكر **كل تفاصيلها دفعة واحدة**.
لكن: كل عناصر القصة الأساسية لها أصول في كتب الفتوح، وخاصة:
✅ فتح سمرقند✅ شكوى الأهالي✅ عدل عمر بن عبد العزيز✅ تعيين قاضٍ✅ طريقة الإنذار✅ شرط الدعوة قبل القتال
أما “تفاصيل مشهد المحكمة” فهذه واجتهاد أدبي رائع اشتهر عبر الزمن.