الجزء الثانى من حياة الصحابى (الزبير بن العوام) حوارى الرسول (ص) وأحد العشرة المبشرين بالجنة
بسم الله الرحمن الرحيم
لسيدنا الزبير بن العوام (رضى الله عنه) مواقف كثيرة تدل على حبه لله ورسوله ، وشارك الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى غزواته،وكان يشارك بسيفه وماله،وسنتعرف عليها فى السطور الآتية.
هجرة الزبير(رضى الله عنه):
لما اشتد تعذيب المشركين للمسلمين فى مكة أَذِنَ النبى (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فرارا بدينهم من اضطهاد قريش ،فهاجر الزبير بن العوام ( رضى الله عنه) مع من هاجر إلى الحبشة ، وعاشوا هناك آمنين مطمئنين فى ظل الحاكم العادل النجاشى ملك الحبشة، وبعد مدة عاد الزبير مع بعض المسلمين إلى مكة ، وظل بجانب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى تمت بيعة العقبة الثانية مع أهل يثرب ، وبعدها أَذِنَ النبى (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة ، فهاجر الزبير (رضى الله عنه) إلى المدينة، واستقر بها حيث نزل ضيفا على المنذر بن محمد بن عقبة الأنصارى ، فلما هاجر النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة آخى بين المسلمين هناك ، فآخى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين الزبير بن العوام وكعب بن مالك (رضى الله عنهما) ، ولازم الزبير النبى (صلى الله عليه وسلم)لا يفارقه إلا قليلا.
جهاد وفداء:
ظل الزبير بجانب النبى (صلى الله عليه وسلم) فى المدينة، وخرج مع عدة سرايا لتأمين حدود المدينة والإغارة على بعض قوافل قريش لاسترداد بعض ما أخذه المشركون من المسلمين فى مكة.
وفى سنة 2هجرية فى السابع عشر من شهر رمضان خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمسلمين لمهاجمة عير قريش القادمة من الشام، ولم يكن مع المسلمين غير فرسين ،على أحدهما المقداد بن عمرو ، وعلى الثانى الزبير ، وشاء الله أن تقع غزوة بدر الكبرى بين المسلمين والمشركين ، وكان الزبير يلبس يومئذ عمامة صفراء ، فلما بدأت المعركة نزلت الملائكة لنصر المسلمين، يقاتلون معهم، وعلى الملائكة عمائم صفراء تشبه عمامة الزبير ، فلما رآهم النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:" إن الملائكة نزلت على سيماء (هيئة) الزبير" ابن سعد.
وقد قاتل الزبير ( رضى الله عنه) المشركين فى بدر قتالا شديدا ، وكان شاهرا سيفه اللامع فى سماء المعركة ، فواجه أحد المقاتلين المشركين الأقوياء ، وهو عبيد بن سعيد بن العاص ، فأراد الزبير الإطاحة برأسه ، لكنه اكتشف أن السيف غير صالح لهذه المهمة ، لأن ذلك الجندى كان يرتدى دروعا حديدية تقيه ضربات السيوف ، فتناول الزبير الرمح وصوبه فى عين عبيدة ، فمات فى الحال.
واستمر الزبير بعد ذلك يقاتل أعداء الله فى بدر حتى انهزم المشركون، ورجع المسلمون إلى المدينة فرحين بنصر الله العظيم، فأعطى النبى (صلى الله عليه وسلم) للزبير نصيب رجلين من الغنائم ، وذلك لأنه كان يقاتل بفرسه، وقد جعل النبى( صلى الله عليه وسلم) للرجل نصيبا وللفرس مثله.
حوارى الرسول (صلى الله عليه وسلم):
بعد غزوة بدر ظل الزبير مع النبى( صلى الله عليه وسلم) يساعده فى نشر الدعوة الإسلامية ، وقيام دولة الحق ، ويجاهد معه بسيفه وماله ، وبعد مرور عام على غزوة بدر خرج المسلمون للقاء المشركين عند جبل أحد ، وخرج الزبير على فرسه متقدما الصفوف ،وقبل بداية المعركة خرج من جيش المشركين فارس شجاع ، وهو طلحة بن أبى طلحة العبدرى ، وكان راكبا جمله ، فوقف فى ميدان القتال ودعا المسلمين إلى مبارزته، فخرج إليه الزبير ( رضى الله عنه) شاهرا سيفه ، ولم يستمر القتال بينهما طويلا حتى قفز الزبير على جمل طلحة، ثم جذبه ، وألقاه على الأرض ، وهوى عليه بسيفه حتى فصل رأسه عن جسده، فلما رأى النبى (صلى الله عليه وسلم) ذلك فرح وأثنى على الزبير ، وقال ( صلى الله عليه وسلم) :" لو لم يبرز إليه لبرزت أنا إليه لما رأيت من إحجام (امتناع) الناس عنه".
