الإسلام وإصلاح المجتمع

الإسلام وإصلاح المجتمع

0 المراجعات

الإسلام وإصلاح المجتمع 

منهج السنة النبوية في الاعتدال والوسطية 

وللسنة النبوية دورها في الاعتدال والوسطية من حيث البيان والتفصيل لما جاء في القرآن الكريم ، ومن حيث توضيح منهج الاعتدال والوسطية ، من خلال الأحاديث النبوية ، ومن تطبيقات الرسول (r) لها في المجتمع الإسلامي ، ومع المسلمين ، فكرا أو سلوكا ، وقد كان للتوجيهات النبوية أثرها في غرس أسس الاعتدال في الأمور كلها .

وكان رسول الله (r) إذا علم أن أحد من الناس يتشدد أو يغالي حتى ولو كان في العبادة ينهاه عن ذلك ، ويوضح أن أحب الدين إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه .

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (r) دخل عليها وعندها امرأة قال : من هذه ؟ قالت : هذه فلانة ، تذكر من صلاتها قال : [ مه عليكم بما تطيقون ، فو الله لا يمل الله حتى تملوا ] وكان أحب الدين إليه ما دوم عليه صاحبه .

وسطية الإسلام

ولا نريد بالوسطية أن يكون الإنسان في درجة المتوسط في عبادته أو عمله أو سلوكه ، ولا أن يكون متوسط العلم أو العمل أو السعي أو الخلق ، أو أن يكون متوسط العلم أو العمل أو السعي أو الخلق ، أو أنه لا يكون متقدما ممتازا في هذه الأمور ، بل نريد بالوسطية الأجود والأفضل ، والأكمل والأعدل ، وخير الأمور أوسطها أي : أعدلها .

وسطية الأمة :

لقد وصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بأنها الأمة الوسط قال الله تعالى : ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( (البقرة : 143) 

والآية الكريمة تشير إلى أن الله تعالى حين حول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة قبلة إبراهيم (u) واختارها لعم ليجعلهم خيار الأمم ، ليكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ، لأن الجميع معترفون لهذه الأمة بالفضل . وواضح أن رسول الله (r) لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهل المدينة اليهود ، فأمر الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول (r) بضعة عشر شهرا .

وسطية العقيدة 

وتعني وسطية العقيدة أنها عقيدة خيرة ، سمحة واضحة ، مستقيمة عادلة ، لا إكراه فيها ، وتعقيد يؤمن العباد فيها بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ويؤمن العباد فيها إيمانا لا تمثيل فيه ولا تعطيل ، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

وجملة القول أن عدوة الإسلام إلى العقيدة الحقة التي نؤمن فيها بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد (r) نبيا ورسولا ، دعوة فيها التوجيه الإسلامي ، وليس فيها الإكراه عليها ، كما قال الله تعالى : ) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( .

الوسطية في العبادة

من العبادات التي تتجلى فيها الوسطية : الصلاة ، فليست كثيرة شاقة ولا قليلة لا تترك أثرا ، بل هي خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا تعارض بين أدائها وبين العمل في الحياة ، والسعي في الرزق ، فالمسلم يعمل ويكدح ويسعى ، فإذا نودي للصلاة ، أجاب ثم يعود إلى عمله .. وهذا فهو يعمل لدنياه ويعمل لآخرته .

إن رحمة الإنسان بنفسه لها أهميتها وأثرها ، حتى ولو كان ما يأتيه الإنسان عملا من أعمال العبادة ، فالإسلام يدعو الإنسان إلى إعطاء جسده قسطا من الراحة ، ليستطيع القيام بأعماله وعباداته .

إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا (بين سلمان وأبي الدرداء)

في هذه القصة عدة دلالات على وسطية الإسلام ، وعلى دقة التشريع السماوي ، حيث كفل الحقوق التي يجب أن يراعيها الإنسان المسلم ، فهناك حق الله تعالى الذي يجب على الإنسان أن يؤديه ، وهناك حق للأهل على الإنسان يجب أن يقوم به ، وهناك حق للنفس على صاحبها يجب أن يتنبه إليه ، وأن يعطي كل ذي حق حقه ، بحيث لا يشغله جانب على آخر ، وبحيث لا يقصر في حق على حساب الآخر .

