حارس الرسول ورئيس المخابرات وقائد العمليات الخاصة
تعجب الناس من صنيع رجل من الأنصار أخذ سيفه وذهب به إلى (جبل أُحد) عند اطراف المدينة، ليضرب به الصخور الصماء لذلك الجبل الشامخ، فلقد كان هذا الرجل الطويل الأسمر الشديد السمرة يضرب بيده الضخمتين ذلك الجبل بضربات تزلزل الأرض من حوله، فيتردد صداها فى عنان السماء، ليتطاير الشرر فى كل إتجاه.
وهو يُضرب بالسيف وكأنه يريد أن أحداً تحطيماً، حتى جاءت تلك اللحظة التى أنكسر فيها نصل ذلك السيف، ليقف ذلك الرجل لبرهة و هو ينظر على سيفه المكسور متأملاً قبل أن يرجع إلى بيته فى المدينة ليأخذ متاعه، و يرحل و يعتزل الفتنة التى قامت بين المسلمين رافضاً أن يلطخ دمه بدماء المسلمين أياً كان السبب، فلقد كان هو نفسه السيف الذى إعطاه أياه قائده الأعلى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- ليجعله رجل المهمات الصعبة.
فلقد كان هذا القائد العسكرى الأسمر هو الصحابى العملاق محمد بن مسلمه أول رئيس مخابرات فى عهد الدولة الإسلامية وقائد العمليات الخاصة في عهد النبي، ثم عهديّ: الصدّيق والفاروق.
حارس النبى- صلى الله عليه وسلم- الذى كان لا يُفارقه حتى قالوا عنه: أينما تجد ناقة النبى تجد محمد بن مسلمه، فقد كان لا يترك مقود دابة النبى صلى الله عليه وسلم.
كان عمل محمد بن مسلمه يعادل فى أيامنها هذه وظيفتى الشرطة العسكرية والإستطلاع، يحرس الجيش فى الميدان ليلاً و يكشف الطريق ويفتحها أمام الجيش أثناء إنتقاله، يُلقى القبض على المجرمين، ويُعاقب القتله، كما كان يُكتب للنبى صلى الله عليه وسلم رسائله إلى القبائل، وكان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم كتباً إلى القبائل و يكتب فى آخرها كتب محمد بن مسلمة النصارى .
وكان رسول الله صلى اله عليه وسلم يترك له مهمة تأديب الخونة، والذى كان يُجيد التعامل و يحسن تصريف الأمور ، وكانت هيبة محمد بن مسلمة وجسده الضخم ترعبان أعداء الله من اليهود، وعندما خان يهود بنى قريظة العهد مع المسلمين خلال غزوة الأحزاب حاصر المسلمون بنى قريظة إلى أن أستسلموا و أمر رسول الله - صلى الله عليه و سلم- محمد بن مسلمة بالتعامل مع الخونة، فكتف الرجال و أخرج النساء و الطفال فكانوا فى أخرى، وكان أول رئيس للمخابرات فى عهد الدولة الإسلامية و أول رئيس لجهاز الإستطلاع، فقد النبى يُرسله لمعاينة أى مكان يُريده فيسبق الجيش ليكتشف الطريق ومكان المعركة، ويتحسس أخبار العدو ويتحرى عن الأعداء و أيضاً عن الولاه وبعض المشتبه فيهم فى دولة الإسلام، وقد أستمر فى هذه المهمة فى عهدى الصديق و الفاروق، وكان الولاة فى عهد “ عمر بن الخطاب” يُصابون بالرعب إذا زراهم محمد بن مسلمة فهو رئيس مخابرات أمير المؤمنين ولم يأت إلا لآمر جلل.
و الحقيقة أن المهمات العسكرية الخاصة التى قام بها هذا القائد الأنصارى بناءً على تكليف شخصى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من الخلفاء الراشدين من بعده لهى أكثر من أن تحصى فى كتاب واحد! وبداية المهمات الخاصة التى قام بها هذا البطل هو القضاء على أكبر محرض على المسلمين “كعب ابن الأشراف” هذا الشاعر اليهودى كان يُذكر نساء المسلمين بسوء فى شعره المنحط، ولم يكتف بذلك، بل كان هو من ذهب إلى قريش يحرضهم على قتال المسلمين و القضاء عليهم ليتحول بذلك عدو للدولة الإسلامية فى المدينة، عندها جاء القرار السياسى الرسولى “ من لكعب بن الأشراف” ؟ فإنه آذى الله و رسوله" عندها وقف هذا الشاب الأسمر الذى كان من بين القلائل من العرب الذين كانوا يحملون أسم محمد قبل الإسلام، فقال محمد بن مسلمة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم :"أنا له يا رسول الله"، فما إلا أيام حتى انطلق هذا البطل فى عملية فدائية إلى عقر دار العدو ليرجع حاملاً رأس ذلك المجرم!
وفى الحديبية و بينما كان المسلمون نائمون، تسللت مجموعة مقاتلة من شباب قريش مكونة من خمسين فارس فى عتمة الليل إلى معكسر المسلمين لبياغتوهم و هم نيام، و إذ بهم يصعقون برجل أسمر يُحيط بهم بمن معه من الفرسان الساهرين ليقيدوهم و يربطوهم بالأحبال جميعاً، ولقد أمر رسول الله هذا القائد العسكرى الأعجوبة على نحو 51 سرية! وكا يُرسله أيضاً ليأتى بالصدقات من الإمارات الإسلامية، وقد شارك محمد محمداً فى كل الغزوات المحمدية، إلا فى تبوك عندما أوكله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قيادة جبهة المدينة فى غيابه.
أما فى عهد أبى بكر فقد كان هذا البطل الأسطورى قائداً من قادة الجيوش الإسلامية المحاربة للمرتدين، وفى عهد عُمر بن الخطاب و عندما طال حصار المسلمين لمصر ، بعثه الفاروق على رأس كتيبة فدائية تضم من بين رجالها الرجل الأسطورة الزبير بن العوام لتستطيع هذه الوحدة الفدائية بمجرد وصولها إلى أرض مصر تحقيق النصر . أما الفاروق فقد عينة بمنصب
“ المفتش العام على ولاة الإمبراطورية الإسلامية” ليدور هذا القائد بين الولايات الإسلامية ليضمن تطبيق ولاتها لأحكام الشريعة، وحكمهم بالعدل بين رعيتهم .
مات- رضى الله عنه- فى صفر سنة ثلاث و أربعين هجرياً و عاش سبعا وسبعين سنة سطر فيها بطولاته على صفحات من نور .