وفى بداية المعركة لاح النصر للمسلمين ، فخالف الرماة الذين فوق الجبل أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) ، وتركوا الجبل ونزلوا يجمعون الغنائم ظانين أن الحرب قد انتهت ، فانتهز خالد بن الوليد الفرصة، وعاد بفرسان المشركين من خلف الجبل ، وقتل من المسلمين عددا كبيرا ، فوقف الزبير أمام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليحميه بروحه، ويتلقى الضربات بجسده دفاعا عنه (صلى الله عليه وسلم ) ، والسيف فى يده يلوح به يمينا ويسارا فى وجه الأعداء ، وحينئذ نظر النبى( صلى الله عليه وسلم)إلى الزبير فوجد جسده يرتعد من كثرة ما لاقاه من الضرب والطعن ، فدعا له النبى (صلى الله عليه وسلم) قائلا :" فداك أبى وأمى" متفق عليه.
وبعد أن شعر المشركون بالنصر ، تركوا أرض المعركة فرحين ثم عسكروا فى مكان بين مكة والمدينة يستعدون لمهاجمة المسلمين مرة أخرى ، فلما علم النبى (صلى الله عليه وسلم) بذلك طلب من الزبير وأبى بكر الصديق أن يطاردا المشركين حتى يروا أن بالمسلمين قوة فلا يفكروا فى الرجوع إلى المدينة واستئناف القتال ، فقاد أبو بكر والزبير سبعين رجلا من المسلمين ، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فإن البراعة الحربية التى استخدمها الصديق والزبير جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التى أجاد الزبير مع الصديق إبراز قوتها ، ما هى إلا مقدمة لجيش الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة، فخافت قريش على نفسها ،وأسرعت السير عائدة إلى مكة قانعة بما حققته من نصر فى أحد.
وفى سنة 5 هجرية حاصرت قريش والأحزاب المسلمين فى المدينة، وكان المسلمون قد حفروا خندقا حولها حتى يمنعوا وصول المشركين إليهم، وظل حصار المشركين للمسلمين عدة أيام ، ثم أرسل الله على المشركين ريحا شديدة، أجبرتهم على ترك المدينة ، والرجوع إلى مكة منهزمين ، وكان يهود بنى قريظة فى المدينة ، قد خانوا العهد ، وساعدوا المشركين على قتال المسلمين ، وانضموا إلى الأحزاب ليقاتلوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلما انهزم الأحزاب عزم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على معاقبة يهود بنى قريظة ، فعرض النبى (صلى الله عليه وسلم) على الصحابة أن يذهب واحد منهم لمعرفة أخبار هؤلاء اليهود ، فوقف الزبير دون تردد وقال : أنا يا رسول الله .
فوافق الرسول ( صلى الله عليه وسلم) على قيامه بهذه المهمة الخطيرة ، وقال (صلى الله عليه وسلم):" إن لكل نبى حواريا ، وحوارى الزبير".متفق عليه.
وقام الزبير ( رضى الله عنه ) بهذه المهمة خير قيام ، وأخبر النبى(صلى الله عليه وسلم) بأمرهم، فقام النبى( صلى الله عليه وسلم) ومعه الزبير والمسلمون لحصار بنى قريظة ، فلما طال حصارهم دون أن يستسلموا أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) الزبير مع على بن أبى طالب ، فوقفا أمام الحصن المنيع ، وقالا :" والله لنذقن ما ذاق حمزة أو لنفتحن عليهم حصنهم" ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن ، وبقوة أعصاب مذهلة أحكما إنزال الرعب فى أفئدة المتحصنين بداخله ، وفتحا للمسلمين أبوابه ، فدخل المسلمون الحصن وانتصروا على اليهود وأجلوهم عن المدينة بعدما قتلوا الرجال وأخذوا الأموال ، وفى هذه الغزوة دعا النبى(صلى الله عليه وسلم) للزبير مرة ثانية بقوله:" فداك أبى وأمى" ابن سعد.
الخاتمة
لقد تناولنا فى هذه المقالة جزءا من حياة الصحابى الزبير بن العوام ( رضى الله عنه ) ، وللحديث بقية ، وسوف نستكمل باقى حياته فى المرة القادمة بإذن الله.