ومن أبرز سمات الوسطية سماحة التشريع الإسلامي 

من أبرز سمات التشريع الإسلامي : سماحته ويس أحكامه فليس فيه حرج ولا مشقة ، ولا عسر ولا تنفير ، بل فيه اليسر والرحمة ، والخير والتبشير .

والذي يتصفح تعاليم الإسلام يرى هذه الحقيقة واضحة بأجلى معانيها وأوضح صورها ونماذجها في العقيدة والعبادة والمعاملة .

أما في العقيدة : 

فليس فيها تعقيد ولا غموض ، ولا نظرية جانحة ولا فلسفة حائرة ، بل تتركز عقيدته في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، حلوه ومره .

وليس في عقيدته إيمان بما جاء به البشر ، بل إيمان بما أنزله الله على رسوله (r) : ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ( .

رد بعض الشبهات 

وقد أثار أعداء الإسلام وخصومه بعض الشبهات يحاولون بها أن يتهموا الإسلام بأنه يعادي الناحية الروحية ، وهي – بدون شك – شبهة واهية لا أساس لها من الصحة ، فإن التشريع الإسلامي جاء وافيا بحاجات البدن والروح ، وبتنظيم الجانبين ، والاعتدال فيهما بلا إفراط أو تفريط ، فقد وجه القرآن الكريم جميع المسلمين إلى مراعاة مطالب الدنيا والآخرة حتى في دعائهم فقال سبحانه وتعالى : ) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)  أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) ( (البقرة) 

إن الإسلام دعوة إلهية لسعادة البشر دنيا وأخرى ، وفي قوانينه الرشيدة أمان للنفس والمال والعرض ، وفي ظل تعاليمه السمحة المضيئة تشرق حياة الناس بالخير والرشد والحق والسعادة ، والله هو الهادي إلى سواء السبيل .

من توجيهات السنة النبوية في إصلاح المجتمع

 رعاية الأسرة :

دعا القرآن إلى الإحسان إلى أساس الأسرة المتمثل في الوالدين حيث قال الله تعالى : )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) ( (الإسراء) 

ووضحت السنة النبوية أن السعي على رعاية الوالدين والأبناء ورعاية النفس يدخل في نطاق ما هو في سبيل الله تعالى ، عن كعب ابن عجرة (t) قال : مر على النبي (r) رجل فرأى أصحاب الرسول (r) من جلده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله . فقال رسول الله (r) : [ إن كان خرج يسعى على ولد صغار فهو في سبيل الله ، وإن كان يخرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان يخرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ] .

رعاية الفئات المحتاجة : 

أكدت السنة النبوية الشريفة الدعوة إلى رعاية المحتاجين من الفقراء والمساكين والآرامل واليتامى ، لأنها طبقات تحتاج إلى مد يد العون إليها وقد دعا الإسلام إلى التعاون على البر والتقوى ، ووضح الرسول (r) فضل من يرعى المحتاجين وثواب من يسعى لرعاية الأرملة والمساكين .

وقد وضح الرسول (r) أثر العطف على اليتيم ، لدرجة أن من مسح على رأس اليتيم رحمة به وشفقة عليه يكون له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات فيكافئه الله على حبه لليتيم ورحمته به.

بل إن علاج قسوة القلب يكون في رحمة الإنسان باليتيم ومسح رأسه وإطعامه ، فبهذا يلين القلب.

وقد أكدت السنة النبوية ثمرة عيادة المريض ، وأن لها عند الله تعالى مكانة عالية لدرجة أن الذي يعود مريضا يشبه الحديث بأنه في الجنة ولديه ثمارها ، تأكيدا لرحمة الله له وكرمه لمن يعود مريضا .

الإصلاح بين الناس :

وللسنة النبوية الشريفة أثرها في الإصلاح بين الناس تطبيقا وتفصيلا .

وتأتي السنة النبوية فتوضح أن ثواب إصلاح ذات البيت وفضلها أعظم من العبادات الكثيرة ، بل أفضل من الصيام والصلاة والصدقة . 

وإنما كان لإصلاح ذات البين هذه المكانة العظيمة لأن فساد ذات البيت تحلق الخير وتستأصله كما يستأصل الموسى الشعر .

ومما لاشك فيه أن الإصلاح بين الناس هو إصلاح للمجتمع ، ودرء لما عساه يقع بين المتخاصمين من شر .

ومن أجل دفع السوء عن الناس أو لسوء الظن بهم أو سوء الظن بهم أو محاولة بعضهم احتقار البعض دعت السنة النبوية إلى دفاع المسلم عن عرض أخيه المسلم ، وأن يرد عن أخيه في غيبته وأن ينصره إذا حاول أحد انتهاك حرمته .

محبة الناس بعضهم لبعض 

وتركز السنة النبوية الشريفة في إصلاح المجتمع على أن يحب الإنسان أخاه الإنسان قال الله تعالى : )الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ( (الزخرف) 

ولا شك أنه بمحبة الناس بعضهم لبعض تزول البغضاء ، وحين تزول البغضاء ويحل في النفوس الحب والصفاء يكون المجتمع في أمان وفي تعاون واطمئنان .

ولا ريب أن محبة الناس بعضهم لبعض تصوغ منهم مجتمعا متعاونا على البر والتقوى ، وتصون المجتمعات البشرية من الرذائل ، وتنشر فيها الفضائل .

ومن عناية الإسلام واهتمامه بالحب في الله أنه ربط الإيمان به ، ولم يجعل الإيمان مكتملا إلا بمحبة الناس بعضهم لبعض .

عن عبادة بن الصامت (t) قال : سمعت رسول الله (r) يأثر عن ربه عز وجل : [ حقت محبتي للمتاحبين في ، وحقت محبتي للمتواصلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ] 

وفي هذا الحديث تأكيد على أهمية محبة الناس لبعضهم وأهمية التواصل بينهم ، فلا يقطع بعضهم بعضا ، ولا يخاصم أحد أحدا بل عليهم أن يكونوا في تواصل ، وعليهم أن يتزاوروا وأن يتباذلوا ، كل ذلك من أجل توثيق عرى المحبة بين الناس وتأكيد على وشائج المودة بين الناس.

تأكيد السنة على حسن الخلق 

لأهمية الأخلاق في الإسلام أثنى الله تعالى على رسوله (r) في القرآن الكريم بالخلق العظيم حيث قال الله سبحانه مخاطبا الرسول (r) : ) وإنك لعلى خلق عظيم ( 

ووضح الرسول (r) المدى العظيم الذي يبلغه صاحب الخلق الحسن ، إن مثوبته عند ربه سبحانه وتعالى تبلغ درجة الصائم القائم .

ويوضح الرسول (r) ثمرة حسن الخلق فيبين أن الخلق الحسن أثقل ما يكون في الميزان .

كما وضح ثمرة الخلق الحسن بأن أصحابه يكونون يوم القيامة أقرب الناس إلى رسول الله (r) مجلسا وأحبهم إليه .

منهج الإصلاح 

إن الأمة تتنادى بين وقت وآخر إلى الإصلاح في كل مجالات الحياة ، إلى الإصلاح الاقتصادي والسياسي والتعليمي والاجتماعي والتربوي .. إلى غير ذلك من أطر الإصلاح .

بيد أن الإصلاح إنما يبدأ من الذات من إصلاح الفرد أولا ثم المجتمع ، ثم الأمة .

فإن الناظر إلى إصلاح الفرد لنفسه أو لأسرته أو للمجتمع يرى أن هناك مواقع للعمل ، ودوائر رسمية وغير رسمية في حاجة لإصلاح القائمين فيها مسئولين وغير مسئولين ، فإن الذي يجري من الشحناء والتباغض والتحاسد بين الناس يمثل أخطر أسباب الفساد في الأرض ، لأن فساد ذات البين الحالقة لا أقول تحلق الشعر بل تحلق الدين ، ومن هنا كان البدء بإصلاح ذات البين من أهم أسباب الإصلاح ، قال الله تعالى : ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ( (الأنفال) 

وإذا أصلحنا ذات بيننا أصلح الله بيننا دنيا وأخرى .

وإن أمتنا في هذه الآونة في أمس الحاجة إلى إصلاح ذات البين ، فقد حدث تنازع وصراع بين بعض الدول بعضها مع بعض وبين بعض المؤسسات ، وبين بعض الأفراد في الموقع الواحد ولطالما انتشرت الخصومات والعداوات والأثرة والأنانية وحب الذات ، وشهوة الصعود على أنقاض الآخرين ومحاولة نسج المكائد وافتعال الإضرار بالغير بغية الصعود والتسلق وإقصاء البدائل إلى غير ذلك من صور البغي والتسلط ، وهي ظواهر تحدث تخلخلا في المجتمعات ودوائر العمل.

ركائز التمكين في الأرض 

إن رسالة الإنسان في الحياة ليست شيئا يسيرا ، ولكنها استخلاف في الحياة ، وقيام بمهام لها أصول ثابتة ، ومحكومة بقانون إلهي عادل ، فلا يستخلف في الأرض إلا من كان صادق الإيمان مخلصا في عقيدته ، جادا في عمل الصالحات على هدى ونور كما قال الله تعالى : ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ( (النور: 55)

وركائز التمكين في الأرض تكون بتوثيق الصلة بين الخلق وخالقهم ، وإقامة الصلة الدائمة بينهم وبين الله تبارك وتعالى في كل يوم خمس مرات بأداء الصلاة التي هي عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فيد هدم الدين .

فما يحدث من قلة الموارد وكساد الاقتصاد والقحط بسبب ما اقترفه الناس من المعاصي ، وفي ترك الشر والعاصي ومقاومة الأشرار والأخذ على أيدي العصاة إصلاح للمجتمع . وإذا كان ربط الصلة بالله على أساس متين ، وربط الصلة بالمجتمع ، والدعوة إلى الخير من ركائز التمكين في الأرض ، فإن هناك أسسا أخرى لا تقوم سعادة الفرد أو الجماعة إلا على أساسها ، وقد حددها القرآن الكريم وجعل منها نظاما إلهيا يربط به سعادة الفرد والجماعة فقال الله تعالى : ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)( (النحل) 

وهكذا نرى أن الله تعالى يوفر لعباده أسباب الحياة الطيبة وهي السعادة والاستقرار والأمن والتمكين هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فإن لهم جزاءا وافرا على ما كانوا عليه من إيمان واستقامة ، وهذا الجزاء ليس مقدار ما كانوا يعلمون وإنما هو جزاء  ) بأحسن ما كانوا يعملون (

الحضارة الإسلامية 

للحضارة الإسلامية مكانتها وأصالتها ، وقد عرف العالم الغربي لها عظمتها ، فكان يقبس منها ، ونهضت الترجمة ونقل مفردات هذه الحضارة إلى الغرب ، إذ كانت هذه الحضارة الإسلامية في أوج عزتها وقوتها حين كانت دول كثيرة في الغرب وفي غيره تغط في ثبات عميق .. وكان للحضارة الإسلامية فضلها على حضارات العالم .

وكما وجه الإيمان المسلمين إلى البناء والتعمير لقيام حضارتهم التي قامت على أساس الصلة بالله عن طريق المسجد ، فإن الإيمان وجه حضارة الإسلام إلى السلام فهي حضارة مسالمة ، لا صدام بينها وبين غيرها ولا عنف ولا إكراه فيها .. بل إن الإسلام أقام حضارته على السلام من أول وهلة ، كما صنع رسول الله (r) بين الأوس والخزرج وأصلح بينهم بعد حروب استمرت كثيرا من السنين حتى جمعهم الله بالإسلام .

ودعا الإسلام في بناء حضارته على أساس الإيمان بروح التسامح ، فكانت معاملة المسلمين مع إخوانهم ومع غير المسلمين تتسم بالتسامح .. فكانت معاملة الرسول (r) تقوم على روح المحبة والتسامح والبعد عن مقابلة السيئة بمثلها ، لقد آخي بين المهاجرين والأنصار وضرب الأنصار أروع الأمثلة بالإيثار الذي تعاملوا به مع المهاجرين .

ومن أسس الحضارة الإسلامية – بعد الإيمان – العلم ، ولا شك أن الإسلام هو دين العلم ، وفي أولى لحظات الوحي كان الأمر بالقراءة والتعلم بالقلم ، وفي أولى لحظات الوحي كان الأمر بالقراءة والتعلم بالقلم ، وبيان مفاتيح الحضارة الإسلامية من أول لحظة .

ومن أسس الحضارة الإسلامية بعد الإيمان والعلم (العدالة) وقد تجلى التوجيه إليها في الأمر الرباني : ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( . وفي قول الله تعالى : ) وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( كما تجلى العدل في توجيهات رسول الله (r) وأفعاله وسلوك الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

واجبنا في مواجهة التحديات 

إن للأمة الإسلامية مكانتها التي أحلها الله سبحانه وتعالى إياها ، حيث جعلها أمة وسطا : لتكون شاهدة على الأمم : ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ( 

ومن أجل أن تكون شاهدة على الأمم كان لابد أن تتسم بالعدالة فكانت أمة وسطا أي أن أهلها عدول.

خيرية الأمة الإسلامية 

لقد بوأ الله تعالى هذه الأمة الإسلامية ، مكانة عظيمة علية ، حيث جعلها خير الأمم ، وأرسل إليها خير الرسل ، وأنزل عليها أحسن الحديث وأكرم الكتب السماوية .

وجعلها خاتمة الأمم ، وبعث رسولها سيدنا محمد (r) خاتما للأنبياء والمرسلين ، وجعل دستورها السماوي ، وهو القرآن الكريم خاتم الكتب ، وكلمة السماء الأخيرة إلى أهل الأرض ، وجاء تبيانا لكل شيء .

ولم تكن خيرية هذه الأمة لتأتي من فراغ ولا بطريق المصادفة ، ولا محاباة من القدر بل كانت خيريتها منوطة بواجبها ورسالتها ، وذلك أن الأمم السابقة ، كانت تكلف بشيء واحد هو الإيمان بالله ورسوله والطاعة فيما أنزل على رسولها ، أما هذه الأمة فقد كلفت بأمرين :

الأول : ما كلفت به الأمم السابقة من الإيمان والطاعة .

والثاني : هو أن تقوم برسالة رسولها فتدعو إلى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، وتصل بذلك إلى درجة الفلاح قال الله تعالى : ) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ( (آل عمران) 

أهمية الحوار في الإسلام

يدعو الإسلام إلى الحوار وصولا للحق ، وتثبيتا له ، وإقناعا للآخرين به ، وإقامة للحجة ، وتأليفا بين القلوب ، وإقامة للأمان والاستقرار في العالم .

نبذ الإسلام للإرهاب 

لقد دعانا الإسلام إلى الإيمان بجميع الرسل دون تعصب ، فقال تعالى : ) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) ( (البقرة) 

وجاءت عبادة الإسلام سمحة لا حرج فيها ، ) وما جعل عليكم في الدين من خرج ( وجاءت تتسم باليسر ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وتتسم معاملته بالسماحة [ رحم الله عبدا سمحا إذا باع وإذا اشترى ، وإذا اقتضى ] وليس هذه السماحة والرحمة في حال دون حال بل إنها كما تكون في وقت اليسر والسلم تكون وقت الشدائد بل حتى في وقت الحروب حين ينازل المسلمون أعداءهم ، ويردون عن أنفسهم عدوانهم فيأمرنا ديننا ألا نقتل شيخا كبيرا ولا عجوزا ولا طفلا ولا طفلة ولا امرأة وألا نحرق زرعا وألا نهدم بيتا أو بناء .

بل إن الإسلام يحرم الإرهاب حتى ولو كان بالنظرة التي يخيف الإنسان بها أخاه الإنسان فيقول : [ من نظر إلى أخيه نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة ] ولا يقتصر أمر حرمة النفس الإنسانية وأمر صيانة الإنسان لها على هذا النحو فحسب بل إنه يصور حرمة النفس ولو كانت غير مسلمة ، ولو كانت غير تابعة لدين الإسلام .

بهذا الأسلوب والمنهج دخل الناس في دين الله أفواجا لأن الإسلام صان حرمة النفس الإنسانية ، وصان حرمة المسلم وصان حرمة غير المسلم .

جريمة الإرهاب وحرمة النفس 

إن الإرهاب من أبشع الجرائم التي تهدر حق المجتمعات في الأمن والاستقرار ، وتهدر حق النفس ولذلك كان الوعيد الشديد لمن يعتدي على النفس الإنسانية في الحياة . عن أنس (t) قال : قال رسول الله (r) : [ أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ] .

السلام في الإسلام

السلام يضمن معناه ، الأمن والسكينة ، والسلامة والطمأنينة ، والبعد عن الخوف والأذى ، وعن الحروب والمتاعب.

وجعل السلام تحية حين يتلاقون ، إشعارا وتنبيها بأن دينهم هو دين السلام ، والأمان ، وأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يردوا تحية السلام بأحسن منها إذا ما حياهم أحد من إخوانهم أو أن يردوها بمثلها فقال سبحانه وتعالى : )وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) ( (النساء) 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة